وأنا أشرع أمس في الكتابة عن الهدية التي قدّمتها «حماس» بصواريخها للمستوطنين وحوّلت العالم من مدين لما تفعله إسرائيل في القدس الى مناصر لها بعد إطلاق «حماس» صواريخها، وقعت عيني على مقالات كثيرة في هذا الإتجاه، أعرض منها اثنين أمام القرّاء:
فقد كتب حازم صاغية في «الشرق الأوسط»:» لن يكون من الصعب على قضيّة المقدسيّين أن تخاطب ضمائر العالم، وأن تؤثّر في قرارات بعض الحكومات المؤثّرة في الغرب، وهي تفعل اليوم وإن ببطء لا يواكب حركة الحدث. وبالمعنى نفسه، فالهبّة تبقى قابلة للتطوير إلى مقاومة مدنيّة تخترع أدوات تنظيميّة خاصة بها، مقاومة سوف يصعب على من لا ينحاز إليها أن ينحاز ضدّها.
لكنّ طرفين متلازمين يتهدّدان تلك الصيرورة الواعدة: الصاروخ الذي يأتي من قطاع غزّة وصاروخ المبالغات الكلاميّة الظافرة، وبيروت وضاحيتها ومعهما دمشق وطهران أكبر منصّاته. هذان الصاروخان في وسعهما أن يقدّما الدعم الأكبر للمستوطنين اليهود ولنتانياهو، وأن يمنحا إسرائيل «فرصة» حرب أخرى مع غزّة تضيع فيها القدس وقضيّتها، فضلاً عن إرجاع الانتفاضة الراهنة مجرّدَ دورة أخرى من دورات المواجهة». المكلفة والتي يستحيل على الفلسطينيّين، الضعفاء في أدوات القوّة، كسبها. فهناك طرفان لا غير يمكنهما أن يكسبا في هذه الحال: المستوطنون وحلفاؤهم في إسرائيل، وأنظمة الممانعة البارعة في استثمار الدم الفلسطينيّ. هذه المرّة ينبغي أن لا يُسمح لهم بذلك.
أما عبد الوهاب بدرخان فكتب في «النهار» البيروتية:
انتفاضة القدس مقاومة شعبية فلسطينية. صواريخ غزّة مقاومة مسلّحة «إيرانية». الأولى استحقّت إسرائيل عليها إدانات دولية. الثانية جلبت إدانة للصواريخ ولـ»عنف الفصائل»، وتلقّت إسرائيل شيئاً من «التفهّم» على رغم ردّها المفرط في العنف والوحشية. حراك المقدسيين أظهر مجدّداً بشاعة الاحتلال، والفارق بين دفاع شعبي وسلمي عن المسجد الأقصى وحقوق أهالي حي الشيخ جرّاح وبين حكومة إسرائيلية متطرّفة تحمي ميليشيات المستوطنين وترعى سطوها المسلّح على منازل الفلسطينيين. هذا السطو خطة حكومية أساساً، لكن حتى القضاء المنحاز يجد صعوبة في تغطيتها. أما تحرّك فصائل غزّة، وإنْ بمنطق «نصرة القدس» وردّ الفعل على الاعتداءات الإسرائيلية، فتعلم الفصائل قبل سواها أنه لا يجلب سوى خسائر بشرية ودمار كبير ولا يعيد الأوضاع الفلسطينية الى المقاومة المسلّحة كما قبل اتفاقات أوسلو، بل يكرّس الانقسام الفلسطيني وتسلّط الفصائل على غزّة، وهذا ما تريده سلطة الاحتلال.