أنطوان القزي

ونحن في المرحلة التكميلية في مطلع السبعينات، زارنا الإمام المغيّب موسى الصدر  (ذكراه كانت أمس) في معهد مار شربل في الجية ضمن زياراته الدورية التي كان يقوم بها  الى الكنائس الأديرة . وفي سياق كلمته القيّمة التي ألقاها يومها تطرّق إلى بلدة مغدوشة التي كان زارها منذ أسبوعين وسيعود الى زيارتها قريباً  كما تحدّث عن معاني ودلالات إقامة تمثال سيدة المنطرة فيها (الصورة) والتي نطلق عليها في الشوف والجنوب (سيدة مغدوشة) .

وكان من عادة والدتي أن تصطحبنا عشية عيد سيدة المنطرة ( 8 أيلول) من كل عام لنقصي الليل في الساحة قرب التمثال بعد المشاركة في الصلاة، وأذكر أنه سنة 1971 وكان عمري 13 سنة كانت قربنا امرأة تضع على رأسها منديلاً  كبيراً تفترش وعائلتها الساحة مثلنا، التفتُ ألى والدتي  وسألتها”وهل  المسلمون أيضاً يشاركون في هذا العيد”؟ أجابنتي والدتي أنها تلتقي كل عام في مثل هدا الوقت بعائلات مسلمة من كل الجنوب لتكريم العذراء.

كان عيد سيدة المنطرة في مغدوشة محطة تلاق بين صيدا السنية والجنوب الشيعي ومغدوشة المسيحية وضواحيها ، فكانت مسيرات السيف والترس وكانت معارض الزهور وفنجان القهوة في محطة الغاردينيا.

سنة 1987 دفعت مغدوشة ثمن “حرب الأخوة” على أرضها بين أمل و”حزب الله”، هذه الحرب التي فعلت بمغدوشة من دمار وخسائر وتهجير ما لم تفعله الحروب الإسرائيلية ببلدات وقرى كثيرة في الجنوب، وهذا واقع وليس كلاماً سياسياً أو إنشائياُ.

عضّ المغدوشيون على جراحهم وعادوا وتعاملوا مع جيرانهم بمحبة وأخوة وانفتاح وكأن الحرب الطاحنة ما مرّت عليهم وما نالت من أرزاقهم وجنى أعمارهم.

لم يحصل أن قرأنا في الشريط الأمني منذ بداية الحرب اللبنانية أن أهل مغدوشة قطعوا طريقاً أو خطفوا مواطناً أواعتدوا على عابر رغم أنهم تعرضوا للخطف والقتل والإخفاء مرّاتٍ كثيرة.

وبعد الحرب الدموية بين الفصائل الفلسطينية في عين الحلوة ورغم أن مغدوشة نالت نصيباً وافرا من هذه  الحرب في الممتلكات والأرواح، استضاف مزار سيدة المنطرة في البلدة سنة 2012 لقاء المصالحة بين الفصائل برعاية المطران ايلي بشارة الذي أكّد في كلمته على علاقة الصداقة المسيحية الإسلامية ما بين مخيم عين الحلوة وبلدتي مغدوشة ودرب السيم.

وبشهادة المتابعين لأحداث لبنان والجنوب والمخيمات، بقيت مغدوشة حاضنة السلام لأنها يوم كانت تأكل العصي وغيرها يعدّها بقيت تعضّ على الجرح وتبتسم.

مغدوشة لا تستحق اليوم أن يحطّموا مزاراتها، ليس لأن أبناءها امتلكوا 90 في المئة من مستشفيات صيدا حتى آخر الثمانينات، وليس لأنهم كانوا يشكلون عصب الحياة التجارية في المدينة، وليس لأنها ريحانة الجنوب وعروسه، وليس لأنها عاصمة الكثلكة في الجنوب وليس لأنها تشتهر بالعنب الذي سُمّي على اسمها “عنب مغدوشة”، بل لأنها كانت وما زالت “تدير خدّها الأيسر لمن ضربها على خدّها الأيمن “.

إرفعوا أيديكم عنها ولا تبيعوها ب”غالون” بنزين وهي التي كانت مزروعة في قلب إمامكم ، والتي أطفأت الكثير من حرائق خلافاتكم.

ربما تكون مغدوشة إحدى البلدات القليلة إن لم تكن الوحيدة في لبنان التي لا تستحق حتى أن نرميها بوردة، أقول ذلك بكل قناعة وراحة ضمير.

رحم الله الإمام الصدر في يوم ذكراه وحمى مغدوشة والجنوب ولبنان.