رئيس تحرير مجلة ‘النجوم’ / وديع شامخ 

حول مفهوم الريادة في إستخدام مصطلح السلطة الرابعة على الإعلام عموما والصحافة بشكل خاص نستعير ما جاء في الموسوعة الحرة «يدور الجدل حول أول من أطلق تعبير «السلطة الرابعة»، إلا أن اتفاقًا واسعًا ينعقد حول دور المؤرخ الاسكتلندي توماس كارليل في إشهار المصطلح وذلك من خلال كتابه «الأبطال وعبادة البطل» (1841) حين اقتبس عبارات للمفكر الإيرلندي إدموند بيرك أشار فيها الأخير إلى الأحزاب الثلاثة (أو الطبقات) التي تحكم البلاد ذلك الوقت، رجال الدين والنبلاء والعوام، قائلًا إن المراسلين الصحفيين هم الحزب الرابع -»السلطة الرابعة»- الأكثر تأثيرًا من كافة الأحزاب الأخرى.
كما يبدو أن بيرك كان في ذهن كارليل عندما كتب الأخير في مؤلفه “الثورة الفرنسية” (1837) عبارة أورد فيها المصطلح أيضًا.
أما الروائي الإنجليزي هنري فيلدنج فيبرز باعتباره أول مستخدم معروف لتعبير
(fourth Estate)
“. في كتابة له عام 1752
….
تمثل وسائل الإعلام أحد المفاصل المهمة في حياة الأمم الديمقراطية والمتحضرة لما لها من دور رقابي شامل وعين صقرية حادة في ملاحقة الإداء الحكومي والشعبي لكشف الهفوات والزلات والجرائم المرتبكة في الحقول السياسة والاقتصادية والإجتماعية، و إشاعة روح المعرفة والتوعية والتنوير لصناعة رأي عام يصطف مع قضايا الناس ومصالحهم وأولياتهم .
ولاشك أن تلك المهمة تحتاج الى حزمة وافرة من الصلاحيات والسلطات والتي بها يستطيع الإعلامي والصحفي من أداء مهمته بكل شفافية ومهنية وصدقية .
وللأسف فأن مصطلح “السلطة الرابعة” تعرض إلى فهم خاطئ في التداول الاعلامي العربي لانهم يعتقدون أنها رابع السلطات الحكومية بعد التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهذا ربط تعسفي لأن الصحافة تمثل الضمير الشعبي في تقييم الأداء الحكومي وهي سلطة حرة وليس تابعة لهرمية التسلسل الحكومي للسلطات !.
……
الإعلام عموما والصحافة خاصة لا يمكنها أن تؤدي مهامها بغير توفر الحرية كمبدأ مجتمعي والديمقراطي كنظام سياسي .
لذا فأن الفرق واضح في دور الإعلام والصحافة في المجتمعات الغربية الديمقراطية عنه في مجتمعاتنا الاستبدادية أو المترهلة النمو نحو قيادة المجتمعات الى مستقبلها المشرق ، بسبب هيمنة الخطاب الديني والطائفي والقومي الشوفيني والعشائري على مفاصل مراكزالقوى في هذه الدول والعراق نموذجا .
ليست الصحافة الإستقصائية
“Investigative Journalism”
تغطية عادية لخبر ما أو نشر يومي ومتابعة لأحداث عامة . هي كشف لأمور خفية للجمهور، إما اخفاها عمدا شخص ذو منصب في السلطة، أو اختفت صدفة خلف رُكام فوضوي من الحقائق والظروف التي أصبح من الصعب فهمها. وتتطلب استخدام مصادر معلومات ووثائق سرية وعلنية.
وهذا النوع من الصحافة يتطلب أولا جرأة من الصحفي المستقل أو المنتمي الى مؤسسة إعلامية ما، وقدرته في جمع المعلومات في مناخ قانوني يبيح الحرية للوصول الى المعلومة للصحافة بشكل قانوني .

ولعل أخطر ما يواجه سلطة الصحافة الحرة هو انخراطها في مؤسسات حكومية ظاهريا تمول من المال العام ولكنها في الحقيقة تخدم أجندات الطبقة السياسية الحاكمة .
ومن ناقلة القول هنا ما أتذكره أيام الحرب العراقية الإيرانية، ولقاء صدام حسين بوفد من الحكومة البريطانية ،إذ أن صداما طلب من الوفد وبحدة وعنجهية وجهل أن تكف إذاعة البي بي سي عن سياستها في إذاعة أخبار الحرب !!
عندها أجاب رئيس الوفد البريطاني بأن هذه مؤسسة إعلامية مستقلة ولا سلطة لحكومتي على التدخل في شؤونها .
كان صدام يعتقد أن البي بي سي تابعة للفيلق الإعلامي العراقي الذي كان مطيّة للتطبيل والتهليل بحمد القائد وسياسة حكومته .
السلطة الرابعة الآن وبعد زمن إنهيار الدكتاتوريات العربية إستعادت بعض من عافيتها المغتصبة ، فقد تحولت من إعلام أحادي أعرج وأحول وأخرس الى تعددية في الشكل والمحتوى والرسالة ،وصار للصحافي والإعلامي هيبة معقولة للحديث مع السياسي والمسؤول بأفق أعلى من المرونة والأريحية ،ولكن مقتضى شرط السلطة الرابعة لم يتأسس كنمط قار للسياسية الإعلامية المستقلة لوجود هاجس الخوف من التصفيات الجسدية للصحفيين والتسقيط السياسي والشخصي للمؤسسات الإعلامية بتهم جاهزة ،ليس أقلها العمل لصالح جهات غربية ، لتصل الى التعاون المخابراتي مع أسرائيل !!
نحتاج الى الإستفادة من هامش الحرية للسعي الحثيث لتأسيس تقاليد إعلامية راسخة بدءاً باستصدار قانون خاص للصحافة وأجهزة الاعلام عموما يُلزم الحكومات دستوريا بفرض حرية الإعلامي والصحفي بالوصول الى المعلومة بشفافية، مع تدعيم التشريع بقوة تنفيذية قانونية لحماية الصحفي .
كما أن الإعلامي والصحفي ينأى بنفسه على الرضوخ لأيّة مؤسسة ذات أغراض غير مهنية ولها ارتباطات وتمويل مشبوه يضر بمصالح البلاد العليا .
.ولكي نضمن شفافية ومهنية وصدق أداء السلطة الرابعة لابد من شيوع ثقافة قبول الرأي الآخر لدى المواطن والمسؤول ، الحكومة والشعوب ، وتفهم حقيقية أن الحكومة والقائمين عليها هم موظفون في الدولة لهم حقوق وعليهم واجبات وليسوا رموزاً .. الحكومة برمتها ليست بقرة مقدسة ، ولا أحد فوق سلطة القانون . عندها سنوفر مناخاً جمعياً للسلطة الرابعة في كونها صاحبة الجلالة حقا .