بقلم رئيس التحرير أنطوان القزي
في مثل هذا اليوم 19 أيار 1950 وصل ستة شبان من بلدة الجية إلى أستراليا وهم:
سامي قيصر القزي، شفيق عبدالله القزي، الياس داوود حاتم، يوسف نسيب القزي،كرم توفيق القزي وفؤاد ابراهيم القزي. ولأنه لكل هجرة حكاية، كان لنا لقاء مع سامي قيصر القزي عشية وفاته في 12 كانون الأول وكان آخر عنقود العيل الأول.
كيف بدأت قصة الهجرة؟
كان قيصر يوسف القزي والد سامي عنصراً في شرطة سير بيروت ايام الانتداب الفرنسي وكان يسكن في منطقة اليسوعية وعلّم اولاده في مدارس قريبة.
تعلّم سامي مهنة الكهرباء في المدرسة المهنية في بيروت وهو بدأ العمل في هذه المهنة وكان عمره 15 عاماً (1946).
سنة 1948 عادت العائلة لتسكن في الجيّة لأن البيت الذي كانت تسكنه في بيروت في منطقة اليسوعية هُدم بسبب توسيع الطريق، وبقي سامي يذهب يومياً الى بيروت ليعمل في مهنة الكهرباء.
«في احد ايام سنة 1949 كان سامي يقرأ احدى الصحف في بيروت ووقعت عيناه على خبر يقول ان استراليا فتحت باب الهجرة لمن يريد من اللبنانيين .. فحمل الجريدة واخذها الى والده الذي رفض الفكرة على الفور، لكن سامي اصّر عليه، وامام إلحاحه وافق والده على الفكرة.
وسرعان ما توجّه الى الجيّة وراح يجول على الاصدقاء: شفيق عبد الله القزي اولاً الذي وافق على الفكرة، ثم الياس داوود حاتم الذي وافق ايضاً ثم ذهبت الى يوسف نسيب القزي الذي كان يعمل في الزراعة مع والديه في سهل الدامور. ثم التقيى كرم توفيق القزي وفؤاد ابراهيم القزي الذين وافقوا جميعاً.
بعد ذلك توجّه الى السفارة الاسترالية واستغرق انجاز المعاملات سنة تقريباً، وكفل الشب!ان الستة شخص من آل الغزال من مشغرة كان في استراليا وكان شقيقه يعمل مع والد قيصر ( والد سامي) في جهاز شرطة سير بيروت.
يقول سامي: “جئنا بالطائرة وبعد سنتين من سفرنا بدأ السفر الى استراليا بواسطة البواخر ، وتمّ اعتماد البواخر لأن استراليا كانت تخاف من الأوبئة وامراض الحيوانات وفترة شهر في البحر على متن الباخرة كفيلة بإزالة اي وباء..
سافرنا عبر طائرة ميدل إيست تتسع لمئتي شخص حطّت اولاً في مطار القاهرة، ومن مصر استقلينا طائرة «إير فرانس» 4 محركات اوصلتنا الى سنغافورة، ومن سنغافوره الى سايغون في فيتنام، ومن سايغون الى كوالا لمبور في سريلانكا ثم الى برزبن فسدني واستغرقت الرحلة خمسة ايام من بيروت الى سدني لأن محركات الطائرات كانت بطيئة.
وانتقلنا في آخر مرحلة من برزبن الى سدني على متن طيران TAA”.
ويضيف:”وصلنا الى مكتب TAA في شارع ماكواري في سدني، ومن هناك تمّ الإتصال بالقنصل اللبناني في سدني آنذاك ادوار غرّة وقيل له “وصل ستة شبان لبنانيين لا يعرفون احداً”.
وانا كنت احمل رسالة من صديق ابي من آل الغزال ارسلها الى اشقائه ليهتموا بنا، فاتصلوا من مكتب TAA بـ آل الغزال وقالوا لهم ايضاً هناك ستة شباب قادمون من لبنان ويحملون رسالة لكم”.
ويتابع سامي:”جاء آل الغزال ووضعونا في فندق (ماكس اوتيل) في Pitt Street في سدني واقمنا هناك نحو شهرين وبدأنا العمل منذ اليوم الاول. قسمٌ منا كان يعمل في معمل زجاج قناني البيرة، اما انا فعملت في معمل للورق في ألكسندريا وكنا ندفع معاً للفندق.
يبلغ عدد أبناء الجية اليوم في أستراليا نحو 4500 شخص، تاجروا بالوزنات ونجحوا، متشبثين بإيمانهم وحبّهم لوطنهم وبلدتهم الجية التي يزورها العشرات بل المئات منهم كل صيف، وهم يحفظون الجميل والعرفان لأستراليا التي وفّرت لهم مخدّة الأمان وهم الذين عانوا ما عانوه من الهجرات في مرابعهم الأولى.
تحية لهم جميعاً، لأنهم ما زالوا يعلون المداميك ويعطون ما لقيصر لقيصر وما لله لله.