يخشى الآلاف من طالبي اللجوء السودانيين في إسرائيل من إعادتهم قسراً إلى السودان وخصوصاً إلى منطقة دارفور التي لا يزال شبح الحرب مخيما عليها بعد إعلان اتفاق لتطبيع العلاقات بين الخرطوم وإسرائيل.
ويعتبر السودان ثالث دولة عربية منذ آب/أغسطس الماضي تعلن عن اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد الإمارات والبحرين. ويعيش في إسرائيل نحو ستة آلاف سوداني معظمهم من طالبي اللجوء، يوجد قسم كبير منهم في تل أبيب.
لكن منذ الإعلان عن الاتفاقية قال بريك صالح (26 عاما) الذي يعيش في ضاحية تل أبيب: «يخشى اللاجئون السودانيون حقاً من أن تعيدنا الحكومة الإسرائيلية إلى السودان».
وغادر الآلاف منهم أو أرغموا على العودة بعد استقلال دولة جنوب السودان في 2011 لكن الدولة الناشئة سرعان ما غرقت في حرب أهلية مروعة.
وبعض السودانيين الذين يسمون «متسللين» نظراً لدخولهم بصورة غير قانونية إلى إسرائيل، كانوا قصرا لدى وصولهم. ولا يسمح لهم دائماً بالعمل ولا يمكنهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية.
ويروي بريك صالح أنه كان يعيش في غرب دارفور حتى بداية الحرب الأهلية في عام 2003. وكان عمره 9 سنوات عندما فر مع أسرته إلى تشاد المجاورة. وعندما كان مراهقًا، هاجر إلى ليبيا، لكن بدلًا من محاولة عبور البحر الأبيض المتوسط، توجه إلى مصر ثم إسرائيل. ويقول: «أنا أول من يريد هذا التطبيع ولكن إذا تم ترحيلي فسأكون في خطر بنسبة 100%… إذا عدت فسوف أجد أن عائلتي لا تزال تعيش في مخيم للاجئين».
« لا يوجد أمان «
خلف النزاع في دارفور نحو 300 ألف قتيل ونحو 2,5 مليون نازح، بحسب الأمم المتحدة. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس عمر البشير الذي بقي في السلطة لمدة ثلاثة عقود بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في دارفور.
وينطبق الأمر نفسه على السودانيين الآخرين القادمين من دارفور. ويقول منعم هارون البالغ من العمر 31 عاماً: «سبب وجودنا هنا ليس بسبب غياب العلاقات الدبلوماسية… ولكن بسبب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي فررنا منه».
ومنعم هارون من جبل مرة في قلب دارفور وكان ضمن حركة تحرير السودان التي يتزعمها عبد الواحد نور.
ووقعت الحكومة الانتقالية في السودان اتفاقات سلام مع الفصائل المتمردة لكن حركة عبد الواحد نور في دارفور رفضت التوقيع.
ويقول منعم هارون: «بالنسبة لي الأمر خطير للغاية. ما لم يوقع عبد الواحد اتفاق سلام، لا يمكنني العودة».
« جسر «
وقال جان مارك ليلينغ المحامي الإسرائيلي المتخصص في قضايا اللجوء إنه «مع التطبيع فإن أول ما يتبادر إلى ذهن الحكومة هو أنها ستتمكن من إعادة المتسللين، ويصبح ذلك على أجندتها».
هؤلاء السودانيون يتحدثون العربية والعبرية بطلاقة، وكانوا يحلمون بتجسيد «جسر» بين البلدين اللذين بقيا في حالة حرب طيلة سبعة عقود.
في منطقة نيفي شانان في تل أبيب يقضي طالبو اللجوء أوقاتهم بين المحلات التجارية والمطاعم التي يقدم بعضها أطباقًا من الفول الذي ترش عليه الجبنة وتنافس أفضل طبق في الخرطوم.
ويقول أسومين بركة (26 عاما) الذي غادر دارفور في سن التاسعة إلى تشاد، حيث لا تزال والدته تعيش في القرية، إن المليشيات «قتلت والدي وقتلت أخي الأكبر ثم أخذوا كل ما لدينا في القرية».
وأضاف: «في وقت من الأوقات كان لدي خياران، إما العودة إلى دارفور للقتال في مجموعة متمردة أو مغادرة المخيم في محاولة لعيش حياة طبيعية».
يرتدي أوسومين بركة ملابس أنيقة ويعمل في مكان قريب في تل أبيب حيث أنهى درجة الماجستير في السياسة العامة في جامعة هرتسليا.ويقول: «ليس لدينا مكان نذهب إليه».
وفي حين أعرب الشبان الذين تحدثت إليهم وكالة فرانس برس عن مخاوفهم من أن يكون وجودهم في إسرائيل في خطر بموجب اتفاقية التطبيع، قال البعض إنهم يرغبون في أن ترى الدولة اليهودية فيهم رصيدًا وليس عبئًا.
وقال هارون إن السودانيين في إسرائيل يمكن أن يكونوا «جسرا» للمساعدة في بناء التفاهم بين الشعبين: «آمل أن ترى الحكومة الإسرائيلية الدور المهم الذي يمكن أن نحققه في تعزيز مصالح البلدين».
وأضاف أن «الهجرة ستكون إحدى القضايا على جدول الأعمال خلال الاجتماعات المقبلة حول التعاون بين إسرائيل والسودان».
وقال صالح: «إسرائيل هي وطني الثاني. لا توجد لغة أتحدثها أفضل من العبرية، حتى لغتي المحلية».