دخل لبنان فعلياً في المواجهة المباشرة بين السلطة والمعارضة، بالتزامن مع عودة التحركات الى الشارع على خلفية الأوضاع المعيشية المتردية، ما ينبئ بمرحلة شديدة الخطورة في غياب أي ضوابط إقليمية او دولية. رئيس الحكومة حسان دياب اطلق شرارة المواجهة، الجمعة الماضي، بالهجوم على حاكم مصرف لبنان، ما استنفر الجبهة المعارضة، لاسيما تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، اللذين استشعرا ان هناك حرب الغاء تُشن ضدهما، مُدعمين بموقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي حذر من أن اقالة سلامة ستوصل سعر صرف الدولار الى 15 الفا، وسينجم عنها خسارة اللبنانيين لودائعهم.
ولم يكن ادل على مشهد التأزم الاجتماعي الخانق والآخذ بالتصاعد تباعا وبسرعة سوى العودة الكثيفة للانتفاضة في نسختها الثانية عبر التجمعات الشعبية الاحتجاجية متحدية كل اخطار خرق الإجراءات الوقائية التي تفرضها ازمة انتشار فيروس كورونا، وخصوصا عند مشارف مرحلة حاسمة تماما بين النجاح في تجاوز مرحلة الانتشار الوبائي الواسع والمحاذير الشديدة الخطورة لإمكان الفشل في تجنبها. ذلك ان تعقيدات المشهد الاجتماعي والاقتصادي من جهة، والاحتدام السياسي من جهة أخرى، وما بين الاثنين، الاخطار الصحية الماثلة بقوة كلها انتقلت الى الشارع الغاضب امس الذي استعاد معظم زخم انتفاضة 17 تشرين الأول منذرا بتصعيد اكبر في الأول من أيار المقبل موعد «الزحف» من كل المناطق الى ساحات وسط بيروت. وشكلت عودة مظاهر قطع الطرق والأوتوسترادات الرئيسية في معظم المناطق ولا سيما منها في منطقة ذوق مصبح والناعمة والبقاع الأوسط مؤشرا بارزا الى استعادة الانتفاضة كل»طقوسها»ووسائلها الضاغطة بما يعني ان المواجهة تتجدد هذه المرة بين الانتفاضة والسلطة، ولو ان الأخيرة تتلطى بلبوس اندفاعها نحو ملف مكافحة الفساد. وإذ يبدو واضحا ان الاحتدام السياسي الذي تشهده البلاد لم يترك أي تأثير على فرملة الحركة الاحتجاجية المتجددة فان العامل الذي استوقف المراقبين تمثل في مواكبة امنية للانتفاضة، من خلال شروع القوى الأمنية في عمليات توقيف واسعة لصرافين غير شرعيين او مخالفين لتعميم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بتحديد سعر الدولار بـ 3200 ليرة وبلغ عدد الموقوفين 19 شخصا. وقد أعلنت نقابة الصرافين مساء امس الإضراب حتى اطلاق سراحهم. ولكن الاحتجاجات اتخذت ليلا طابع استهداف فروع مصرفية جديدة لدى مهاجمتها وتحطيم واجهاتها على ايدي محتجين في طرابلس.
في أي حال سيأخذ واقع الاحتدام صورة مختلفة مصرفيا وماليا وكذلك سياسيا في ظل التطورات المتسارعة التي ستتعاقب في الساعات المقبلة علما ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامه سيعلن في بيان يتلوه عبر فيديو غدا وقائع الازمة المالية وما أودى بها الى هذا الواقع في ما يشكل اول كشف تفصيلي من نوعه قالت عنه أوساط مطلعة انه سيكون ذا اثر قوي جدا لجهة تظهير مسؤولية السلطات السياسية في تنامي الديون وما بلغته الازمة المالية من تدهور. اما على الجبهة السياسية فبدا واضحا ان العهد أراد ان يبرز بسط مظلته على الاتجاهات التي سيقرها مجلس الوزراء في جلسته اليوم في السرايا باعتبار انها ستقر مبدئيا «التدابير الآنية والفورية لمكافحة الفساد» كما وردت في الورقة التي أعدتها وزيرة العدل ماري كلود نجم. ولكن الخلفية السياسية المتحكمة بالورقة التي تثير الكثير من التوجس لدى القوى المعارضة، وحتى لدى قوى موالية لا تتجرأ على مخالفة العهد وداعميه، تنذر باثارة أجواء شديدة الحدة خصوصا مع عودة معالم محاولات الترهيب السياسي للمعارضة او بعض قواها وإعلامها. اذ رصدت تغريدة تهديدية للنائب في كتلة الوفاء للمقاومة ابرهيم الموسوي كتب فيها «وان أسقطتم الحكومة سنسقطكم في الشارع. انها حكومة الفرصة الأخيرة يا بيك وبعدها حتما الطوفان». وأثارت التغريدة التباسا اذ بدت كانها رد على رئيسالحزب التقدمي وليد جنبلاط لكن الموسوي سارع الى التوضيح ان ما نشره «لم يكن ردا على شخص بالتحديد».كما ان حكما صدر في حق محطة «ام تي في» في ملف التخابر استتبع هجوما شامتا عليها من وزير الاتصالات طلال حواط بما اتخذ دلالة في هذا التوقيت. وردت المحطة مساء امس بعنف على الوزير معلنة انها ستستأنف الحكم.
طي الإقالة!
واللافت ان مصادر مطلعة أفادت ليلا ان ملف اقالة سلامة طوي على المستوى الرسمي وبدأ العمل على معالجة الازمة المالية النقدية بالتواصل غير المباشر بين السرايا وحاكم مصرف لبنان من خلال وساطة يقوم بها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم وقد تفضي الى لقاء بين رئيس الحكومة حسان دياب وسلامة في الساعات المقبلة. وأشارت الى ان رئيس الجمهورية ليس بعيدا من مسعى ابرهيم. وأفيد ان ملف التعيينات المالية سيعود الى البحث بالتوازي مع معالجة المشكلة.