بدوي الحاج
« في قَضايا الهَدر والفَساد والموازنة، أين الضَّجيج الذي ملأ ساحات المدينة، وماذا تبَقّى من الكلام ؟ لو كانت الأرض تعرف الكلام لَتَكلمت . لقد اغتَصَبوا الأرض واغتَصَبوا العقل …» . لِـهذا قرر فيليب سالم اعتلاء صهوة مئوية لبنان الكبير و»فشلها»، كَتجربة في بناء دولة حديثة، والوُلوج منها «نحو قوميّة لبنانية جديدة»، قوميّة حضارية تُمَهِد لِكيان سياسي جديد يَبني الدّولة ولا يُقَوّضها .
لبنان الانفِتاح هو ما يُريد الدكتور سالم إدراكه، بِلا مُواربة أو تعقيد، حيث الولاء يكون له وحده دونَ سِواه من البلدان الصديقة أو غير الصديقة، فَيُصبح الولاء مُطلَقاً للبنان، عندَها تنتَصِر «القوميّة اللبنانية على جميع القوميات التي تَعيش فيه، فَيَقوم لبنان» .
ينطَلقُ سالم بفكرِه، هذا، من القعر الذي وصلنا إليه . فالمَطلوب أكثر بِكَثير مِمّا تُطالِب به الثورة من انتِخابات مُبكِرة وتَغيير للطبقة السياسية الحاكِمة . المَطلوب هو تغيير جذري في ذهنية اللبناني لإيجاد مناخ فكري وثقافة سياسية جديدة، تُولِد «قادة لا زعماء»، يهتمون، أولاً ودائماً، بِمصلحة الوطن لا بِمصالحهم الشخصية ومصالح عائلاتهم . فالقائد هو القادر على أخذ لبنان من العَتمة إلى الضّوء، رغم كل الصِّعاب وإيصاله «إلى عقد وطني جديد» يَنبُذ الطائفية والفساد الاجتماعي والسياسي والثقافي ويُعيد إلى لبنان احترامه الدّولي والحضاري .
الدكتور فيليب سالم، الاختِصاصي في استئصال الأمراض السّرطانية، يُريد استئصال كل الأمراض المُستعصية من هذا الجسد اللبناني، رغم بلوغه الماية عام وأضحى مُفَكَّكاً ضعيفاً من كثرة «الدماء والحروب والدموع» . فأكثر ما يحتاجه لبنان من دواء، بِنَظر ذاكَ الاختصاصي، الذي يحمل وطنه في قلبه وعقله وجوارحه، هو قومية لبنانية «حيث يَبقى لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، كما جاء في الطائف . نهائي بِمَعنى أنه لا يَذوب في كيان آخَر» .
فَالحضارة اللبنانية غَزَت العالم بِكامله ولا يمكن ذوبانها في كيان آخر، هي التي أعطت، ومازالت تعطي، الكَوْن بِرِمَّتِه الكثير من العُلماء والأدباء والمُفَكّرين والفنانين الذين تركوا بصمات كُبرى في التَّطور الحضاري الذي نَعيشه اليوم .
وفي مَعرَض قِراءتِه لِفِكر سالم القومي اللبناني، تطرَّق الإعلامي والكاتب أسعد الخوري ( المُعِدّ والمُنَسّق لهذا الكِتاب ) إلى الوحدة والولاء والإيمان بالإنتِماء للدولة الواحدة والوطن الواحد والكيان الحضاري اللبناني المميّز، كي تقوم لنا قيامة . ويُنهي الخوري «يجب أن يتفق اللبنانيون على هوية لبنان كي يَتفادوا حرباً كالتي حدثت عام ١٩٧٥، والتي ما تزال تداعياتها السّلبية مستمرة حتى اليوم « .
في نهاية المَطاف نجد بأنّ الكثير من المفكّرين، قبل سالم، عالجوا «القوميّة اللبنانية» ونَصَحوا بها لِبناء الوطن، ولكن فيليب سالم قاربَها بِفِكرٍ انفِتاحي وحَضاري أكثر، مُعتمِداً الهَويّة اللبنانية كَمِظَلّة لِتَأسيس اللُّبنان الذي نُريد من خلال «قوميّة تقوم على أُسُس لا طائفية ويتمسَّك بمَقولة أن لبنان يُشَكّل امتِداداً للعالم العربي» . وأنّ «لبنان عربيّ من رأسه إلى أخمَص قدَمَيْه» وليس فقط «ذا وَجه عربيّ» ص٦ .
والسّؤال يبقى، كما كتب الناشر في مُقَدِّمَتِه، «اليوم، هل يَنهَض لبنانٌ جديد من بين رُكام الدّمار في بيروت ومينائها وأبنِيَتها الأثَريّة ؟ .. هل ينهض لبنان جديد من حطام البؤس والإفلاس والبَطالَة والضَّياع ؟ هل ينهض لبنان جديد من واقع لبناني مُؤلِم ومُفجِع ؟ أم أنَّ (لبنان الكبير) يَتحوَّل إلى وطن للرحيل والهجرة، حيث ينهار تحت وطأة المُحاصصة وفَساد أهل السّلطة ؟» .
* «القوميّة اللبنانية في فكر فيليب سالم» كِتابٌ ذو نكهة وطنية جديدة، في كافة المَكتبات اللبنانية .
الكِتاب هو من إعداد الإعلامي والكاتب أسعد الخوري (مكتب إعلام الشرق الأوسط)، وإخراج وتنفيذ مطابع معوشي وزكريا .