عثر الخوري يوحنا مخلوف، خادم رعية زغرتا – إهدن، وهو الباحث والمؤرخ والمؤلف الذي ينكبّ حالياً على كتابة جديده: “مذكرات يوسف بك كرم الوطنيّة” الذي سيصدر قريباً، ضمن سلسلة “منائر إهدنية “، وهو يفتش وينقب في أرشيف يوسف بك كرم في المكتبة البطريركية المارونية في بكركي، على رسالة كتبها البطل الإهدني في 29 شباط من العام 1861، أي منذ 159 سنة، موجهة إلى أبناء الوطن، من محب مخلص لهم، تتضمّن قراءةً للواقع ورؤية للمستقبل. في الرسالة، يعرض كرم، رجل الدولة، المبادئ السياسية السامية، لمن اختير لنيل خدمةٍ في سبيل شعبه وذلك من خلال:
“مداركة الأمور قبل وقوعها وعدم التغاضي إلى أن تتجسم ويصعب حلها بهدف توقيف الفتنة قبل امتدادها واتّساعها”.
و”وجوب وجود حكّام وولاة صادقين في حق الدولة، وحقّ البلاد، وحق الأهالي، ولهم الكفاءة والإرادة والمقدرة لإجراء الشّرائع وتأديب أصحاب الجنايات”.
و”وجوب إعطاء المأموريات إلى ذوي “الإستحقاق والأهليّة لا الغنى والرفاهية والرفعة، أي لقومٍ يستحقونها بهدف نجاح الممالك وتقدّمها”.
و”وضع حاجز بين السلطة الروحيّة والسلطة السياسية، فإن التوفيق بينهما في شخصٍ واحد، ضربٌ من المحال” .
مطلقاً قيام الدّولة المدنيّة الّتي أعطت بحسب توصيف كرم “للبلدان المتقدّمة راحةً ونجاحاً”.
“والاهتمام بخيرات الإنسان التي يجنيها من سهول سورية الخصبة القادرة على إنتاج أضعاف نواتجها الحاضرة وإغناء أهلها وحكومتها”.
و”اتخاذ التدابير القوية الفعّالة لإعطاء الأمنية التامة للإنسان، والاعتناء من طرف الحكام والولاة برعاياهم، فهذا من شأنه أن يزيدهم محبّة لأولياء أمورهم”.
ويتوجّه كرم ختاماً إلى أبناء الوطن بما كان يتمناه، مطلقاً أملاً وتمنّياً، وصرخة:
أملاً بوجود سكة حديد، وجيش نظامي، ومدارس ومستشفيات…
وتمنّياً موجّهاً إلى الحكام وإلى المواطنين للعمل على ما هو خير البلاد لا صوالحهم الذاتيّة. والحفاظ على الّلغة العربيّة كونها المفتاح للتمدّن.
وينهيها بصرخة ملؤها العنفوان:
“لا تدعوا تلك الفتن تحملكم على هجر هذه الخصال الحميدة.
هبّوا، انتبهوا، استيقظوا، شمّروا عن سواعد العزم والهمة، وانبذوا عنكم تعصباتكم الدينية وتحزباتكم المذهبية وعداواتكم الطائفية”.
أليست هذه الرسالة بعد 159 سنة تحاكي حكام ومواطني لبنان اليوم؟