كل نفسٍ ذائقة للموت ولكنَّ الإنسان عندما تعمُّ فضائلُهُ في كل أرجاءِ الدنيا بالكرم والجود والسخاء والعطاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعندما يكون المساعد الأول للضعفاء والمحتاجين وحامل راية السلام في العالم وقد توَّج تاجه بمواقفه العربية والدولية والإسلامية التي تشعّ أبداً ودوماً في ذكراه التي تبقى محفورة في قلب العالم أجمع، فإنه يبقى خالداً في ذاكرة التاريخ.
إنهُ أميرُ التاريخ وتاريخ الأمراء، فهو الرصيد الأكبر والأعظم في تاريخ دولة الكويت المعظمة وشعبها الأصيل وأرضها الطيبة.
لقد غيَّبه الموت ليبقى حاضراً في قلوبنا جميعاً؛ نبكيه بدمعة الوقار والاحترام والاعتزاز.
نَرثيهِ من القلب بالدموع والحسرات على إنسانيته التي قلّما توجد في إنسان، هذا العظيم العظيم وهذا الأمير الذي زيَّن دولة الكويت المعظمة وأضاف الى تاريخها العظيم تاريخاً جديداً مجيداً.
لقد حمل رسالة العروبة والإسلام في ضميره العربي الحي الى العالم بأسره مبشراً بالقيم العربية والإسلامية والإنسانية.
لقد كان تاجاً على التيجان ووساماً على الأوسمة، انه علمُ النضال والسلام، انه صانع الخير والمعروف والأمان. انه صوتُ الضمير وقمة الشموخ على تواضع.
ستفتقدُهُ دولةُ الكويت المعظمة لا بل العروبة والإسلام والإنسانية.
ألا فليطيب الله ثراه الطاهرة ويتغمَّدهُ برحماته الواسعة وليتلج قلوبنا جميعاً بذكراه النافحة بالعنبر والطيب، وإننا نعزي من قلبنا الجريح دولة الكويت المعظمة بشعبها ومؤسساتها العريقة مقرين بأفضاله العميمة التي لا تُنسى لا سيما بالنسبة لعطفه واندفاعه لمساعدة لبنان واللبنانيين خصوصاً في مرحلة الضائقة الاقتصادية التي نالت من الشعب اللبناني الى حدٍّ بعيد، فكان سموُّه رحمه الله الأب الإنساني العطوف، وقد أغدقَ الكثير الكثير على لبنان واللبنانيين وأجاد بعطفه على الجميع بدون استثناء.
ولكنَّ عزاءَنا كبيرٌ وكبير وأملُنا عظيمٌ وعظيم بأن يكون لدولة الكويت المعظمة ولشعبها العظيم وللعروبة وللاسلام وللعالم، ولي العهد نواف الأحمد الجابر الصباح المعظم، الرصيد الكبير والكنز الثمين في متابعة هذه الرسالة العظيمة التي سار بها سمو الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح المعظم، وكما أننا ننقل تعازينا القلبية الحارة الى رئيس مجلس الأمة مرزوق علي الغانم، طالبين من الله عزَّ وجلّ، أن يتغمَّد الراحل العظيم بواسع رحماته ويطيِّب ثراه الطاهرة الى الأبد في قلوبنا جميعاً، وإنَّا لله وإنَّا اليه راجعون.
عندما أنبأوني بذي الوفاةِ
بكيتُ على الحياةِ من الحياةِ
وألفيتُ عيونَ المجدِ تبكي
أميراً كان رمزَ التضحياتِ
ولاقيتُ الشعوبَ بأنصعاقٍ
تنادي يا إلهَ الكونِ هاتِ
سموَّ أميرِنا هاتِ صباحاً
بدونهِ لا سنا للنيراتِ
وصوتُ مؤذنٍ اللهُ أكبر
أيا ربَّ السما والمعجزاتِ
لكي يحيا الأميرُ من جديدٍ
وتنبعثَ الحياةُ من الرفاتِ
أميرٌ هزَّ موتُه كلَّ قلبٍ
كأنَ الموتَ موتُ الكائناتِ
جمالاتُ الحياةِ قد ادلهمَّتْ
ونُكِّسَت الراياتُ على الراياتِ
يكادُ الحزنُ يغمرُ كلَّ شيءٍ
على فَقدِ أميرِ المكرماتِ
يكادُ الدمعُ يغزو كلَّ قلبٍ
على موتِ أميرِ المنجزاتِ
وإنَّ الشعرَ ينتحبُ انتحاباً
على ركنِ المآثرِ والمآتي
وهل ننسى سموَّهُ كيف أعطى
عطاءً باتَ كنزَ المعطياتِ
فكم لبَّى نداءً من فقيرٍ
وزكَّى الخيرَ من طيبِ الزكاةِ
وكم بالعطفِ ضمَّد من جراحٍ
بأدويةِ المحبة والنجاةِ
وكم مستشفى أنشأها وأسخى
بأموالٍ على أهلِ الحاجاتِ
وكم من معهدٍ وأجاد فيه
فضلاً عن عديدِ الجامعاتِ
لكي يُعطي الى الأجيالِ علماً
ونوراً للبنينِ وللبناتِ
وكم أعطى الكويتَ من وقارٍ
وتقديرٍ بأسمى المرتباتِ
وكم أعطى العروبةَ من هالاتٍ
وصاغها بالمعاني الرائعاتِ
وفي الإسلامِ كم صلَّى آياتٍ
ويدعو للتضامنِ والثباتِ
ويدعو للسلامِ لكلِ شعبٍ
ويرفضُ من يُريدُ التفرقاتِ
وأوسمةٌ إليهِ قد تماهتْ
وزيَّنها سموُّهُ بالصفاتِ
أميرٌ كان للخيرِ ضياءً
ونهياً عن جميعِ المنكراتِ
وكلُّ دولةٍ في الكونِ باتتْ
تقرُّ بفضلِهِ بالبيِّناتِ
وكم أرسى سلاماً قبل حربٍ
وكلَّل بالسلامِ المعضلاتِ
سيبقى ذكرُهُ للدهر نوراً
وعطراً يكسو أزهارَ النباتِ
سيبقى للعروبةِ تاجَ مجدٍ
ومهيوب العقالِ مع العباةِ
ويبكيه الآذانُ بكلِّ فجرٍ
ويبكيهِ بدمعِ الأمسياتِ
وبيروتٌ فقد تبكي عليهِ
بدقَّاتٍ تذوبُ من الآهاتِ
ستبكيه رجالُ الحكمِ دهراً
وتبكي عليهِ في كلِّ الجهاتِ
ستبكيهِ رجالُ الشعرِ دمعاً
أشدُّ من الغيومِ الماطراتِ
سموُّه كان للمجدِ رصيداً
أميرٌ في الحياةِ وفي المماتِ
ولو يرضى المماتُ له فداءً
لأفديتُ له عمري وذاتي.