لم تحظَ قصة رجل الاعمال السوري رامي مخلوف بالاهتمام الذي تستحق في جانبها اللبناني مع أنها هزّت سوريا أخيراً وألقت ظلالاً من الشك على واقع النظام الذي يرأسه بشار الاسد، باعتبار ان مخلوف هو من أهل بيت هذا النظام. فهل ثمة معطيات ذات نكهة داخلية لم تروَ بعد؟

في لقاء ضم أخيراً سياسيين وإعلاميين لهم صلة بالتطورات في سوريا، أشار أحد المشاركين، وفق ما علم ، إلى ان هناك طرفين رئيسيين على الساحة السورية لم يتدخلا في ملف مخلوف، وتركا الامور تمضي ولا تزال نحو إخضاع الاخير لسيطرة إبن خاله، الرئيس الاسد، ما يعني وضع اليد على ثروته التي وضعته في مصاف أغنى أغنياء سوريا، وهذان الطرفان هما روسيا وإيران.

وفي معطيات المشاركين في هذا اللقاء، ان لدى مخلوف رصيداً بـ24 مليار دولار أميركي في مصرف يعود الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما يجعل مخلوف في مصاف أغنى مئة ملياردير في العالم. وفي الوقت عينه، تحاول روسيا ان تحصل على بعض مستحقات ديون كان يتوجب على دمشق سدادها منذ زمن طويل، لكنها لم تتلقَّ منها شيئا. وفي تقدير أصحاب هذه المعطيات، ان موضوع الديون الروسية هو من بين أسباب التوتر بين موسكو ودمشق، والذي وصلت آثاره الى عدد من وسائل الاعلام الروسية. ويبدو ان فريق بوتين يأخذ على الاسد تراخيه في إدارة شؤون سوريا وهو ما تسبب بانهيار هذا البلد على كل المستويات تقريبا، وفي مقدمها المستوى المالي. فهل أتت هذه التطورات في موضوع مخلوف نتيجة ضغط روسي على الاسد كي يضع يده على موارد تعود الى دائرته العائلية؟
في المقابل، هناك مقاربة أخرى من اطراف لديهم إطلاع على السياسة العامة لـ”حزب الله” وتاليا إيران في سوريا. ولفت هؤلاء الاطراف الذين كانوا في عِداد المشاركين في اللقاء المشار اليه، الى ان الصمت الايراني عن الاجراءات التي اتخذها الاسد بحق قريبه يعني ضمناً عدم الرغبة في التدخل في هذه القضية، علماً ان مجلة “الايكونوميست” البريطانية في عددها الاخير ذكرت ان إيران التي تدعم النظام تبدو قلقة حيال ما يتصل بموضوع مخلوف الذي كان دوما “قريبا” من الايرانيين، الى درجة ان احد مصادر المجلة قال لها ان مخلوف “وضع كل بيضه في سلة إيران”. لكن إيران، كما تقول “الايكونوميست”، لديها مشاكل أكبر، مشيرة الى ان اغتيال قاسم سليماني في كانون الثاني الماضي، وهو كان قائد عملياتها الخارجية، وتصاعد أزمتها المالية جعلا من الصعب على إيران ان تحافظ على موقعها في سوريا.

وفي سياق متصل، علم ان الجانب غير المعلَن في موقف طهران، هو ان الجمهورية الاسلامية التي تعاني مثل روسيا في الحصول على ديونها المستحقة على نظام الاسد، وجدت نفسها في ضائقة لا سابق لها في المرحلة الاخيرة من العقوبات الاميركية، وكانت مضطرة الى ان تبلغ الاسد بما يتوجب عليه القيام به كي يساهم في تخفيف هذه الضائقة. ووفق مصادر المعلومات ان شركة “سيرياتل” التي يملكها مخلوف، والتي تدير القطاع الخليوي في سوريا، هي الشركة الوحيدة هناك التي تحقق أرباحا طائلة لا تضاهيها أي مؤسسة عاملة في هذا البلد. وتردد ان الاسد قرر ان ينقل ملكية الشركة الى طهران، ولا تمانع موسكو في ذلك، كي تستوفي الجمهورية الاسلامية بعض ديونها. ولعل هذه المعلومات تفسر لماذا صمتت طهران على “نكبة” حلّت بمن اعتبرته “الايكونوميست” البريطانية قد “وضع كل بيضه في سلة إيران”.

يروي سياسي مخضرم له خبرة في العلاقات السورية – اللبنانية لـ”النهار”، ان والدة الرئيس السوري الراحلة أنيسة مخلوف التي تزوجها حافظ الاسد خلافاً لإرادة أسرتها التي كانت تتمتع بنفوذ يفوق ما كان لأسرة الاسد داخل الطائفة العلوية، كانت تنتسب الى الحزب السوري القومي الاجتماعي كحال أسرتها. وقد بقيت على التزامها الحزبي هذا حتى بعد اقترانها بحافظ الاسد الذي أسس نفوذا سياسيا لأسرته لا يزال مستمرا منذ نصف قرن. ويضيف هذا السياسي ان “الهدية” التي قدمها زوج السيدة أنيسة (حافظ الاسد) لأسرتها التي اعترضت على زواجها ممن هو أدنى منها رتبة إجتماعية، كانت بعد تسلمه الحكم عام 1970 إطلاق والدها “القومي” الذي كان يقبع في السجن على خلفية المشاركة في اغتيال عدنان المالكي، وهي عملية جرى اتهام الحزب القومي بتنفيذها، لكن الحزب نفى ضلوعه فيها. ويبدو ان تاريخ أسرة مخلوف ذات الصلة بالحزب القومي ما زال مستمرا عند شخصها القوي اليوم، أي رامي. وكان الاخير يعتزم إجراء تغييرات في الحزب، ليس في سوريا فحسب، بل في لبنان أيضا. وبحسب هذا السياسي، فإن رجل الحزب القوي في لبنان أسعد حردان قد “نجا من قطوع” التغيير الذي كان يعدّه رامي مخلوف. وهذا “القطوع” كان على وشك الحدوث الى ان جاءت التطورات الاخيرة التي واجهها رامي مخلوف، فتوقف كل شيء يتصل بالشأن “القومي”.

طبعا، لا يزال في جعبة المتابعين لأحوال سوريا الكثير مما يروونه. ومن فيض هذه الجعبة، ان رامي مخلوف سعى الى الحصول على امتياز يمنحه ملكية منطقة معرض دمشق الدولي في وسط دمشق والتي هي الاغلى عقاريا في سوريا، وذلك لمدة 99 عاما. لكن هذا المسعى لم يصل الى مبتغاه، وذلك بسبب ضجة نشبت في دوائر الحكم السوري، ما جعل الاسد يتدخل لكي يوقف هذه الصفقة.

هل وصلت قصة رامي مخلوف الى نهايتها وفق ما نشرته “رويترز” بالامس حول وثيقة حكومية اطّلعت عليها الوكالة، وفيها أن الحكومة السورية قررت الثلثاء الماضي الحجز على أموال هذا الرجل؟

الجواب سيأتي لاحقاً. لكن في كل الاحوال، ما نتابعه الآن ليست قصة رامي مخلوف، بل قصة سوريا نفسها التي تقف عند منعطف أحداث ستغيّر ربما وجهها في وقت ليس ببعيد.