« ما دونه الغبار» رواية جديدة، صدرت عن «مكتبة كل شيء» حيفا، لصاحبها صالح عباسي، من القطع الكبير، عدد الصفحات 500 صفحة.
جاءت كلمة د. الكاتبة والناقدة نجمة خليل حبيب في الغلاف الخارجي: ومن يتابع رحلة دينا سليم حنحن، الروائية المؤلفة من ثمانية روايات، يشهد التطور الكبير الذي جرى في قصّها الذي تدرجت فيه، من رومانسية حالمة، مترفه، شاكية، باكية، متظلمة، مندهشة، إلى كتابة الرواية التاريخية الموثقة بالمصادر، دون أن تفقد رومانسيتها الشعرية التي تدهش وتلذ.
«ما دونه الغبار» رواية وفيّة لعنوانها، تحكي تاريخ فلسطين، من ذاكرة المغلوبين، وبلسان أبناء اللد الذين أصابهم ما أصاب غيرهم من المدن والقرى، من تهجير، وسحل، وتدمير، وتطهير عرقي. بطلتها الرئيسية الجدة جميلة التي سردت على حفيدتها حكاية عائلتها: عشقها لرشدي ووقوفها إلى جانبه في معارك 1948، إخلاصها له حتى مماتها المأساوي المرير. حكت جميلة سيرة اللد ما قبل النكبة عندما كانت الحياة هانئة، والعلاقات العائلية متينة ومترابطة، فيما روى سارد آخر ما كان في هذا المجتمع من فوضى وانتهازية، وتسوّل، وبطالة، وسرقة، وتهريب بضائع.
حكت الرواية دفاع أهل اللد المستميت عن مدينتهم، والمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في جامعها، وتجميع المواطنين في كنيسة المدينة، والناس الذين دفنوا أحياء، والآخرون الذين وقعوا بين ناري المقاومة والاحتلال.
ما بعد المجزرة: روى سليم حنحن:
«أظافر الموتى مولعة بالحياة، تْخَرْمَشْنا من أظافرهم لمّا حملناهم إلى القبر الجماعي، شو قسوة أظافرهم هاي، شيء بِمـَخوِل العقل!
كُنّا ستّة شباب وبحياتنا ما شفنا ميّت، فعلتُ ما لم أتوقعه من نفسي مع الشباب الأبطال، كنّا في عمر الرابعة عشر والسادسة عشر، وضعتُ نفسي مكان أهل الميّت، أحسستُ بلوعتهم، أكلت الشمس عيون الميتين، بطّل الواحد يشبه حالو، وما قدرت أعرف ولا حدًا منهم!
صلّيت على الجثث وقلت: « أبانا الذي في السّموات «، بتنفع للكل، لو كنت حافظ إشي من القرآن كنت قلتو، في هديك اللحظة، بتنسى حالك، وشو دينك وشو اسمك! «.
بينما كتب الناقد المغربي محمد معتصم دراسة طويلة في الرواية، مما جاء فيها: «لم تكن الكاتبة دينا سليم حنحن مُحابية لطرف على طرف آخر، بل سعت خلف الحقيقة الأقرب إلى الواقع، في أسلوب سردي وحواري (شهادات)، شائق. لن يعدم القارئ في هذه الرواية متعة القراءة وسردية التخييل، وشغف التاريخ، ودقة التدوين، والتوثيق.
وكتبت الكاتبة دينا سليم على صفحتها في الفيس بوك:
إبريق جدتي
في السّوق، وكانت ابنتي معي، قبل ست سنوات مضت، سقط نظري على إبريق شاي زجاجي ألوانه حيّة وورديّة، وقفت عنده فأخذني إلى طفولتي وذكرياتي مع جدتي وحكايتها مع جدي المفقود، استفزّ ذاكرتي، ووضعني عند حافة الأرق، وأمرني بالكتابة، فبدأت أخط ومن أستراليا ومن جديد، « ما دوّنه الغبار» بما أنني تركت المسودّة في فلسطين.
بعد عدة أيام، اقتنت ابنتي الإبريق ووضعته أمامي، فأخذته إلى غرفة المكتب وبدأت أخط، وكلما هربت مني الذكريات، نظرتُ إليه واستعدتُ الذكريات.
كان حلم جدتي، من ناحية الوالدة، أن أكتب سيرة حياتها الذاتية.
تطوّر الحلم وتوسّع، فليس من المعقول نسيان سيرة شعب عاش النكبة بكل تفاصيلها، وهكذا كبرت الأحداث لتغطي مساحة أخرى، ذكريات جدي من ناحية والدي، والمكان، مدينة اللد، آخر مدينة سقطت في النكبة.
كبر العمل وكبرت معه آمال شعب في الشتات، شعب تمرغت خطواته في غبار الترحال.