بعد تحقيق مسلسلها التلفزيوني الأخير، أكاذيب كبيرة صغيرة، نجاحا نقديا وشعبيا هائلا، تعود نيكول كيدمان الى التلفزيون في بطولة مسلسل جديد من إنتاج الشبكة نفسها «إيتش بي أو» وهو «التراجع» حيث تؤدي دور جريس، معالجة نفسية من عائلة ثرية، تعيش مع زوجها المخلص، طبيب الأطفال جوناثان، وطفلهما في شقة فاخرة في حي للأغنياء في مدينة نيويورك.

لكن حياة جريس المثالية تنقلب رأساً على عقب عندما يختفي جوناثان فجأة وتتهمه الشرطة بارتكاب جريمة قتل وحشية لوالدة أحد مرضاه.

«إنها قصة زوجين يعيشان حياة سعيدة منذ عشر سنوات، وعندما ينقلب كل شيء في حياتهما، تُكشف أمور ليست متوقعة وتبدو غير قابلة للتصديق تماماً ومن هنا جاء العنوان «التراجع» تشرح لي كيدمان قصة المسلسل عبر مكالمة زوم من مقر تصوير في بلدها أستراليا.

النجمة العالمية شاركت أيضا في إنتاج المسلسل وجمعت طاقماً ذهبيا لصنعه، على رأسه، المخرجة الدنماركية سوزان بير، الحائزة على جائزتي الأوسكار والغولدن غلوب عن فيلمها في عالم أفضل والإيمي عن مسلسلها «مدير الدوام الليلي» لتصبح أول امرأة تحقق ذلك. فضلاً عن كاتب السيناريو ديفيد كيلي، الذي ألّف أيضاً مسلسل «أكاذيب كبيرة صغيرة» ويعتبر أحد أبرز كتاب سيناريوهات المسلسلات التلفزيونية، إذ حاز على إحدى عشرة جائزة إيمي للتلفزيون عن تأليف وإنتاج بعض أشهر المسلسلات التلفزيونية أبرزها «شيكاغو هوب» و»آلي مكبيل» و»ذا براكتيس» و»قانون ال آي».

«يُفترض أن يكون التراجع مسلسلاً تشاهده وأنت مسمر في مقعدك، حيث تنطلق في رحلة تشويقية مع هذه العائلة وتشاهد أسرارها تنكشف أمامك» توضح كيدمان. «وبما أني أحببت مسلسل «مدير الدوام الليلي» اخترت مخرجته سوزان. وبما أن كيلي كتبه، فإنه يتضمن كمّا كبيراً من الغموض والأحداث المشوقة ولا شيء يبدو كما هو عليه في الواقع».

اقناع هيو غرانت بالعمل

لكن التحدي الأكبر كان إقناع النجم البريطاني، هيو غرانت، بأداء دور الزوج، وذلك لأنه معروف برفض معظم الأدوار التي عرضت عليه في العقد الأخير، معللاً ذلك بأن التمثيل ليس أكبر اهتماماته لأنه لا يمنحه التعبير عن نفسه بل يفرض عليه تلاوة حوارات كتبها شخص آخر.

«لم أظن أننا سنحصل عليه لأنه لا يحب أن يعمل» تضحك كيدمان. «كنا محظوظين للغاية لأن المخرجة سوزان كانت في السابق على وشك العمل معه، كما أنها على علاقة جيدة به. ذهبنا إليه، فوافق. لا يمكنني أن أرى شخصاً آخر في هذا الدور، وكان أمراً ممتعاً للغاية لأنني أعرفه منذ أن كنت في بداية العشرينيات، وبالتالي، فإن العلاقة التي جمعتنا كانت حقيقية.»من المفارقات أن غرانت ليس معروفا بأدوار درامية. فمنذ أن سطع نجمه في فيلم الكوميديا «أربع زيجات وجنازة» عام 1994ونال عنه جائزة الغولدن غلوب والبافتا لأفضل ممثل كوميدي، تحول الى أبرز نجوم الأفلام الكوميدية وخاصة الرومانسية، وقام ببطولة العديد منها على غرار عن و»لد» و»مذكرات بريدجيت جونز» و»نوتينغ هيل» و»ميكي بلو أيز» و»فلورنس فستر جينكينس». لكن في التراجع يجسد شخصية داكنة، تفتقر لروح الفكاهة والدعابة التي تميزت بها شخصياته الآنفة.»بالطبع شكل ذلك تحدياً بالنسبة لي» يقول غرانت عندما تحدثت معه عبر خدمة زوم من بيته في لندن. «لطالما كنت أخشى إظهار المشاعر المظلمة والعميقة على الشاشة، ولكنني اكتشفت خلال السنوات الخمس أو السبع الأخيرة أنني تحسنت قليلا في ذلك. لا أعلم لماذا، ربما كان لذلك علاقة بالتقدم في السن أو إنجاب الأطفال ويبدو أن الوصول إلى المشاعر أصبح أسهل بالنسبة لي».

منذ عام 2011 أنجب غرانت خمسة أطفال، اثنان من سيدة صينية وهي تينغلان هونغ، وثلاثة من منتجة التلفزيون السويدية، آنا ايبيرستين، التي تزوجها عام 2018. وقد صرح الممثل البالغ 60 عاما أن أطفاله بعثوا فيه روح السعادة والطمأنينة، والثقة بالنفس، التي كان محروماً منها، والتي يبدو أنها منحته الشجاعة للغوص في مشاعره الداكنة. لكن ذلك لا يعني أنه فقد حسده الكوميدي، ويذكرني أنه منح جوناثان حساً كوميديا في الحلقة الأولى من «التراجع».»هذا جزء من جذب المشاهد إلى الشرنقة، لكن بعد ذلك يصبح في موقف صعب للغاية» يعلق غرانت. «في الواقع، جميل ألا تحمل عبء النكات. يمكنني رؤية الدعابات آتية بفي اتجاهي خلال أدائي مشاهد كوميدية وأقول في نفسي: ها هي نكتة أخرى. إنه أمر مرعب نوعاً ما. هل يمكنني النجاح في ذلك؟ أما أنها فاتتني؟ من الجميل ألا تقلق بشأن ذلك. ولكنك تستبدل مجموعة مخاوف بأخرى لأنك تقوم بتمثيل درامي جاد أمام نيكول كيدمان الحائزة على جوائز أوسكار متعددة، فإن لذلك مخاوف خاصة.»

خلافا لغرانت، دور جريس ليس جديداً على كيدمان، فقد شاركت في العديد من الأعمال الدرامية، حيث لعبت دور الزوجة أو الأم التي تضحي بسعادتها وطموحاتها ومهنتها وتتحمل خيانة زوجها أو عنفه تجاهها وتخفي آلامها من أجل حماية عائلتها.

آخرها كان مسلسل «أكاذيب كبيرة صغيرة» حيث لعبت دور محامية، تدعى «سليست» تتخلى عن مهنتها لتصبح ربة بيت وتتكتم على تعنيف زوجها لها من أجل حماية عائلتها. لكنها تصر على أن دور جريس يختلف عن دور سيليست.»هذا مسلسل تشويقي» توضح الممثلة إبنة الـ 53 عاما. «الأمر حقا متعلق بالذهاب في رحلة الهروب هذه. بالنسبة لي إنها دائماً مغامرة. ما الذي سيجلبه المخرج وكيف ستتكشف الأحداث. وكنت محظوظة جداً أنني عملت مع مخرجين عظماء. في الكثير من الأحيان، توجد الخيوط ذاتها لدى الشخصيات ولكن لأنك تعمل مع مخرج ما على نص مختلف، سيتطور ذلك إلى شيء آخر والتالي رأيت ذلك كأمر مختلف تماما عن «اكاذيب كبيرة صغيرة».

خلق سيرك إعلامي لإقناع الرأي العام

أما غرانت فيسخّر في أدائه الدرامي لشخصية جوناثان، سحر شخصيته وبشاشته، التي تميز بها وفتنت معجبيه في أدواره الكوميدية، لإضفاء الصدق والأمانة على شخصية جوناثان وتماهي المشاهد معه وإقناع غريس ببراءته، رغم تراكم الأدلة ضده وانكشاف خيانته لها وتحريض والدها لها ضده.»لقد حاولت القيام بذلك فعلاً» يعلق غرانت. «أظن أنه أمر مهم. بإعتقادي السؤال المثير للاهتمام هو لجريس: هل يمكنها أن تستمر في حبه؟ هل ما زالت تحبه في خضم كل ذلك؟ خصوصاً عندما تشير أصابع الجميع إليه في ارتكاب جريمة مروعة».

«أعتقد أن لديها رغبة شديدة لإبقاء أسرتها معاً» ترد كيدمان. «وأن تبقي إبنها محمياً وهي دائماً تأمل أن تتحقق مصالحة في عائلتها وأن تعود الأمور إلى نصابها وهذا أمر يسهل التماهي معه. وبينما تتكشف لنا الأحداث، نشاهد الأب والأبن والزوج فجأة يصبحون موضع شك».

ومن أجل حماية عائلتها، تلجأ جريس إلى والدها، الذي يستخدم ثروته الضخمة ونفوذه القوي للاستعانة بأبرز محامية جنائية، تقلب التهمة على زوج الضحية الفقير، والقيام بحملة إعلامية تلمع صورة جوناثان أمام الرأي العام، والتصدي لضباط التحري وتهديد كل من يحاول المس بعائلة ابنته.

«هذا ما أردنا أن نطرحه في المسلسل» تقول كيدمان. «يمكن للأغنياء أن يشتروا العدالة وهذا أمر لطالما رآه الناس أو ناقشوه ولكن المسألة تأتي في أجواء تشويقية».

«بالتأكيد ذعرت من بعض الأمور التي تعلمتها عن نظام العدالة الجنائية في أمريكا من خلال قراءتي للنص» يضيف البريطاني غرانت. «كل الأمور بشأن خلق سيرك إعلامي لإقناع هيئة المحلفين والرأي العام وما إلى ذلك. والطريقة التي يتم فيها اختيار هيئة المحلفين من خلال تجميع بيانات حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي والتأكد من تحديد الشخص المناسب بينهم. كل ذلك مخيف ومثير للاشمئزاز نوعاً ما. وهذا ما أردنا الحديث عنه.»لكن جودة «التراجع» لا تكمن في مضمونه لأن طرحه للقضايا الاجتماعية كالقيم العائلية وفساد الأثرياء وتأثيرهم على القضاء يبدو سطحيا ومبتذلاً. لكنه يرتقي فنياً وترفيهياً كمسلسل إثارة نفسي هيتشكوكي، حيث يقدم شخصيات مركبة نفسياً وغامضة التصرفات، يقودها عبر منعطفات قرارات أخلاقية ومصيرية في أجواء توتر وارتباك ومشاهد تشويق خانقة للأنفاس، ناهيك عن أداءات آسرة ومريبة من غرانت وكيدمان، تستحوذ على المشاهد وتجعله يتسمر أمام الشاشة حتى آخر لحظة من الحلقة الأخيرة.