بقلم هاني الترك

By Hani Elturk OAM

كنت قد تسلمت رسالة من السيد فيليب إسكندر قبل رحيله الى عالم الروح هذا نصها:

الأستاذ هاني الترك المحترم:

قرأت مقالة في مجلة «نيو أيديا» بعنوان عشرون طريقة تتركين بها زوجك وتطلقينه.. يدعي الكاتب فيها ان لكل شيء نهاية.. فإذا فقد الحب بريقه، على المرأة ألا تمني نفسها نحو الأمل الواهي لإعادة حرارة علاقتها بزوجها.. أو تجدد العاطفة نحوه..

ولكن يقدم الكاتب نصائحه والتي هي على هيئة برنامج يقوم على أساسه منهج السلوك المكتسب.. وإذا إتبعته الزوجة فإنها تستطيع ان تعالج عاطفتها نحو زوجها بإقتلاع عوامل الحب من نفسها.. وتتركه لتعيش بحرية وسعادة دافنة حبها بين ضلوعها باحثة عن حب جديد. سببت المقالة المذكورة بعض الإشمئزاز والقلق لأنها تحث المرأة وتشجعها على هجر عشها الزوجي وطلاق زوجها.. وقمت على أثرها بكتابة رد الى رئيس تحرير المجلة تتضمن إنتقادي لكاتب المقالة الذي يدعو الى تحطيم العائلة وهدم البيوت.

فإن الأسرة هي البنية الأولى للمجتمع الإنساني وفي تدهورها يفقد المجتمع أساس البنيان.. وقد ذكرت في ردي انه كان الأجدر للمؤلف إعطاء النصيحة المخلصة للزوجة بالمحافظة على بيتها وأولادها لإستمرارية الزواج.. لا بإنهائه بهذه السهولة.. ولكن بمحاولة إنقاذه بإستشارة مرشد الزواج في الكنيسة أو محكمة الأسرة أو المؤسسات الخيرية التي تقدم هذه الخدمات.

لست أدري ما هو الدافع من وراء كتابة مثل هذه المقالة الهدّامة.. ويبدو اننا نعيش في مجتمع مادي بحت تتحكم فيه النزاعات الفردية الأنانية.. ومن ثم رأيت ان أكتب لجريدة التلغراف الغراء لإعلام أفراد الجالية العربية بخطورة قضية الطلاق.. وما يتبعها من تدهور وإنحلال وخراب بيوت.. لإتخاذ الحيطة والحذر وحتى لا يتأثر أفراد جاليتنا بالمجتمع الاسترالي المادي.. متأملاً في نفس الوقت إعطاء رأيكم في هذه القضية الهامة التي تمس معظم البيوت.

المخلص فيليب إسكندر

********************

السيد فيليب إسكندر المحترم:

أشكركم على ثقتكم بصحيفة التلغراف لمعالجتها للقضايا الاجتماعية للجالية مثل قضية الطلاق.. وأقول ان الطلاق أصبح مشكلة إجتماعية رئيسية تهدد بنيان المجتمع الاسترالي اليوم.. فتقول الإحصاءيات ان في كل حالتي زواج تنتهي بالطلاق.

إن المشكلة تمتد في جذورها الى أبعاد تركيبة المجتمع الاسترالي.. حيث أصبحت الوحدة الاجتماعية الأولى للمجتمع هي الفرد وليس العائلة.. والزواج بمفهومه الجاري هو عقد شرعي للقاء رغبات عاطفية وجسدية بين شخصين.. أي ان الحب هو شرط ضروري لصهر هذه الرغبات في عقد زواج شرعي أو غير شرعي.. فإذا جفّ هذا الحب وخمدت نيرانه يفشل الزواج ويسرع أحد الطرفين الى باب المحكمة طالباً الطلاق.. والتجارب تدل ان اول ما يفتر دائماً في الحياة الزوجية حسب هذا المفهوم هو الرغبة الجسدية .. حيث تصبح عادة مملة متكررة تساهم في سقوطه.

إن تركيز المجتمع الاسترالي على الفرد يعرّض الزواج بحسب هذا المفهوم لهبات الريح للإطاحة به.. أما في مجتمعنا العربي فإن مفهوم العائلة كوحدة أساسية أولى للمجتمع يحمي الزواج ويمنعه من الفشل أكثر بكثير من المجتمع الاسترالي.. والحب الحقيقي في الزواج المستقر هو شعور ناضج عميق يغزو القلب من تلقاء نفسه بفضل الحياة المشتركة.. فالزواج هو مسؤولية أكبر من الانجذاب العاطفي ولكنه مسؤولية نحو البيت والأولاد وإدارة شؤون حياتهم.. أي ان الحب تعوُّد مع ان التمهيد له يجب ان يتم عن طريق التلاطف.

فإن المجتمع العربي يعطي نوعاً من الاستقرارية والآمان للحياة الزوجية.. صحيح ان المرأة العربية عموماً بحكم التقاليد والتاريخ ليس لها حق مطلق في ممارسة الحب قبل الزواج.. إلا ان التقليد العربي يعطي أيضاً المرأة حقها على نفسها أو في بيتها وأولادها.

على الرجل ان ينظر الى زوجته.. الى روحها وعقلها ووجدانها قبل جسدها.. والنظر الى المرأة من هذا المنظار يقوي من فرصة نجاح الزواج وتثبيت دور العائلة في المجتمع.. فإن التضحية من كلا الطرفين والتركيز على العناية بالاطفال وتربيتهم تربية أخلاقية وتعليمهم يساهم في إنجاح الزواج.. كما ان ممارسة الهوايات والحياة الاجتماعية للزوجين مع الاصدقاء والأقارب يساعد على إيجاد الزواج الموفق.. ومن هنا فان توجيه طلبة المدارس وإرشاد الأزواج عن طريق وسائل الإعلام لإبراز دور العائلة في المجتمع والتحذير من نتائج الطلاق فيها مسؤولية كبيرة لمؤسسات المجتمع.

للأسف يا صديقي فيليب ان وسائل الإعلام مثل مجلة «نيو أيديا» تهدم من بنيان الأسرة بتشجيع المرأة على الطلاق.. بدلاً من تشجيعها على تحسين أمور حياتها مع زوجها مثل إستشارة مرشد الزواج لإنقاذ الزواج وتحاشي الطلاق.. إن المجتمع الاسترالي في رأيي هو مجتمع غارق في الفردية والأنانية إلى درجة كبيرة.. بحيث أصبح الطلاق إحتمال وارد.. فلا آمان ولا إستقرار والخيانة الزوجية شيء ممكن دائماً.

والذي يبدو بوضوح في تقاليدنا العربية ان نجاح الزواج بنسبة الطلاق القليلة في الجالية يرجع الى طبيعة المرأة العربية في المحافظة على زوجها وأولادها والإخلاص والوفاء لهم والشعور بالآمان والإطمئنان لها.

أما المرأة الغربية عموماً فيُنظر لها على إنها المرأة اللعوب الصالحة للمتعة المؤقتة وإشباع الغريزة والترف العقلي العابر.

ان الرجل الحكيم الذي يعتزم الزواج يتطلع الى شريكة حياته ان تكون ذات عقل مسؤول ووجدان مستقر وروح مخلصة.. تصلح ان تدير المنزل في الثراء والضراء قبل ان تكون جسداً شهياً يصب فيها شهواته.. وهذه صفات تتوفر عموماً في المرأة العربية الشرقية.. وتمتاز بها على المرأة الغربية.

فإن الإعلام الاسترالي يشجع على إقناع المرأة على الطلاق ونهاية الزواج المتعثر وترى فيه الإرتواء بعد عطش.. غير مدركة ان في الطلاق شرب ماء النار.. وإذا شربت منه تعيش إحتراقاً وعطشاً طويلاً.