لكل شخص عايش حادثة بوسطة عين الرمّانة ذكرى تختلف عن الآخرين….

ففي ١٣ نيسان في مثل أمس الأول سنة ١٩٧٥ وانا في السابعة عشرة من العمر وفي اللحظة التي حصلت فيها حادثة البوسطة ، كنت انا وابن عمّي سمير نصر القزي نشاهد مباراة بالكرة الطائرة في مدرسة الفرير في الجميزة حيث كان فريق مدرسة مار شربل في الجية يخوض المباراة النهائية في بطولة المدارس.

انتهت المباراة، خرجنا الى الشارع العام ورأينا سيارة عادية تمرّ وتبدو من نوافذها رؤوس بنادق، لم نُعر الأمر أهمية، قلنا ربما انهم ذاهبون الى مناسبة، تابعنا طريقنا وتوقفنا عند فلافل فريحة واشترينا سندويشين قبل ان نتابع طريقنا الى الحمرا وهذه كانت عادتنا ان نقطع بيروت من اقصاها الى اقصاها سيراً على الأقدام.

ومن ساحة رياض الصلح مروراً بالقنطاري وصولاً الى مصرف لبنان وساحة الوردية قرب جريدة النهار وصولاً الى سينما كومودور في الحمرا ، لم نلاحظ اي شيء غريب يسترعي الإنتباه.

عند الساعة العاشرة ليلاً وبعد انتهاء فيلم”Mariage A La Mode? غادرنا صالة السينما، وعدنا من حيث أتينا متوجهين الى ساحة رياض الصلح حيث يوجد موقف سرڤيس صيدا ولدى وصولنا الى الساحة المذكورة سمعنا أجراس منطقة البطريركية تُقرع ، وأيضاً لم نعر الأمر أهمية لأن الأجواء في المدينة كانت طبيعية جدّاً.

ولدى وصولنا الى موقف تاكسيّات صيدا لنستقلّ سيارة الى بلدتنا الجية ، بادرَنا السائق قائلاً :” قبل ان ننطلق اريد ان أعلمكم انني سأمرّ في منطقة سبينس لأن هناك راكباً ينتظرني وسآخذه في طريقي واذا كنتم لا تريدون ذلك فانتظروا السرڤيس التالي”.قلنا له :” ما شي الحال ما في مشكلة نذهب معك”.

وانطلقت السيارة وعرّجت على منطقة سبينس وأقلّت الراكب الذي كان ينتظرها، وطول الطريق الى بلدتنا، لم يتحدث احد من الركاب عن اي حادثة حصلت في ذاك النهار.

وصلنا الى منزلينا في الجية وفوجئنا بأهلنا يقيمون “حفلة” ندب وبكاء ونواح، ولمّا رأونا ذُهلوا ولم يصدّقوا ، وخرجوا لاستقبالنا وهم يسألون :” كيف جئتم، من أين مررتم أخبرونا”؟

سألناهم عن السبب، فقالوا :” معقول، الم تسمعوا الإذاعات ، ألا تعلمون ما حصل في عين الرمانة، اشتبك الفلسطينيون والكتائب، وبعد الحادثة أقام الفلسطينيون حاجزاً عند جسر الكولا وراحوا يقتلون الناس على الهوية واعتقدنا أنكم مررتم من هناك، ألم تسمعوا الإذاعات”؟!.

نظرنا الى بعضنا انا وسمير ونحن لا نعرف شيئاً. وأدركنا ان الله سلّم وأعطانا عمراً جديداً بمرور صاحب سيارة الأجرة في منطقة سبينس، وأدركنا لماذا كان هناك مسلحون يمرّون أمام فرير الجميزة وأدركنا لماذا كانت تقرع أجراس مدرسة البطريركية في بيروت.

وصباح اليوم التالي، كانت الإذاعات تحصي أسماء الذين تمّت تصفيتهم على الهوية في منطقة جسر الكولا.

وهكذا كُتب لي عمر جديد.

شكراً يا الله.

ملاحظة: هذا ما حصل معي منذ ٤٥ سنة وسردته بطريقة مجرّدة بعيداً عن السياسة.