“الطيور لا تبني أعشاشها على شواهد القبور”، ورقصة القناديل لا تغادر ثغور الجداول قبل إشراقة الغسق.. ويحيا السماوي لا يبلّ ريق ريشة قبل أن تعصر المناديل أحداق الدموع، ولا يغافل المساءات قبل أن يطمئن الى الثريّا وهي تدغدغ الجفون وتهدهد أطفال الرافدين، ولا يسلّم السيف قبل أن يرى مروحة النخيل تطارد سكان القصور حيث “الخلافة باتت منتهية الصلاحية”.
هو الشاعر الذي صاح ديك العراق على أقباس بيانه، والحانوتي الذي وزّع ماء الحياة على نفوسٍ تستمطر الرجاء، وهو السندباد العائد يشقّ قوس قزحِه ، يلوّن الجنائن التي حوّلوها إلى يباس.
يعود يحيا السماوي مع “ملحمة التكتك” على حصانه الأبيض، شراعه يرسم إشراقة الإنتظار ويراعه يزنّر خريطة وطن “ليس للبيع والإيجار في حوانيت المحاصصة”.
يقولون هو شاعر، لغته القلب والعيون والنجوم، فكيف يتحدث عن لصوص وسارقين.
ويقولون هو رقيق ولمّاح، فكيف يقارب كلاماً عن الذئاب والظالمين.
ثم يقولون كيف تطلّ “الضاد” من يديه كالعنقاء سحراً وبهاءً وهو ينازل وحشة الظالمين؟!.
لا يا سادة، فيحيا السماوي كما أعرفه، ليس حبراً أو قلماً أو سرداً، بل هو ديوان وجودي، حالة إنسانية، وطنية، أوجدته حكاية العراق كي يحمل مناراتها إلى مراسي الكون، وأخصبته جنائن بابل كي يزيد عطر ورودها، ووافته شهرزاد كي يكمل مشوار ألف قصيدة وقصيدة ويعيد الى الرحلة مفاتنها، يعيدها الى التاريخ الذي يمحوه مارقون، يدنّسون أعتاب وطنه وينشرون راياتهم العارية فوق صباحاته الرمضاء.
يحيا السماوي في “ملحمة التكتك” وهج أولم لدرر الكلام وسيف يومض جنون البرق وناموس جديد برسم المنافقين والفاسدين والقتلة.
من بغداد، الى الكرخ والرصافة، والسماوة والبصرة، الى كل مكان في هذا الفضاء الرحب، يقارع يحيا السماوي الفساد وهوليس سياسياً ، يحمل السيف وهو ليس قاتلاً، بل ينصب للحرية عروشاً بين الكراسي العفنة.
…وأنت أيها الشاعر، ترمم الجسور، تطيّب الخواطر، لتلفّ أعناق الزنابق برذاذك المسافر.
وأنت تعصر الحبر من شفاه البنفسج، تدمن الجرح مع لذة الوجع “لأن عذوبة نهر الثورة لا يعكّرها رصاص القتلة “.
وأنت تغافل الكلمات الى الينابيع ومسارب الامطار، أراك “تغسل الضمائر الوسخة”، وتدخل الميادين مزهواً لانك انتصرت لشعبك، ولانك ايها الشاعر العذب تحمل فاكهة الفرح الى بيوت أنهكتها لافتات الحداد ، تأخذ بأيدي بني قومك من الكهوف الى مطارح الضوء”.
يحيا السماوي، علّمتنا كيف ندفن حبّة القمح لتغدو سنبلة، علّمتنا ان نعبر حفاة فوق رصيف الصابرين كي نتوجه الى ساحة التحرير.
وأخيراً علّمتنا ايها الكبير، “كيف يظلّ خطو الحر ضوءاً مستقيماً مهما تعرّجت الدروب”.
يحيا السماوي، لن نغادر الأسوار ولا أحد قادر ان يحرق عشبنا ، وستبقى أنت كوكباً يعانق ظلال الناس، يسامر مراياهم ، ودعني أقول فيك ما قالت النحلة في البحر: “ان البحر لا يساوي عندي قطرة من الندى.. أيها القطرة الجميلة المتأرجحة بين ضفاف الفرات ودجلة”.