* بي بي سي نيوز – سيدني

عندما تقدم العداء الأسترالي نجم الدين المعروف باسم بيتر بول، في المراحل الأخيرة من سباق 800 متر في أولمبياد طوكيو، حبست أستراليا بأكملها أنفاسها، غير مصدقة ما رأت.

ولدقيقة كانت الأطول على الإطلاق، كان بول يتقدم المجموعة بالكامل تقريباً، محافظاً على سرعته في المقدمة.

كان يظهر على جميع الشاشات في كافة أنحاء البلاد، تمنى الأستراليون (الملايين منهم يعيشون في حالة إغلاق) أن يكون الفائز في السباق ويصبح أول أسترالي يفوز في هذا السباق منذ 53 عاماً.

ولسوء الحظ، لم تكن النهاية كما تمنوا، فمع بلوغ المنعطف الأخير من مضمار السباق تقدم آخرون عليه، وأصبح بول في المركز الرابع.

وقال بول عقب السباق: “لم أكن أعرف ما إذا كنت سأفوز أم لا، لكنني كنت أعرف شيئاً مؤكداً وهو أن جميع الأستراليين الآن يشاهدونيي ويعيشون حالة ترقب، وهذا ما دفعني للاستمرار”.

اثمر أداء بول في طوكيو عن تحقيق أرقام قياسية على الصعيد الوطني، وخصوصاً، أن فوزه في التصفيات النهائية ، أشعل حماسة الأستراليين.

قبل السباق النهائي، أصبح وجود بطل جديد في المضمار، يبلغ من العمر 27 عاماً من أصل سوداني، محط اهتمام الأستراليين من جميع الخلفيات، وقرأ الكثيرون كل تفاصيل حياته.

وُلد بول فيما يعرف الآن بجنوب السودان، وفرت أسرة بول إلى مصر عندما كان في الرابعة من عمره وبعد أربع سنوات، هاجر مع أسرته إلى أستراليا بعد حصوله على إقامة إنسانية لمدة اربع سنوات.

ذهب إلى المدرسة في بيرث وحصل على منحة دراسية في مجال كرة السلة، لكن مدرسي الرياضة لاحظوا موهبته ومهارته في رياضة الجري، فعمل المدربون المحليون ووالده على الاهتمام به.

رغم عدم شغفه بهذه الرياضة في بداية الأمر، إلا أنه انتقل في نهاية المطاف إلى ملبورن لتلقي التدريبات بدوام كامل، وغالباً ما كان يقضي أوقاته بعيداً عن أسرته للمشاركة في السباقات في أوروبا.

بعد 10 سنوات فقط من دخوله مجال الرياضة، كان بول قد رسم مسار حياته في ثاني أولمبياد يشارك فيه.

وفي أولمبياد طوكيو، احتفل بإنجازه الأستراليون على نطاق واسع. لاحظ الكثيرون أيضاً كيف أنه ساعد في تطوير النقاش في أستراليا حول شكل أبطال الرياضة على المستوى الوطني وكيف يجب أن يكون مظهرهم.

كتب كريغ فوستر، وهو مدافع عن حقوق طالبي اللجوء ولاعب كرة قدم أسترالي سابق: “إن رؤيتك وأنت تلهث في السباق مرتدياً اللونين الأخضر والذهبي، يمنح أملاً كبيراً لأستراليا وما نصبو إليه نحن جميعاً”.

السودانيون من اصول أسترالية على وجه الخصوص، شعروا بالكثير من الفخر من استحواذ بول المفاجئ على الاهتمام الوطني.

وتعرضت الصحافة والسياسيون الأستراليون لانتقادات لتهميشهم الجالية السودانية في السنوات الأخيرة، لا سيما مع انتشار قصص مروعة حول العصابات والعنف.

وكتبت نيادول نيون في مقال صحفي انتشر على نطاق واسع في يوم السباق “كوني مواطنة أسترالية من جنوب السودان تعاني من أزمة الانتماء والهوية، سأنسى ذلك الأمر لبضع لحظات، بفضل بيتر بول، الذي بات رمزاً لما نطمح إليه كأمة ليس فقط في الألعاب الأولمبية، بل كل يوم”.

وأضافت أن إنجازات بول يجب ألا تكون “المعيار الذي يجب على المرء تحقيقه حتى يتم قبوله في المجتمع”.

وجادل الكثيرون أن عام 2021 ، يجب أن يكون عام ظهور بول كبطل قومي أسترالي سواء كان ذلك مع إشارة إلى أصوله الأثنية أو بدونها.

كتبت نيون: “أريد أن أفصل ما بين إنجازاته الشخصية ونير كلمة “اللاجئ” المولود في السودان والذي هرب من بلاده بسبب الحرب التي مزقته عندما كان طفلا في الرابعة من عمره، لكي يعرف بول بالمجد الذي حققه كإنسان”.

كما رفض بول أن يُصنف ضمن أي فئة معينة بسبب لونه أو عرقه.

وقال في مقابلة له العام الماضي: “لا أعتقد أنه يجب النظر إلى الناس على أنهم لاجئون أو مهاجرون أو أي شيء من هذا القبيل، بل يجب أن يتجاوز حديثنا ذلك ويجب أن يكون أرقى من ذلك وعلينا التعرف على الشخص بشكل افضل بدلاً من اللجوء الى المفاهيم والمواقف النمطية”.

وأشار في مقال صحفي له ، أيضاً إلى أن وسائل الإعلام ذكرت مراراً إنه قدم من مخيم لاجئين وهو أمر غير صحيح.

ووصف رياضة الجري التي يمارسها بأنها “من أجل المجتمع ولتعلم المزيد حول نفسي والعالم وإيجاد مكان لي في أستراليا”.

وبعد نهائي 800 متر ، سأل مراسل رياضي، بول، ما الذي يعنيه نجاحه للأستراليين من أصول سودانية، أجاب: “هو من أجل كل الأستراليين، جميعنا بشر في نهاية المطاف، لقد ألهمنا الأمة برمتها وهذا هو الهدف”.