ما سأعرضه اليوم، هو جزء من متابعاتي في الفترة الأخيرة، حول الحنين الإغترابي اللبناني إلى «مرقد العنزة» في زمن
الـ «كورونا».
عماد، شاب لبناني، هاجر إلى باريس في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، وفتحت له الظروف أبواب النجاح الواسعة، وهو منذ ثلاثين سنة (1990)، يرتشف قهوته كل صباح تقريباً في «الشانزيليزيه» في باريس، ويقضي الصيف على البولفار الأنكليزي
Promenade des englais
في مدينة نيس على «الكوت دازور» ( الصورة).
كان كلما التقى بأصدقاء لبنانيين، يسألونه: «متى ستزور لبنان»؟ فيهزّ برأسه ساخراً مشيراّ يده علامة القرَف.
وفي الانتخابات اللبنانية الأخيرة ، اتصلوا به من السفارة اللبنانية يدعونه لتسجيل اسمه للمشاركة في هذه الإنتخابات، لكنه اعتذر بدافع أشغاله الكثيرة؟!..
منذ أسبوعين، وصل عماد ساكن «الشانزيليزيه» شتاءً و«الكوت دازور» صيفاً الى مطار بيروت على أول طائرة قادمة من باريس بعدما «ترجّى» السفارة اللبنانية كي تضع اسمه على لائحة أوّل العائدين،لأنه لا يريد أن يموت في بلاد موليير بل يفضّل الموت في مرقد العنزة حيث أبلوا بلاءً حسناً في الحدّ من تفشّي وباء كورونا؟!.
المشهد الثاني من إفريقيا، حيث جمع سامي ثروة طائلة وهو الذي هاجر سنة 1991، اتسعت امبراطورية أعماله وبات يملك طائرة خاصة، يسافر كل شهر مرّة الى لاس فيغاس ليقامر في كازينوهاتها مبذّراً الملايين بين خسارة وبين إغداق على الموظفين الواقفين خلف الماكينات وبين أولئك الذين يجلبون له السيجار والمنفضة كلّ بضعة دقائق.
سامي هذا كان يقول أنه يفضّل أن يخسر المال في المقامرة على أن يرسله الى لبنان ولو عن طريق مؤسسات خيرية حتى لا يسرقه «الحراميه» لأنه هو أصلاً هرب منهم!.
منذ أسبوعين أيضاً، هبطت طائرة خاصة على المدرج المخصص لطائرات رجال الأعمال في مطار بيروت، وأوّل المترّجلين منها كان سامي الهارب من افريقيا التي لا تحسن التعامل مع وباء كورونا؟!.
أمّا المشهد الثالث، والأكثر تعبيرأ وتأثيراً فهو من البرازيل،لأن طالب العودة هذه المرّة هو من الجيل المهاجر الثالث واسمه داني، كان رفض والده منذ ثلاث سنوات تقديم طلب للحصول على الجنسية اللبنانية رغم نداء قنصلية لبنان العامة في ساوباولو.
سمع داني عن نجاح الحكومة اللبنانية في مواجهة كورونا، في حين كان عدد الإصابات في البرازيل يزداد بسرعة، فتوجّه الى قنصلية لبنان العامة ، وكانت صدمته كبيرة حين أجابوه : «العودة هي حق للمواطنين الذين يحملون الجنسية اللبنانية وليس للمتحدّرين»..
خرج داني خائباً ولم ينفعه أن جده يحمل الجنسية اللبنانية.
هذه المشاهد تجعلنا نترحّم على الذي قال «نيّال من له مرقد عنزة في جبل لبنان»، رغم وجود «الحراميه».
والإغتراب اللبناني يزخر بأمثال عماد وسامي وداني!.