بقلم / أنطون سابيلا

تتباهى إسرائيل بقوتها بقرارها ابتلاع الضفة الغربية والجولان المحتلين وبناء القواعد والمستوطنات العسكرية (وليس المدنية كما تزعم) أمام الجهة الأخرى من غور الأردن كمقدمة لاحتلال الجزء الأردني من وادي الأردن.
إنها خطة يعرفها الأردن جيدا ويفهم تداعياتها والقول أن هناك اتفاقية سلام بين الأردن وإسرائيل لا يساوي شيئاً في القاموس الإسرائيلي.
الخطة الإسرائيلية ببساطة تعني أن الأردن هو فلسطين، وهنا تريد إسرائيل زعزعة النظام الملكي الأردني ونشر الفوضى السياسية في الأردن حتى تكون لها «أعذارها» لمهاجمة واحتلال الجهة الأردنية من وادي الأردن والانتقام لهزيمتها الكبرى على أيدي الجيش الأردني والفدائيين الفلسطينيين في معركة الكرامة عام 1968.
يعرف الأردن أن الجار الذي يحب التوسع على حساب جيرانه لا يحترم الاتفاقيات ولا حسن الجيرة. وهناك امثله كثيرة على خرق إسرائيل للاتفاقيات مع الأردن وفلسطين وخاصة ما يتعلّق بالأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية في فلسطين. فوفقاً للمعاهدات التاريخية فإن للأردن الحق في رعاية وحماية هذه الأماكن لكن إسرائيل تآمرت مع المستوطنين وابتعلت أحياء بكاملها في القدس ضاربة بعرض الحائط هذه المعاهدات.
تراهن إسرائيل أن سورية ضعيفة وايران محاصَرة وبعض دول الخليج منهمكة مع تركيا في حرب ضد مصر في ليبيا, بدا هذا الانهماك إلى حد أن الخبر الأول على قناة الجزيرة المملوكة لجماعات متشددة بقيت الأشهر الثلاثة الأولى منذ بدء الوباء(لا أحب كلمة جائحة مع أنها صحيحة لأنها كلمة تبدو وكأنها من زمان هولاكو التتري) وهي تتحدث عن الحرب في ليبيا واليمن متناسية قلق وعذاب الناس من هذا الوباء الخطير.
وفي هذه الأثناء انهمكت إسرائيل في تدريب قوات الشرطة الأمريكية وبعض الدول الغربية على مكافحة التظاهرات بإعطائهم أمثلة على قمعها للانتفاضة الفلسطينية. ومن الملاحظ أن الشرطة الأمريكية تستخدم نفس الأسلوب الإسرائيلي في قتل المدنيين. واستراتيجية إسرائيل والشرطة الأمريكية في قتل المدنيين مبنيه على أساس «اقتل مدنيين فلسطينيين وسود من حين لآخر كي يخاف الآخرون» ولإعطاء الشرطة الشعور بالنصر والتنمّر على «عدوهم» حتى لو كان بريئاً. أي ليس هناك فلسطيني بريء حتى لو كان مثل الشهيد احمد عريقات ذاهباُ لنقل شقيقته إلى زفافها من صالون الشعر أو مثل الطفل المُصاب بالتوحد إياد الحلاق أو مئات الآخرين من الأبرياء الذين سقطوا نتيجة لهذه الاستراتيجية شبه النازية منذ عام 1967 وحتى اليوم.
من نافلة القول أن المتغطرس ينسى دروس التاريخ. إسرائيل تعيش الآن وغداً في منطقة عربية والعالم بعد هذا الوباء غيره قبله. الموجبات تغيّرت والقوي اصبح ضعيفاً والذي يدعي القوة يعرف جيداً أن هناك قوى جديدة خُلقت من رحم الانتصار السوري على داعش وتركيا والحلفاء. ايران وسورية والمقاومة اللبنانية هم اليوم اقوى بكثير من قبل بدء الحرب على سورية. وسكوتهم على الإعتداءات الإسرائيلية لا يعني أنهم لن يحاسبوا نتانياهو ومستوطنيه.
قوة إسرائيل كانت وما تزال من قوة الولايات المتحدة الأمريكية، وهنا المشكلة. أمريكا في حرب أهلية غير معلنة ولا تستطيع مكافحة الوباء الخطير الذي وبسبب رئيسها ترامب الشبيه لنتانياهو يعاني شعبها منه وليس من حل في الأفق . وعنتريات ترامب أساسها الضعف الذي تعاني منه الولايات المتحدة اليوم. الضمّ أو لا ضمّ المستقبل قاتم للشرق الأوسط ولا سلام لأجيال وأجيال. وكما قال لي بروفيسور يهودي في إحدى المؤتمرات الأكاديمية: أنتم العرب قادرون على الصمود لأجيال عديدة لكننا نحن اليهود لا نستطيع ذلك.» فهل وصلت هذه الحكمة إلى أذهان نتانياهو ومستوطنيه؟!