أنطوان القزي
من عادة الأحياء أن يصلّوا على أرواح أمواتهم، وفي حالة اللبنانيين اليوم، نطلب من شهداء اتفجار مرفأ بيروت أن يصلّوا للأحياء الباقين في وطنهم.
فيا شهداء الرابع من آب ، يا مّن بلغتم باستشهادكم مرتبة يصعب على مسؤولي وطنكم أن يستوعبوا معانيها ومغازيها.
أيها الشهداء، بغيابكم بتنا نحسد اليمن والصومال والسودان وكوريا الشمالية.
بغيابكم غضب أحفاد نيرون منّا، لأن ما حصل في بيروت في 4 أب 2020، جعل العالم ينسى أعمال جدّهم، حتى أن الله جلّ جلاله غضب منّا لأن ما حصل في بلدنا تجاوز سادوم وعمورة موتاً ودماراً وأهوالاُ.
بغيابكم أيها الشهداء، راحت السريلانكيات والأثيوبيات والبنغاليات يعرضن الدولارات على مخدوميهم السابقين من باب رد الجميل وليس من باب الشماتة، ليعوّضن ما سلبه الحيتان والغيلان من ودائع المواطنين وتفقيرهم وتجويعهم!.
أيها الشهداء، صلّوا أولاً ليشعر المسؤولون أن زلزالاً دمّر بيروت، وصلّوا ثانياً ليخلّصنا الله من كورونا السياسيين الأسوأ من الوباء المستجدّ.
صلًوا لوطنٍ تموت فيه الطفلة جوري السيّد (الصورة1) ابنة العشرة أشهر في بلدتها عانوت الشوفية لأنهم لم يجدوا لها دواءً!.
صلًوا لوطنٍ صارعت فيه الطفلة زهراء طليس (الصورة2)، ابنه الأربعة أعوام، الموت على مدار ثلاثة أيام في بلدتها بريتال، بعدما لدغها عقرب سام ولم تجد أسرتها علاجاً لها.
صلّوا لوطنٍ تخطف فيه النيران الفتى أمين ملحم ( الصورة3) وهو يساعد أهل بلدته كفرتون العكارية في إطفاء النيران!.
صلّوا لوطن يحرق فيه الفتى بلال عطية نفسه في باب الرمل في طرابلس لأن عائلته تعيش على مساعدة الجمعيات الخيرية!.
صلّوا لوطنٍ تموت فيه الطفلة تايونا صراف (7 سنوات) الأحد الماضي برصاصة طائشة في بلدتها منيارة ( الصورة4).
أيها الشهداء، هذه مشاهد حصلت في الأسبوعين الأخيرين في الوطن الذي قتلكم فيه تواطؤ مسؤوليه وهم حتى اليوم يملأون أنحابهم بعطر دمائكم حيناً وبدموع أمهاتكم وأبنائكم وزوجاتكم أحيانا,ً
صلّوا لأجلنا، كي ننجو من هذا الأتون الذي لم تشعر بلظاه أيدي الجلّادين «المتمسحين»، كي نخرج من العتمة التي لا يشعر بها فاقدو البصيرة من زعمائنا، وصلّوا لرغيف يصغر كل يوم ولحبة دواء باتت حلماً مستحيلاً ولشمعة باتت رفيقة السهر الوحيدة إذا توفّرت.
أيها الشهداء هل علمتم كم كانت رخيصة أرواحكم في قواميس طغاتكم وكم هم متجردون من كل صفات البشر.
وبدل أن يجهدوا لكشف الحقيقة ، اجتهدوا في خلق الحجج للهروب منها، وبدل أن يشكلوا هيئة طوارئ وطنية لكشف المستور اتفقوا على اختلاف مشاربهم ليُمعنوا في قتلكم مرة ثانية، والاجتماع الوحيد الذي عقدوه بعد انفجار المرفأ كان منذ أيام ليقرروا رفض رفع الحصانات عن غطرستهم!.
إنه العار الذي أدمنوا عليه، إنه الزلزال اللاأحلاقي الذي تجاوز مفعوله المرفأ وبيروت إلى كل لبنان.. ويصدّقون أنفسهم أنهم يمثلون الشعب، ويصدقون أن معظمهم محامين ، والواقع أنهم أسوأ أنواع المرائين والدجالين.
أيها الشهداء، صمّوا آذانكم لأن الإرتطام الكبير سيصل الى مسامعكم ، لأن أهلكم الأحياء يسيرون بسرعة قياسية نحو القعر.
أيها الشهداء ، أذكرونا بصلواتكم، نحن الشهداء الأحياء على امتداد ال 10452 كيلومتراً مربعاً!.
وفي الختام، إقبلوا منّا وردة باسم كل لبناني عربون وفاء لأرواحكم,
طيّب الله ثراكم أيها الأحبّاء.
.
.