وأنا أتصفّح كعادتي كلّ يوم أخبار عددٍ من الصحف وقعتُ على خبرين متقابلين لكاتبين مختلفين: الأوّل يتحدّث عن يوميات المواطن اللبناني في سكنه الجديد في جهنم و اضطراره للعودة إلى استخدام الشمع في زمن العتمة الشاملة وانقطاع مادة المازوت ما أدّى إلى توقف مولدات الإشتراك.

وفي هذا الصدد كتبت هيام مصطفى على صفحتها الخاصة على الفيسبوك :”الليلة كلها ما قدرنا نمنا لأنو لا كهرباء اجت ولا اشتراك وعدا عن أنو كل الليل سهرانين على الشمعة كمان والبرغش أكلنا… الله ياخدكن كلكن لوين وصلتونا”… بالمقابل قالت ريهام بعدما نشرت صورة لشمعة أشعلتها في منزلها في الليل “تتشوفو لوين وصلنا مع العهد النحس والزمرة الحاكمة”، بينما علّق نزار على قطع الكهرباء المستمر وكتب “إذا شي نهار لقيتوني ببلد تاني بيكون البرغش حملني وطار فيي”.

وكذلك طلاب الجامعات وتلاميذ المدارس وهم الفئات الأكثر معاناة هذه الأيام، يدرسون على ضوء الشمعة ويعانون الأمرّين مع الحرّ. يقول عبد الباسط إسماعيل من عكار وهو تلميذ ثانوي “لم أر أسوأ من سياسات وزارة التربية في لبنان، وفي وقت لا يمكنهم تأمين الأوراق ولا يزالون يصرون على إجراء الامتحانات… كيف ندرس في مثل هذه الظروف؟ ع الشمعة مندرس يا خلق”؟

تحترق الشمعة وتذوب؛ ويذوب معها كل يوم قلب اللبناني المعذّب في بلد الآلام والأوجاع؛ وكل يوم وجع إضافي؛ ويبقى السؤال: ماذا بعد؟.

أمّا الخبر الثاني فيتحدّث عن حركة المغتربين العائدين وتمسكهم بأرضهم ووطنهم وإصرارهم على مساعدته.

“وفي موازاة المشهد السياسي الميؤوس، جراء عهر السياسيين، فإن بارقة امل تلوح في الافق من خلال القطاع السياحي، في ظل المؤشرات الأخيرة والمعلومات  عن قدوم اكثر من 300 الف مغترب لبناني لقضاء اجازة الصيف في ربوع بلدهم ،والى اكثر من 150 الف سائح  عراقي، بالإضافة  الى سواح من مصر والمغرب وتونس والدول الاوروبية وأميركا ، وحسب المعلومات فإن الطائرات القادمة من دول الخليج تنقل يوميا اكثر من 2000 مغترب،  وسيرتفع هذا العدد بعد منتصف  تموز الى 5000 مغترب وأكثر  يوميا ، مع معدل 8 رحلات يوميا من دول الخليج العربي، وأكثرهم من الإمارات.

وفي المعلومات أيضا، أن الفنادق اللبنانية ممتلئة بعد منتصف تموز، وكل الغرف محجوزة، بالإضافة الى السياحة الداخلية، وهؤلاء سيصرفون بالدولار وسيُدخلون الى السوق اللبناني  اكثر من مليار دولار  مع تأمين اكثر من 5000 فرصة عمل في المقاهي والفنادق، وحركة لسيارات الأجرة والمحلات التجارية.

ورغم ان القادمين الى لبنان “فدائيون” ومغامرون لأنهم يأتون في أسوأ مرحلة يعيشها في تاريخه، مع  انقطاع الكهرباء والمياه والطرقات والفلتان الأمني، ورغم ذلك أصروا على الحضور في غياب ادنى الخدمات، وفرض ال “pcr” على العائدين بقيمة 50 دولاراً عن كل فحص” .

..هؤلاء الفدائيون القادمون من منابع البترول في الخليج إلى وطن يقف فيه المواطنون بالطوابير طول النهار ليحصلوا على ليترَين من البنزين. والآتون من أضواء باريس وبرلين ولوس انجليس ليعيشوا على ضوء الشمعة. والمنتقلون من بيئة جنيف وستوكهولم وفيينا الى لبنانهم لكي يخوضوا معارك مع البرغش وليتعايشوا مع العتمة والحرّ وغياب الحدّ الأدنى من الخدمات..

ماذا عسانا نقول عن هؤلاء غير أنهم فدائيون ، وتبقى كلّ عبارات الثناء والتقدير مقصّرة في إيفائهم حقّهم؟!.

ألف تحية لكم أيها الفدائيون؟!.