استراليات
بقلم هاني الترك
By Hani Elturk Oam
جريدة التلغراف
في معرض كتاب بحثي عن تحديد العرب في دراسة تاريخ الجالية العربية في استراليا.. أشرت بإيجاز عابر أن المسيحي العرب هو مسيحي ديناً ومسلم وطناً.. وكان الوزير القبطي الأسبق مكرم عبيد قد قال: “أنا مسيحي ديناً ومسلم وطناً”.. فإن التعصب للوطن وليس للدين.
أثارت هذه النقطة جدلاً والاعتراض من بعض القرّاء.. لذلك رأيت أن أطرحها في النقاش الموسع مبيناً وجهة نظري لإجلاء القصد الذي عنيته من تلك العبارة.
قبل محاولة فهم تلك العبارة لا بد من لمحة تاريخية عن أصل العرب والديانات التي اعتنقوها.. كحقيقة تاريخية أن معظم العرب الذين أقاموا حول الهلال الخصيب ومصر ومن محيط الجزيرة العربية، هم ساميون في أصولهم.. والساميون جدهم الأعلى هو سام بن نوح كما جاء في التوراة.. فمنذ خمسة آلاف سنة قبل المسيح بدأت الهجرات العربية المتتابعة من الجزيرة العربية باتجاه الهلال الخصيب.. وقد تحدد منهم الفينيقيون والكنعانيون والآراميون، والعبرانيون والأنباط وغيرهم.. بل إن المصريين لهم جذور عرقية ممتزجة بالساميين.. ولذلك فإن الساميين جميعهم عرب.. وهذا هو الأصل العرقي للدول العربية المشرقية.
أما الديانة التي كانت تعتنقها شعوب تلك المنطقة قبل الفتح الإسلامي هي الديانة المسيحية التي أصبحت منذ القرن الثالث الميلادي الديانة الرسمية للإمبراطورية البيزنطية التي كانت مهيمنة على شعوب تلك المناطق في ذلك الوقت كما كان هناك بعض الوثنيين.
وبعد الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي اعتنق معظم سكان تلك المناطق الإسلام وبقي عدد قليل على ديانتهم المسيحية.. وبقى هؤلاء على الديانة المسيحية حسب القاعدة الإسلامية: لا إكراه في الدين بشرط دفع الجزية مع ضرورة الإشارة بأن نظام الجزية هذا قد زال مع الزمن.
ومع انتشار الإسلام أصبحت الحضارة الإسلامية من أهم ثلاث حضارات عرفها تاريخ البشرية.. ولذلك الإسلام ليس ديناً فحسب، ولكن ديناً وحضارة.. فقد لا يمثل الدين سوى نسبة معينة من حياة المسلم في حين أن الإسلام الحضاري يملأ حياتنا كلنا.
فإن قراءة التاريخ للمنطقة منذ نشأة الإسلام يقدم حقيقة واضحة أن المسيحيين العرب هم جزء عضوي من الواقع الاجتماعي والثقافي العربي الإسلامي ولا يستطيع الانفصال عنه.. فإن وجود المسيحيين العرب عبر التاريخ إنما يؤكد على حضورهم وإنتاجهم الخلاق في جميع ميادين الحضارة الإسلامية.. هذا الوجود هو وليد الحضارة العربية واستمرارها من أصول البيزنطية المسيحية إلى وجه الحضارة الإسلامي.. فالمسيحي العربي ينتمي إلى الحضارة الإسلامية رغم ديانته المسيحية.. فأنا كمسيحي عربي احمل في ثقافتي 90 في المئة من عناصر الحضارة الإسلامية العربية.. وربما عشرة في المئة فقط من الديانة المسيحية.. وبذلك لا أنتمي إلى الحضارة الغربية رغم ديانتي المسيحية.
فالقضية إذا في جوهرها هي انتماء المسيحيين العرب في ثقافتهم إلى الحضارة الإسلامية العربية ومشاركتهم الوطن الواحد.. وهذا ما عانيت به أن العربي المسيحي هو مسيحي ديناً ومسلم وطناً.
وإلى جانب الولاء والانتماء إلى الحضارة العربية الإسلامية فهناك جانب قانوني منصوص في دساتير كل الدول العربية ما عدا لبنان: إن الدولة العربية الفلانية دينها الإسلام رئيس دولتها يجب ان يكون مسلماً أو أن الدين الإسلامي هو مصدر التشريع.. مع ملاحظة أن الدول العربية جميعها لا تطبق الشريعة الإسلامية في قوانينها.. وخصوصاً في مجال قانون الأحوال الشخصية.. حيث يتمتع المسيحيون بكافة أنواع الحريات.. هذا مما يؤكد أن تعبير العربي المسيحي هو مسيحي ديناً ومسلم وطناً وثقافة هو تعبير دقيق عليماً من خلال المنظار الثقافي الحضاري.
وقد يرى البعض – وهذا هو موضوع الاعتراض الذي جاء من بعض القراء- أن ذلك التعبير هو تجاوز لحقوق الأقلية المسيحية في الوطن العربي.
يجب الإشارة إلى النسيج الفكري المتشابك الذي يجمع القومية العربية كتيار فكري سياسي للعرب والإسلام كدين وحضارة لهم.. فهناك علاقة خاصة بين العروبة والإسلام.. هي علاقة ليست كأي علاقة بين الدين والقومية في العالم.. فإذا كان الإسلام ديناً لغالبية العرب فإنه تراث وحضارة وتاريخ لكل العرب مسلمين كانوا أم مسيحيين.. اعتباراً أن العروبة هي في الإسلام ولغة القرآن.. والإسلام حافظ تراث العرب ومفجر نهضتها.. وقال النبي محمد: ليست العربية لأحدكم بأب أو أم.. وإنما العربية هي اللسان.. فمن تكلم العربية فهو عربي.. وقال الله تعالى: لقد انزلناه قرآناً عربياً.
فليس هناك تعارض بين انتماء المسيحي العربي إلى الإسلام الحضارة أو العروبة كقومية.. وكلا التعبيرين صحيح.. وكل منهما يكمل الآخر سواء الجانب الحضاري أو الجانب القومي.