لم يشهد «تفاهم مار مخايل» الذي وقّعه «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» عام 2006 طوال السنوات الـ14 الماضية، التحديات التي يشهدها اليوم والتي تفاقمت مع تحميل رئيس الجمهورية ميشال عون مطلع الأسبوع، جزءاً كبيراً من مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة لـ»الثنائي الشيعي» («حزب الله» وحركة «أمل»).
وكان رئيس «التيار» النائب جبران باسيل قد صوّب أيضاً في هذا الاتجاه، معلناً رفضه الكلّي لـ»المثالثة» التي قال إن البعض يسعى إليها من خلال تمسكه بوزارة المالية والتوقيع الشيعي الثالث على المراسيم.
ولا ينحصر التباعد بين «التيار» و»الحزب» والذي بدأ منذ فترة بالملف الحكومي، إذ يرتبط بالعقوبات الأميركية على «حزب الله» والتي طالت أخيراً حليفيه حركة «أمل» وتيار «المردة». ويخشى «الوطني الحر» من أن يتم إدراج مسؤولين وقياديين فيه في الدفعة التالية من العقوبات، رغم قول باسيل أخيراً: «يلوّحون لنا بفرض عقوبات، ولو جائرة وليس لها أساس قانوني أو إثباتي؛ ولكن أنا شخصياً من دون تردّد مستعدّ أن أتحمّل الثمن حتى لا تُمس وحدة لبنان وسلمه الأهلي ويتمّ إغراقه بالفوضى والفتنة».
ولا ينكر النائب في تكتل «لبنان القوي» الذي يرأسه باسيل، الدكتور ماريو عون، أن يكون هناك خلاف مع «حزب الله» على أكثر من ملف وآخرها الملف الحكومي، إلا أنه في الوقت عينه يؤكد أن تحالف «مار مخايل» ذي البعد الاستراتيجي قائم ولم يُمسّ، لافتاً في تصريح لـ»الشرق الأوسط» إلى أن هناك تبايناً وتباعداً واضحين بين وجهة نظر «التيار» ووجهة نظر «الثنائي الشيعي» من عملية تشكيل الحكومة والتي نصر فيها على مبدأ المداورة في الحقائب فيما يتمسك «الثنائي» بوزارة المال. ويضيف عون: «سبق الملف الحكومي خلافات حول مقاربات ملفات الإصلاح والفساد لكنّ الانهيار الحاصل على الصعد كافة لم يترك لنا ترف الأخذ والرد والتعبير عن عدم رضانا عن طريقة مقاربة (حزب الله) لهذه الملفات، علماً بأننا مقتنعون بأن دولة سليمة معافاة خالية من الفساد أفضل بكثير للمقاومة».
وينفي عون أن تكون قيادة «الوطني الحر» تخشى العقوبات الأميركية ما يجعلها تأخذ مسافة معينة عن الحزب، معتبراً أنه ليس هناك ما تستند إليه الإدارة الأميركية لفرض هكذا عقوبات، مشدداً على أن أي قرار في هذا التجاه سيكون «مجحفاً».
في المقابل، قالت مصادر مطلعة على موقف «حزب الله» إن الحزب صارح قيادة «التيار» والرئيس عون بعدم إمكانية تقديم المزيد من التنازلات في هذه المرحلة لحماية تفاهم «مار مخايل»، وإن ما كان يفعله في هذا الصدد منذ عام 2006 لجهة أنه كلما كان التفاهم يهتز كان يعمل على استعادة توازنه من خلال التنازل من حصته، لا يمكنه أن يفعله اليوم، لأنه يخوض معركة وجودية في ظل ضغوط داخلية وإقليمية ودولية غير مسبوقة. وتشير المصادر إلى أن «الحزب وصل لحد إبلاغ الثنائي عون ? باسيل بأنه يتفهم أي قرار من قِبلهما بفك التحالف وبأن ذلك لا يعني العداء معهما».
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي المتابع لمواقف «حزب الله»، قاسم قصير، وجود تمايز في المواقف بين عون وباسيل من جهة و»حزب الله» من جهة أخرى سواء على صعيد الأزمة الحكومية أو على صعيد قضايا داخلية وخارجية أخرى، معتبراً أنه رغم هذا التمايز وبعض السجالات فإن تفاهم «مار مخايل» مستمر.
ويرى قصير أن هناك قضايا مستجدة تحتاج لحوار ونقاش بين الطرفين، ما قد يستدعي قراءة جديدة للتفاهم الذي تم توقيعه عام 2006. مضيفاً: «قد يكون التباين في بعض المواقف سببه العقوبات الأميركية وخشية التيار من أن تطاله هذه العقوبات، لكن لا يمكن فصلها أيضاً عن الوضع الداخلي الحزبي للتيار والوضع المسيحي والوضع السياسي اللبناني بشكل عام، حيث يواجه مشكلات وتحديات على الصعد كافة».