بقلم / احمد عياش
ما زالت المواقف التي أطلقها المفتي الجعفري الممتاز، الشيخ أحمد قبلان، في كلمة عيد الفطر، تتفاعل. وفي موازاة الاهتمام بأبرز هذه المواقف التي وردت في كلمة الشيخ قبلان التي ورد فيها «لا للطائف»، تفاعل في أوساط شيعية دينية ومدنية على السواء واقع المؤسسات الدينية لهذه الطائفة التي تخضع لسيطرة «حزب الله» وحركة «أمل». هذه الأوساط التي تقف خارج هذا الثنائي طرحت عدداً من الملفات فتحتها كلمة المفتي قبلان غير المسبوقة. فما هي هذه الملفات؟
قبل الشروع في عرض هذه الملفات، أعرب وزير سابق ينتمي إلى الجيل الذي رافق ولادة المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى أيام الامام موسى الصدر، عن اعتقاده أن الشيخ قبلان حضّر نفسه ليكون وريثاً لوالده الشيخ عبد الامير قبلان الذي يشغل الآن منصب رئيس المجلس الذي شغر العام 2001 بعد رحيل رئيسه الشيخ محمد مهدي شمس الدين. ومرّت فترة أعوام قبل تثبيت الشيخ عبد الأمير قبلان في منصب رئيس المجلس الشيعي، فحمل لقب نائب الرئيس، في الوقت الذي كان فيه أيضاً يشغل منصب المفتي الجعفري الممتاز الذي تبوأه عام 1970. وها هو اليوم رئيس المجلس في الـ 84 من العمر. وهو حرص في العام 2003، أي بعد مرور عامين على تسلمه منصبه في المجلس الشيعي، على إسناد الافتاء الجعفري إلى نجله أحمد الذي ما زال في منصبه هذا منذ 17 عاماً.
لكن المفاجأة التي ظهرت في الأيام الماضية، تناولت قانونية واقع المفتي أحمد قبلان. فما هي هذه المفاجأة؟
يقول العلامة الشيخ محمد علي الحاج العاملي إنه اتصل بالرئيس حسين الحسيني ليتشاور معه في واقع مؤسسة الإفتاء الجعفري التي جرى توريث منصبها الأول منذ العام 2003. وخلال التشاور تبيّن أن تعيين الشيخ أحمد قبلان لم يصدر في الجريدة الرسمية طوال الـ 17 عاماً المنصرمة. فقال الرئيس الحسيني للشيخ العاملي أن لا مفعول قانونياً لتعيين قبلان بموجب القانون الرقم 646 الصادر عام 1997. وأبرز الرئيس الحسيني صورة عن هذا القانون الذي ينص على الآتي: «تطبيقاً لأحكام المادة 51 ولأحكام المادة 56 والمادة 57 من الدستور، تُنشر جميع القوانين في الجريدة الرسمية خلال مهلة 15 يوماً من تاريخ إصدارها».
كيف تمر فترة 17 عاماً على تولية الشيخ أحمد قبلان منصب الإفتاء الجعفري من دون الالتزام بالدستور والقانون؟
هذا السؤال وغيره حرّك، ولا يزال، جهوداً في داخل الطائفة الشيعية من أجل تصويب مسار العمل في مؤسساتها الدينية. لكن هذه الجهود وقفت أمام جدار ثنائي «حزب الله» وحركة «أمل» الذي تقاسم النفوذ في هذه المؤسسات بعد غياب الإمام الصدر ورحيل الشيخ شمس الدين. ولا يبتعد رئيس المجلس الشيعي ولا نجله المفتي الجعفري الممتاز عن توجيهات ومصالح الثنائي. وأعطى مصدر ديني شيعي معارض لـ»النهار»، كمِثَال، مستشفى الزهراء التابع للمجلس الشيعي، الذي يلبّي مصالح جهة حزبية وتتجاهل مصالح أبناء الطائفة الآخرين.
انتشر في الأيام الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي شريط مصوّر يسأل عن مصير التبرعات التي تجمعها منذ أعوام دار الإفتاء الجعفري من دون وجه حق، إذ إن هذا الأمر يتعلق بمؤسسات خيرية على غرار تلك المرتبطة بالبطريركية المارونية ودار الفتوى وغيرهما. ويروي مرجع شيعي لـ»النهار» واقعة جرت مع البطريرك الماروني الراحل مار نصرالله بطرس صفير عندما استقبل في بكركي رجل الأعمال المعروف الأمير وليد بن طلال. فعندما بادره الأخير بالقول إنه يحمل إليه شيكاً ببضعة ملايين من الدولارات لتنفقها البطريركية على المحتاجين، التفت البطريرك صفير إلى أحد معاونيه قائلاً: «أبونا حوّل الشيك إلى كاريتاس». ثم أكمل الأمير وليد بن طلال كلامه مع البطريرك قائلا: «سيدي أنا أحمل لك شيكاً خاصاً بك» (عُلم أنه 3 ملايين دولار أميركي)، فأجابه البطريرك صفير موجهاً كلامه أيضاً إلى معاونه قائلاً: «أبونا حوّل هذا الشيك أيضاً إلى كاريتاس».
تسارعت الاتصالات في الأيام الماضية بين شخصيات سياسية من طوائف عدة مع شخصيات شيعية دينية ومدنية، من أجل إصدار مواقف تردّ فيها على المفتي قبلان. وأعرب عدد من هذه الشخصيات الشيعية عن امتعاضها من هذه «الاستفاقة المتأخرة» على دور الشخصيات التي تدور خارج فلك الثنائي الشيعي. وروت بعض مصادر هؤلاء ما جرى قبل أعوام بين رئيس مجلس الوزراء السابق نجيب ميقاتي عندما كان في سدة رئاسة الحكومة بعد العام 2011 ووفد من رجال الدين الشيعة من خارج الثنائي الذين حملوا إليه ملفات الفساد في مؤسساتهم الروحية. فكان جواب الرئيس ميقاتي لهم: «مثل ما عندكم فساد في مؤسساتكم لدينا فساد في مؤسساتنا!».
بالعودة إلى ملف الإفتاء الجعفري، علمت «النهار» أنه بموجب القوانين المرعية الأجراء، لا يحق للشيخ عبد الأمير قبلان تعيين أحد من أقربائه في أي منصب حتى الدرجة الرابعة، ما يعني أن نجله الشيخ أحمد هو في الدرجة الثانية من القرابة المحظور عليها أن تتبوأ أي منصب بموجب القرابة، الأمر الذي يفسّر عدم صدور قرار تعيينه في الجريدة الرسمية منذ 17 عاماً. وفي مقال منشور في الأول من كانون الأول عام 2016 تحت عنوان «واقع الإفتاء الجعفري»، يقول الشيخ العاملي: «رغم الآليات الحديثة المتطورة لتولي المواقع والوظائف الرسمية التي تعتمدها الدول في عصرنا الراهن، ومع كل طروحات الإصلاح والمحاسبة في لبنان ومحيطه، وفي ظل ترتيب البيوت الداخلية للطوائف اللبنانية كافة، باستثناء البيت الداخلي الشيعي، فإن مواقع الإفتاء الجعفري يسودها الخلل والتسيّب بشكل غير مقبول بتاتاً، ما أدى إلى تراجع حضور هذه المؤسسة في الواقع الشيعي، حيث لم تعد تعني له شيئاً إطلاقاً، وانحصر حضورها في جملة قضايا رسمية فقط».
عندما وجّه أخيراً أحد رجال الدين الشيعة كتاباً إلى وزارة المال حول موازنة الافتاء الجعفري، لم يأته أي جواب. هذا غيض من فيض، فهل سيحرّك ساكناً؟