ابراهيم بيرم

جولة أولى ثم ثانية لتليها جولة ثالثة من مفاوضات التأليف انعقدت في غضون اسبوع واحد بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، والحبل على الجرّار، اذ من المقرر ان يشهد طالع الاسبوع المقبل جولة اخرى رابعة وفق ما ورد على لسان ميقاتي، والمؤكد ان ثمة ما يتبع ويلي بهدف انضاج طبخة حكومية طال انتظارها بعدما استعصى انضاجها على رغم محاولات وجهود استثنائية بُذلت من هنا وهناك طوال اكثر من ثمانية اشهر.

ليس خافيا انه في الجولة الثالثة انخفض منسوب التفاؤل في امكان الولادة الحكومية لترسو على ما معدله الـ 60 بالمئة وفق ما راج وشاع. والاهمية باتت تتركز على الحيلولة دون مزيد من الانخفاض لئلا تتكرر تجربة الاسابيع الاولى من جلسات التفاوض والتحاور الـ 18 التي دارت بين عون والرئيس سعد الحريري، وكانت من الايجابية استهلالا ان خرج الرئيس نبيه بري الى الإعلام ليعلن بلسان صريح ان ساعات قليلة وسنشهد ولادة الحكومة المنتظرة.

 بعدها تغيرت المسارات وانقلب المشهد رأسا على عقب لتنتهي “ايام العسل” الى مسار مضاد ومغاير تجسّد بمشهد الاعتذار المرير لحظة خرج الرئيس الحريري من آخر لقاء له مع رئيس الجمهورية ليقول “الله يعين البلد”.

 الواضح بحسب كل معطيات الاسبوع الاول من التكليف، ان الرئيس المكلف حرص دوما على الظهور بمظهر المتعهد ضخ الاجواء والمناخات بجرعات الايجابية، المقرونة بالدعوة الى “اعطائنا فرصتنا الطبيعية” قبل ان ينطلق مَن ينطلق في رحلة التشاؤم، في حين يحافظ عون على صمت معقول لكنه حمّال أوجه.
والمفارقة ان تجربة التكليف المضنية والمريرة قد علّمت الناس ألا يغالوا في اطلاق الاستنتاجات الايجابية وألا يوغلوا في رحلة الانتظار المشوبة بالتفاؤل، لذا ظلّوا مقيمين على شعور هو اقرب الى اللايقين من اي شيء آخر.

يشاطر عضو كتلة “التنمية والتحرير” القيادي المخضرم في حركة “امل” محمد نصرالله (المعروف حركياً باسم ابو جعفر) المنزاحين الى الجانب المتشائم لحد الآن “الا اذا ظهرت بوادر ما ليست بالحسبان والعلم وتكون خارج كل التوقعات”.

ويقول في تصريح : “استنتاجنا المبدئي الاول ان المشهد الماثل امامنا هو اقرب ما يكون الى لعبة الاستيعاب الخفي والناعم بين طرفَي التأليف (رئيس الجمهورية والرئيس المكلف) وامتصاص احدهما إندفاعة الآخر الطبيعية في بداية ومنطلق عملية التكليف ومفاوضات التأليف، وذلك تمهيدا لما يمكن ان يلي ويظهر من محطات، وتحديدا للحظة الاستحقاق والتصادم التي لا نتمنى اطلاقا حدوثها”.

ويضيف نائب “امل” عن البقاع الغربي –  راشيا: “بعد ثلاث جلسات من التفاوض والاخذ والرد، فان المعلومات والمعطيات التي كوّناها توحي بان كلا الطرفين تحاشى الولوج بعد الى عمق القضايا التعقيدية والبنود الخلافية، حيث مربط الفرس ومحك الاختبار. ففي تقديرنا الاوّلي ان ما جرى الى الان هو نوع من التطواف المشترك حول العقد الاساسية المعروفة للقاصي والداني، والتي تحتاج الى الفكفكة وازالة الالغام، وكأنهم بهذا يتعمدون ارجاء مقاربة المشكل، ويحاذرون تصادم الخيارات والارادات، لذا فعندما يجدّ الجد يمكننا نحن وغيرنا ان نستشرف ونتكهن ونبني تاليا على الشيء مقتضاه”.
ولكن ماذا عن رؤية الرئيس نبيه بري لما جرى ويجري وعن توقعاته وهو المصمم على اداء دور محوري؟
يجيب نصرالله: “لا نجافي واقع الامر اذا قلنا ان دولة الرئيس بري وعلى جاري عادته، اختار اخيرا مقاعد المتفرجين والراصدين، فهو ادى المهمة الاولى المطلوبة منه وسمّى وكتلته (التنمية والتحرير) الرئيس ميقاتي رئيسا مكلفا، وان ذلك ينطوي على غاية اساسية مضمرة طالما تحدث دولة الرئيس بري عن اهميتها وهي انه بناء على حسابات معلومة مع ان يكون الحريري رئيسا للحكومة، او ان يبادر الحريري نفسه الى تسمية مَن يخلفه في هذه المهمة ويمنحه بركته، وهذا ما حصل حتى نتلافى تجارب غير مثمرة واضاعة الوقت”.

 ويستطرد نصرالله: “موقف الترقب للرئيس بري هو موقف طبيعي، وهو في الوقت نفسه بادر الى ابلاغ من يعنيهم الامر انه على اتم الاستعداد للقيام بما يُطلب منه لانجاز الاستحقاق المنتظر ساعة يطلب منه ذلك على غرار ما حصل منذ زمن ليس ببعيد”.

ومع ذلك يتابع نصرالله “ان الرئيس بري يأمل كل الأمل في ان تنتهي الامور الى ولادة حكومية بشكل مرن وسلس ومن دون حاجة الى وساطته ووساطة سواه”.

 وردا على سؤال يقول نصرالله: “لقد بات واضحا ان الحكومة المنتظرة ولادتها هي حكومة مهمتها الاساسية الاشراف على اجراء الانتخابات النيابية التي باتت قريبة جدا. ونحن نبني على اجواء ومعطيات مفادها ان العيون بما فيها عيون الغرب مصوبة تماما على هذه الانتخابات وعلى ما تحمله من نتائج تقلب المعادلات القائمة في مجلس النواب رأسا على عقب ويطاح بالاكثرية الحالية”.
لذا، يضيف نصرالله، “نحن نتوقع في اطار هذا التشخيص والسباق المحموم الى تلك الانتخابات، ونتيجة ما يسلط على الموضوع من اضواء اعلامية وإنفاق مال انتخابي خارج المألوف، ما من شأنه ان يساهم في حل جزء من الازمات الاقتصادية الاجتماعية المتراكمة، ولكن لا ننتظر ايجاد حلول ومعالجات عاجلة للازمات المستعصية مثل المحروقات والكهرباء والادوية وسواها”.

واضاف: “ثمة قراءة موضوعية لدى كثر تفيد بان معظم القوى السياسية قد منيت في الآونة الاخيرة بتراجعات قياسا مع الاعوام الماضية، وتحديدا مقارنة مع نتائج الانتخابات الاخيرة، وهي لذا شرعت في رحلة اعادة النظر في واقعها وفي حساباتها بهدف التصدي للمرحلة المقبلة. وفي كل الاحوال ستكون انظار الغرب ورهاناته مركزة على ما يسمى المجتمع الاهلي والمدني بهدف دفعه لخوض الانتخابات والحصول على كتلة معينة. واذا تحقق ذلك فانها ستعتبر نفسها في وضع المنتصر على الطبقة السياسية الحاكمة”.

 واذ يتوقع نصرالله ألا تشهد الساحة الشيعية اي تغيير يذكر، فانه يتوقع “ان يكون التركيز على الساحة المسيحية التي تبدلت المعطيات فيها. والسؤال هو: هل ستكون الكتلة الموعودة في هذا الشارع مأخوذة من رصيد حزب القوات او من رصيد التيار الوطني الحر، لاسيما ان هناك مجموعة من الشخصيات تعدّ نفسها لوراثة الموقف في هذا الشارع بناء على استطلاعات تقول ان رصيد كلا الطرفين قد اصابه ضمور”.