المهندس نقولا داوود- سدني

في عز الحجر تفاديا لتمدد الفيروس الشرير ،

يدق الباب صباحا ،

أستغرب أي زيارة ،

انه جاري الحبيب الذي يطرق الباب ،ويجهش بالبكاء ،

ويحاول رفع رأسه الذي لم  ينكسه يوما ،

لا للهجرة ،

ولا للغربة ،

ولا لقلة المال ،

ولا لفراق الأحبة.

جاري الحبيب يرفض دخول البيت،

إحتراما لقانون دولته التي احترمته واعطته كامل الحقوق،

ومع انه اعطى بلاده الجديدة عرقه وتعبه وسهره ،

فهو ليس بجاحد ، إذ يشكر تراب البلاد الجديدة ويقبله،

ويشكر الله على نعمة القانون، والإنسانية بكل مضمونها ومعانيها،

يبتعد خطوات الى الوراء ليحافظ على التباعد الاجتماعي المطلوب  ،

ويقول:

حان ملء الزمان الغير منتظر ،

وتجمعت عناصر الهدم والهبوط  والاحباط،

وتجمع الفساد وتلاقى مع الطائفية  والوصولية والعنجهية والاستغلال،

 ومع تكدس العفن السياسي  واختلاط الغازات المنبعثة من ذلك العفن ،

انفجر المرفأ ،

لا بل انفجرت عاصمة الوطن ..

والوطن ..

وانكسرت قلوب الأهلين.. وقلوب المغتربين.

لكن رسالتي مختصرة وهي أمانة وأردت ان  تسمعها وتنقلها:

منذ ايام غربتي الأولى كنت حالما ان أكون مساهما بنهضة بلادي على كل صعيد ،

خاصة تغيير التفكير وإيجاد تفكير مغاير ، ومسالم ومختلف،

تفكير ينهي الفروقات بين مكونات الوطن الذي أحببت ،

وإكمال رسالة من سبقوني وجعلوا من ذاتهم وقفا للوطن،

وكانوا حالمين بنهضة المجتمع،

وها أنا أجد نفسي في الهزيع الرابع من العمر وكأنني عدت الى المربع الأول.

الوطن يا عزيزي سرمدي  ونحن مرحليون وذاهبون،

والمغترب  يحفظ قيمة الوطن في وجدانه،

ارجو من كل الاجيال ان تكرر محاولة النهضة،

قد تسقط اجساد وتستهلك طاقات فكرية كثيرة،

ولكن الغلبة هي للاستمرارية،

ارجو من الاجيال الحاضرة والمستقبلية ان يكملوا حلم الوصول الى المجتمع الفاضل،

ارجو ان تزهر الانسانية في بلادنا،

وعهد صادق انني سأكمل أيامي على ذات الطريق ،

ولو كان يشبه طريق الجلجلة،

وسأورث أولادي قضية مجتمع ووطن،

وأبقى أخدم قضيته نحو السمو والرقي ،

الى آخر يوم، وآخر  ساعة .

أجبت جاري:

تهب الرياح العاتية وتقتلع الاشجار ، ولكنها توزع بذور الازهار في الحقول البعيدة ،

يحص  الانفجار  المدمر الجلل ولكنه يزيد نعمة للعالم البعيد نتيجة هجرة الجبابرة،

من قلب المآسي تخرج اعظم النفوس ، هذا قول لجبران كاتب * الاجنحة المتكسرة*،

نعم تكسرت الأجنحة في الوطن وحلقت الأجنحة ذاتها بقوة في ارجاء العالم البعيد،

يوما ستعود الاجنحة والنسور  العالية،

وسيبنى هيكل الوطن،

وسيشكل كل مغترب ومقيم لبنة في الهيكل السليم الموعود،

أين هو بطل البناء الجامع للنفوس والإرادات والمقدرات ،

لا بد من وجوده .. أو ايجاده.