القس الدكتور جُون نَمُّور
الله المُحِب يحاول مع الإنسان جاهدا ليترك خطاياه فينجو وبالأكثر ينال نعمة الحياة الأبدية في سماء المجد والخلود. فإن عاندَ وتمرّدَ فإنه يحكم على نفسه بنفسهِ بعقاب أبدي لأنهُ مكتوبٌ:«اُطْلُبُوا الرَّبَّ مَا دَامَ يُوجَدُ. ادْعُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ. لِيَتْرُكِ الشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ وَرَجُلُ الإِثْمِ أَفْكَارَهُ وَلْيَتُبْ إِلَى الرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ وَإِلَى إِلَهِنَا لأَنَّهُ يُكْثِرُ الْغُفْرَانَ. لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي يَقُولُ الرَّبُّ. لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ هَكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ»(إشعياء6:55).
حاولَ الله مع قايين لعلّهُ يتوب لكنه تمرَّدَ وقتلَ هابيل فقال الوحيُّ:«وَحَدَثَ مِنْ بَعْدِ أَيَّامٍ أَنَّ قَايِينَ قَدَّمَ مِنْ أَثْمَارِ الأَرْضِ قُرْبَانًا لِلرَّبِّ. وَقَدَّمَ هَابِيلُ أَيْضًا مِنْ أَبْكَارِ غَنَمِهِ وَمِنْ سِمَانِهَا. فَنَظَرَ الرَّبُّ إِلَى هَابِيلَ وَقُرْبَانِهِ. وَلكِنْ إِلَى قَايِينَ وَقُرْبَانِهِ لَمْ يَنْظُرْ. فَاغْتَاظَ قَايِينُ جِدًّا وَسَقَطَ وَجْهُهُ. فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ لِمَاذَا اغْتَظْتَ. وَلِمَاذَا سَقَطَ وَجْهُكَ؟ إِنْ أَحْسَنْتَ أَفَلاَ رَفْعٌ؟ وَإِنْ لَمْ تُحْسِنْ فَعِنْدَ الْبَابِ خَطِيَّةٌ رَابِضَةٌ وَإِلَيْكَ اشْتِيَاقُهَا وَأَنْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا. وَكَلَّمَ قَايِينُ هَابِيلَ أَخَاهُ. وَحَدَثَ إِذْ كَانَا فِي الْحَقْلِ أَنَّ قَايِينَ قَامَ عَلَى هَابِيلَ أَخِيهِ وَقَتَلَهُ»(تكوين 3:4). ومن جهة هابيل قال الوحي:«بالإيمان قدَّم هابيل للهِ ذَبِيحَةً أفضلَ من قايين»(عبرانيين4:11).
قدَّمَ هابيل للهِ ذبيحة حيوانية دموية رمزاً لذبيحة المسيح الغافرة للخطايا أما قايين فقدَّم قُرباناً من ثمرِ الأرض إشارة لمجهودهِ وبِرّهِ الذَّاتي فرفضَ الله قربانه. لم يكن بحسب مشيئة الله التي أعلَنَهَا لآدم وحواء يوم ألبسهما أقمصة من جلدٍ إثرَ عصيانهما الأول (تكوين21:3). بعدما قتلَ قايين هابيل تكلّم إليه الله من السماء لكنه التوبة (تكوين4). سقط بِحربةِ الشّر والحَسَد ورفسَ البَرَكَة التي وَعَدَهُ الله بها. أي أن الله سيرفع وجهه إن تصرَّف حسناً، بالتوبة والإيمان.
لم يكن قايين أوَّل مَنْ حسدَ: حسَدَت حَوَّا الله تعالى راغبةً بأن تصير كالله عارفة الخير والشَّر:«وَكَانَتِ الْحَيَّةُ [الشيطان] أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِلْحَيَّةِ مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ. وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلاَّ تَمُوتَا. فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ لَنْ تَمُوتَا بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ»(تكوين1:3).
إثرَ سُقُوط الإنسان الأوَّل صار للغيرة وجهان وجهٌ جميلُ ووجهٌ قَبِيحٌ. كتبَ بُولس الرَّسُول لِكنيسة غلاطيَّة كاشفاً المُعَلِّمين الكَذَبَة فقال:«أَفَقَدْ صِرْتُ إِذًا عَدُوًّا لَكُمْ لأَنِّي أَصْدُقُ لَكُمْ؟ يَغَارُونَ لَكُمْ لَيْسَ حَسَنًا بَلْ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّوكُمْ لِكَيْ تَغَارُوا لَهُمْ. حَسَنَةٌ هِيَ الْغَيْرَةُ فِي الْحُسْنَى كُلَّ حِينٍ وَلَيْسَ حِينَ حُضُورِي عِنْدَكُمْ فَقَطْ»(غلاطية16:4). وفي شِطِّيم بالقرب من نهر الأردن قبل عُبور شعب الله إلى أرض كنعان زاغ الكثيرون منعهم من وراء الرب فغارَ فِينْحَاس الكاهن للرَّب وقتل شاب وامرأة بالرمح لاقترافهما خطيئة الزِّنَى عَلانيَّة أمام بني إسرائيل (عدد6:25). وغارَ إيليا النبي للرَّب وقتلَ أنبياء البَّعل وطَهَّر الأرض من عبادة البَّعل (1ملوك10:19). ونَظَّفَ المسيح الهيكل من التُّجَّار والصَّيَارَفِة فتمَّت النُّبُوءَة:«غَيْرَةُ بَيتِكَ أَكَلَتْنِي»(مزمور 6:69؛ يوحنا17:2). تقول نُبُوءَة أخرى: الرَّب سَيلبس الانتقام كلباس ويكتسي بالغيرة كرداء لِيُجَازِي مُبْغِضِيهِ سخطاً وأعداءه عقاباً (إشعياء17:59).
وللأسف غارَ رُؤساء الكهنة من المسيح وأسلموهُ لِبِيلاَطُس للموت (مرقس15). وزرعَ اسحق ابن ابراهيم في سنة الجُوع فبَارَكَهُ الرَّب مئة ضعف لكن حَسَدَهُ سُكَّان الأرض وطردوه (تكوين26). ولما خلَّص الرب شعبه بيدِ داود إذ قَتلَ جُليات الجبَّار حَسَدَهُ شاول الملك وطلبَ أن يقتلهُ:«خَرَجَتْ النِّسَاءَ مِنْ جَمِيعِ مُدُنِ إِسْرَائِيلَ بِالْغِنَاءِ وَالرَّقْصِ لِلِقَاءِ شَاوُلَ الْمَلِكِ بِدُفُوفٍ وَبِفَرَحٍ وَبِمُثَلَّثَاتٍ. فَأَجَابَتِ النِّسَاءُ اللاَّعِبَاتُ وَقُلْنَ ضَرَبَ شَاوُلُ أُلُوفَهُ وَدَاوُدُ رِبْوَاتِهِ [عَشَرَات الألوف]. فَاحْتَمى شَاوُلُ جِدًّا وَسَاءَ هذَا الْكَلاَمُ فِي عَيْنَيْهِ وَقَالَ أَعْطَيْنَ دَاوُدَ رِبْوَاتٍ وَأَمَّا أَنَا فَأَعْطَيْنَنِي الأُلُوفَ! وَبَعْدُ فَقَطْ تَبْقَى لَهُ الْمَمْلَكَةُ. فَكَانَ شَاوُلُ يُعَايِنُ دَاوُدَ مِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ فَصَاعِدًا…[بعد فترة] أَشْرَعَ شَاوُلُ الرُّمْحَ وَقَالَ أَضْرِبُ دَاوُدَ حَتَّى إِلَى الْحَائِطِ. فَتَحَوَّلَ دَاوُدُ مِنْ أَمَامِهِ مَرَّتَيْنِ. وَكَانَ شَاوُلُ يَخَافُ دَاوُدَ لأَنَّ الرَّبَّ كَانَ مَعَهُ وَقَدْ فَارَقَ شَاوُلَ»(1صموئيل 6:18).
لنحذر من روح الشَّر والحَسَد لأنه نَارٌ آكِلَة:«الغَضَبُ قَسَاوَةٌ والسَّخَطُ جُرَافٌ ومَنْ يَقِفُ قُدَّامَ الحَسَدِ» (أمثال4:27). هناك مَن يغار مِن شخص ما وهناك مَن يغار على شخص ما فَيُحبِّهُ إلى حَدِّ الأذى (مِنَ الحُبِّ ما قَتَل) وهناك مَن يتستر بحَسَدِهِ كمريم أخت موسى:«وَتَكَلَّمَتْ مَرْيَمُ وَهَرُونُ عَلَى مُوسَى بِسَبَبِ الْمَرْأَةِ الْكُوشِيَّةِ الَّتِي اتَّخَذَهَا لأَنَّهُ كَانَ قَدِ اتَّخَذَ امْرَأَةً كُوشِيَّةً. فَقَالاَ هَلْ كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَحْدَهُ أَلَمْ يُكَلِّمْنَا نَحْنُ أَيْضًا»(عدد12). اغتاظ الرَّبُّ وضربَها بالبَّرَص فصلى موسى لأجلها فَشُفِيَت. غارت من موسى لأنه صار أعظم منها، وهي التي اهتَمَّت بهِ في طفولتهِ وظلّت تُراقبهُ حتى أنقذتهُ ابنة فرعون من الموت إذ انتشلتهُ من نهر النيل؛ لأن أمهُ أخفتهُ في سَفَطٍ من البَرْدِيّ. فقد أمرَ فرعون أن يقتلوا كل المولدين من الذكور في شعبِ اللهِ (خروج2). فلنثق الرَّب لأنه يدافع عنّا في الوقت المُعيَّن. الغيرة تغذّيها سُموم الأنانية وتقضي على مُغَذِّيها: «حَيَاةُ الجَسَدِ هُدُوءُ القَلبِ ونَخْرُ العِظَامِ الحَسَدُ» (أمثال30:14). يا رب إنزع مِنَّا القلب الحجري وامنحنا قلباً طاهراً (حزقيال26:36). باختصار، الله يمنح لنا فرصة التوبة فمَن يعمل بنصيحتهِ يُحسِنُ إلى نفسهِ ويرفعُ الله وجهه ومَن يعصى كقايين يهلك (يهوذا 11).***نُصَلِّي:«أيُّها الرَّب يسوع ارحمني واقبل توبتي واغفر خطاياي بِدَمِ ذبيحتكَ الطاهرة واملأنِي بِرُوحِكَ القُدُّوس وامنحني خلاصِكَ لأنالَ نعمة الحياة الأبدية». وأخيراً أُهْدِي للآبِ والابنِ والرُّوح القُدُس الإلهُ الوَاحِدُ المُثَلَّث الأَقَانِيم الإكرام والسُّجُود والتَّعَبُّد الآنَ وإلى أَبَدِ الآبِدِينَ، آمين.
مع مَحَبَّة المسيح: القس الدكتور جُون نَمُّور، راعي كنيسة غيلفورد العربية المعمدانية/ سِيدْنِي.
130-132 Orchardleigh St.
Guildford 2161, Ph 96320300,
www.arabicbaptist.net