مقال محمد سعيد شلي الذي أعرفه منذ أن كان يعمل في سلطنة عمان، وكنت وقتها اراسل جريدة عمان من الخرطوم بصورة غير منتظمة قبل ان أنقطع عن مراسلتها، مقاله الذي نشر بـ»السوداني» قبل فترة تحت عنوان «رجل يدعى ابينقو اكوك» أثار في نفسي ذكريات مع عدد من الأخوة الصحفيين من ابناء جنوب السودان، بعضهم انتقل الى رحمة مولاه وبعضهم لم تنقطع صلتي بهم حتى الآن.
? من الصحفيين الذين عملوا معنا في الصحافة شول كوال دينق الذي احتفلنا بوداعه عندما قرر العودة الى موطنه لكنه اختفى تماما و لم نعد نسمع عنه ، وسلفاتور دينق الذي كان يحرص على الكتابة الراتبة معنا ، وسايمون ماجوك الذي كان يكتب عن الاخطاء اللغوية الشائعة وتصويباتها في الصحفة الاخيرة بجريدة الصحافة ، كان ذلك قبل أن يلمع نجم الصحفي السفير قير تور الذي جمعتنا به «السوداني» صحيفة «الهوية الجامعة» وما زلنا نتواصل معه عبر فضاء النت الرحيب.
? من الصحفيين الذين تعرفت عليهم من على البعد الصحفى الكبير الفريد تعبان الذي كنت كلما التقي به أساله : إنت لسة تعبان؟!! يرد علي وابتسامته لا تغادر وجهه بخير الحمد لله ، ولكن عندما التقيت به في ورشة جمعية الاخوة السودانية الشمالية الجنوبية بنيروبي كان «تعبانا» بالفعل فقد نال منه المرض ، ولكنه ظل يحمل قلمه الشجاع ويتصدى برأيه مدافعا عن ما يراه الحق والصواب ، وقد دفع ثمن شجاعته ومواقفة مثل كل الصحفيين والصحفيات الشرفاء.
? نيال بول جمعتنا معه هذه المهنة الرسالة ولكن فرقتنا السياسة الظالمة التي تفاقمت في عهد الإنقاذ، وقد دخل في قضية نشر عندما كانت صحيفته تصدر في الخرطوم كادت أن تدخله السجن، فخرج إلى جوبا قبل انفصال الجنوب، لكنه أصبح من الانفصاليين ، ومع ذلك كان يكرم وفادتنا عندما نحل ضيوفا على جوبا التي جمعتنا اكثر من مرة قبل أن تصبح عاصمة لدولة جنوب السودان مازلنا نحن إليها والى أهلها الطيبين الذين ظلمتهم السياسة كما ظلمت كل أهل السودان.
? في رحلة صحفية شهيرة إلى الصين كنا خمسة عشر صحفيا من السودان التليد ، ثلاثة منهم من ابناء الجنوب أذكر منهم جورج كواناي الذي كان أطولنا جميعا، وكان يحرص على ارتداء «الابرول» الازرق الذي كان يرتديه أهل الصين في ذلك الوقت، فلفت الانظار إليه، وكنا نلاحظ كيف أن بعض المارة خاصة صغار السن كانوا يتوقفون باندهاش لمشاهدة هذا العملاق الذي يرتدى ملابسهم.
? ذاكرتي لا تسعفني بذكر كل الصحفيين من ابناء دولة جنوب السودان الذين كانوا بيننا ملء السمع والبصر، هذا بعض ما اثاره مقال شلي عن الدكتور ابينقو اكوك الذي كان يحرص على المشاركة الفاعلة في المؤتمرات والسمنارات، وكنت أجلس إلى جواره كثيرا ونحن نتداول الأفكار التي كثيرا ما نتفق فيها، كان محبا مخلصا لوطنه الكبير قبل أن يغادرنا سياسيا واداريا عقب انفصال الجنوب ،ولا أشك لحظة أن قلبه ما زال معلقا بالسودان التليد.
? في ورشة نيروبى تعرفنا على كوكبة طيبة من الصحفيات والصحفيين من دولة جنوب السودان جمعتنا هموم المهنة وقضايا السودان الكبير الذي أصبح شعب واحد في دولتين، منهم من كنا نعرف من قبل مثل اتيم سيمون مستشار تحرير صحيفة «المصير « الجنوبية الناطقة باللغة العربية والذي مازال يتواصل معنا عبر فضاءات النت ، وبعضهم تعرفنا عليه خلال الورشة مثل جون بن الصحفى الشاب الذي عانى من ويلات الملاحقة والتهديد ليؤكد أننا كلنا في الهم صحفيون.
? لذلك نحرص على استمرار التواصل بيننا بغض النظر عن اختلاف الانظمة الحاكمة أو الآراء والمواقف المتباينة التي هي سنة الله في خلقه، الذي جعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف ونتعاون ونتعايش بعيدا عن كل أسباب العنف والاحتراب.