أنطوان القزي
قرأنا هذه التسمية كثيراً في الآونة الأخيرة.
ففي أول ايلول سبتمبر سنة 1920 رعت فرنسا إعلان دولة لبنان الكبير.. وعشية أول أيلول سنة 2020 تدقّ فرنسا جرس الإنذار من بئس المصير!
سنة 1920 جلس البطريرك الياس الحويك عن يمين المندوب السامي الفرنسي هنري غورو والمفتي الأكبر الشيخ مصطفى نجا عن يساره لإعلان دولة لبنان الكبير من قصر الصنوبر في بيروت،
واليوم يصل الى بيروت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محذِّراً القياديين اللبنانيين من خطر زوال الدولة، إن استمروا في سياساتهم الحالية، القائمة على نهج المحاصصة والفساد، مكرراً ما قاله وزير خارجيته جان إيف لو دريان الأسبوع الماضي ” أن لبنان يواجه خطر زوال الدولة؛ بسبب تقاعس النخبة السياسية التي يتعيّن عليها تشكيل حكومة جديدة سريعاً لتنفيذ إصلاحات ضرورية للبلاد. وقال في حديث لإذاعة «آر.تي.إل»: «لن يوقِّع المجتمع الدولي شيكاً على بياض إذا لم تنفّذ السلطات الإصلاحات. عليهم تنفيذها سريعاً؛ لأن الخطر اليوم هو اختفاء لبنان».
وعلى امتداد مئة سنة انتقل هذا الوطن من “لبنان الكبير” الى “لبنان الأسير” الى “لبنان الصغير” و”لبنان الكسير” ثم “لبنان التحرير” ليَليه “لبنان الأجير” وصولاً الى “لبنان الفقير “.
في نهاية الخمسينات من القرن الماضي بدأت مرحلة “لبنان الأسير” المتأرجح بين الموجة الناصرية وبين جماعة حلف بغداد، هذا التأرجح الذي سبّب ما يسمّى ثورة .1958
في مرحلة الستينات والسبعينات أعاده الأشقاء الى “لبنان الصغير” عندما تركوه يواجه مصيره وحيداً بين حروب المنظّمات غلى أرضه المدعومة من أنظمتهم.
وابتداء من الثمانينات وسحابة أكثر من ثلث قرن تحوّل إلى “لبنان الكسير” الرازح تحت الهيمنة السورية.
وسنة 2000 عاش اللبنانيون زمن “لبنان التحرير” الذي تخلّله عدوان تموز الإسرائيلي على لبنان.
ليتحوّل سنة 2007 إلى “لبنان الخفير” الذي يسهر على أمن إسرائيل وشخير العرب يصل الى قبرص!.
وسنة 2010 تحوّل الى “لبنان الأجير” حيث راح يصدّر المقاتلين الى سوريا واليمن والعراق وسواها.
وها نحن اليوم نحتفل بمئوية “لبنان الفقير” في زمن التعتير على كل المستويات!.
وأجمل ما قرأت في هذه المناسبة:” أنّ كثيراً من الشخصيات اللبنانية المسيحية والمسلمة كانت تدور على عواصم العالم للدفاع عن فكرة لبنان واستقلاله وسيادته، ولعلّ أول من يبادر إلى ذهننا هو البطريرك الماروني الياس الحويك الذي أثمرت جهوده في الزيارات الخارجية إلى حماية أبناء بلده، وتمكّن من انتشال اعتراف دولي في مؤتمر فرساي ومن بعده مؤتمر الصلح في فرنسا باستقلال لبنان الكبير بعد التفاف المسلمين والمسيحيين حوله.
هذا ما فعله اللبنانيون منذ 100 عام تقريباً، ولكن اليوم يدور السياسيون على عواصم العالم لاستعطاء المساعدات والهبات بإسم وجع اللبنانيين ومعاناتهم، فنشطوا منذ حوالى 30 عاماً حتى مَسخوا صورة لبنان وحوّلوه إلى «الوطن الشحّاد»، وما تركوا رئيساً وملكاً وأميراً وحكومة إلّا ومدّوا أيديهم له، وكلّ قرش جلبوه معهم إلى لبنان صرفوه على فسادهم وزعاماتهم وتحالفاتهم المريضة، وتحوّل غالبيتهم إلى غلمان عند الحكّام الإقليميين والدوليين، يزورونهم ليطلبوا مساعدتهم في الدفاع عن لبناناتهم الصغيرة الوسخة وليس عن لبنان الكبير.
منذ 100 عام كان اللبنانيون يزورون عواصم العالم مرفوعي الرؤوس بوطنيتهم، واليوم يذهب السياسيون مطأطئي الرؤوس بطائفيتهم الخالية من كل المبادئ والحلول والنظرة المستقبلية.
عام 1920 تمكّن رجالات لبنان من انتشال اعتراف عالمي بقيام دولة لبنان الكبير الجامعة للمسيحيين والمسلمين… وفي عام 2020 تمكّن صبيان لبنان من فرض اعتراف محلّي ودولي بهبوط دولة لبنان الفقير على المسلمين والمسيحيين، على الميسورين والمحرومين، على المتعلّمين والأميين، وعلى الكادحين والمرتاحين.
دولة لبنان الفقير لم يبق فيها قطاع واحد لا يواجه أزمة، فحرفياً وفعلياً سرطان السياسة اللبنانية أصاب كل مفاصل الدولة، ولم يعد ينفع معهم علاجات لا كيماوية ولا شعاعية، لأنهم جميعهم أبرياء وغسلوا أيديهم من دم هذا الوطن المشلّع من جشعهم وفسادهم وعجزهم.
دولة لبنان الفقير باتت بلا كهرباء، ومياه، وبنى تحتية، وخطط إنقاذية، وحلول جذرية، وحكومة تقنية… وقريباً بإذن السياسيين ستصبح بلا أدوية، ومواد غذائية، وانترنت، واتصالات سلكية ولا سلكية، وستصبح مقطوعة عن العالم.
في 2020، بدأت عائلات تترك منازلها وتسكن خيماً على الطريق لعدم قدرتها على دفع إيجارات، وعائلات تبحث عن المساعدات لتأكل وتشرب، وعائلات تُشعل أثاث منازلها لتتدفّى، وعائلات تموت قبل أن تمرض خوفاً من فواتير الدواء والاستشفاء، وعائلات تدور على حاويات النفايات، وعائلات تتضرّع على أبواب السفارات أكثر من أبواب الكنائس والجوامع.
سيحمل أولادنا وأحفادنا في المستقبل كتب تاريخ إلى المدرسة، وسيقرأون فيها ماذا فعلتم أيها السياسيون حتى وصلتم إلى إعلان دولة لبنان الفقير عام 2020″.