بعد ان أقفلت الكنائس وأرغم المؤمنون على الابتعاد عن كنائسهم، في تدابير لا تخلو من سوء التدبير والقرارات المجحفة، اغتنم هذه المناسبة لأذكر جميع المسيحيين أن المسيح الذي انتصر على الموت منحنا القدرة للتغلب على كل الصعاب والانتصار على الموت.
فقيامة المسيح هي مهمة بالنسبة للمسيحيين ولعدة أسباب:
أولاً لأنها تشهد على قوة الله العظيمة، فالله الذي خلق الكون له السلطان عليه وله بالتالي السلطات على إقامة الأموات. والله وحده له السلطان المطلق على الحياة والموت، الأمر الذي يتعارض مع ما يجري اليوم في عالمنا، بعد ان اعتقد البعض أن لهم سلطان على حياة وموت الناس.
ثانياً: قيامة المسيح تثبت صدق الوهيته، كما تؤكد مصداقية النبوءات في العهد القديم والتي تنبأت بآلام المسيح وقيامته، كما أعلم تلاميذه أنه سيسلم إلى الخطأة ويصلب ويقوم في اليوم الثالث. ولو لم يكن المسيح قد قام من الموت لفقد المؤمنون كل رجاء بالقيامة. فبدون قيامة المسيح المخلص، لا خلاص ولا رجاء بالحياة الأبدية. وكما قال بولس الرسول: يكون إيماننا «باطلاً» وبفقد الإنجيل القوة، كما تفقد خطايانا المغفرة.
والمسيح أكد أنه «باكورة الراقدين» وأنه «القيامة والحياة» أي انه مصدر الحياة الأبدية.
ولا توجد قيامة بمعزل عنه، ولا حياة أبدية بدونه، فهو يمنح الحياة لأنه هو نفسه الحياة.
ونحن الذين نؤمن بالرب يسوع المسيح، سوف نختبر القيامة شخصياً، لأن لنا الحياة التي يمنحها لنا المسيح الذي به ومعه غلبنا الموت.
– قيامة المسيح كما عايتنها آن كاترين إيميرتش:
غالباً ما نسمع البعض يرددون أن هذه الرواية أو تلك ليست مذكورة في الكتاب المقدس. ويرفضون بالتالي تصديقها. لكن هؤلاء يتناسون ما ذكره يوحنا الرسول في ختام إنجيله عندما اكد أن هناك أموراً كثيرة عملها يسوع، لو كتبها أحد بالتفصيل لضاق العالم كله بالكتب التي تحتويها.
الراهبة آن كاترين إيميرتش (1774 ? 1824) كانت تختطف بالروح برفقة ملاك، عاينت جميع الأحداث منذ آدم وحواء حتى انتقال العذراء مريم بالنفس والجسد إلى السماء. عاشت السنوات الأخيرة من حياتها على تناول القربان الاقدس وظهرت على جسدها جراخ السيد المسيح.
سوف استعرض اليوم ما ذكرته عن قيامة السيد المسيح، حسبما عاينتها، ولا بد من التذكير أن المخرج الاسترالي ميل غيبسون استوحى أحداث فيلم (آلام المسيح) مما ذكرته حول صلب السيد المسيح. اكتفي اليوم بسرد ما رأته حول قيامة المسيح، كما وصفته في الكتاب الذي نشر لاحقاً تحت عنوان: حياة يسوع المسيح -الجزء الرابع- وجاء فيه ما يلي:
– ليلة القيامة المقدسة:
مع اقتراب السبت، قام يوحنا وبطرس ويعقوب بزيارة النساء القديسات، للحداد معهن وتقديم العزاء لهن. وفيما انطلق الرسل الثلاثة، كانت النساء قد ارتدين المعطف الصباحي ولجأن إلى الصلاة ووضعن الرماد على رؤوسهن ورأين ملاكاً قد ظهر إلى العذراء القديسة. وأنبأها أن الرب أصبح قريباً، وطلب إليها ان تتجه نحو بوابة نيقوديموس الصغيرة. وعند سماع هذا الإعلان ملأ الفرح قلب مريم، فلفت نفسها بمعطفها وخرجت دون أن تنطق بكلمة واحدة للنساء القديسات، مسرعة نحو جدار المدينة الخارجي.
وكانت الساعة تقارب التاسعة صباحاً عندما شاهدت العذراء مريم وحيدة إلى جانب جدار المدينة. وكان تحدق نحو السماء بأعين مليئة بالغبطة، ورأيت في السماء العديد من أرواح الآباء القديسين (الذين حررهم الرب من الينبس) تنحدر نحو العذراء مريم. ورأبت روح المسيح المشعة بنور عجائبي تقترب من العذراء مريم, ولم يظهر أية آثار للجراح عليه، اقترب منها وقال بحنان لا مثيل له: «مريم، أمي!» وبدا لي وكأنه يقبلها. ثم اختفى.
وللحال جثت مريم على ركبتيها وقبلت الأرض التي وقف عليها يسوع. وتركت على الصخر آثار ركبتها وقدميها. ثم نهضت وعادت مسرعة لتنضم إلى النساء اللواتي كن يعدن المراهم والتوابل والعطور لوضعها على جسد يسوع. واحتفظت العذراء بكل ما عاينته ولم تخبر النسوة أنها شاهدت المسيح، لكنها شددت من عزيمتهن وامتدحت إيمانهن.
وشاهدت على الطاولة كل انواع الأعشاب وأوعية وضعت في داخلها مواد التحنيط وزهور اللولو…. كانت كل من مريم المجدلية ومريم كليوفاس وحنة شوس ومريم صالومي قد ذهبن إلى السوق خلال غياب مريم لابتياع هذه الأغراض.
– القبر:
كان الصمت يخيم حول القبر المقدس. يقوم بحراسته والإحاطة به سبع حراس وكان رئيس الحرس كاسيوس يشرف بدقة على حراسة بوابة المدفن ويتحاشى الابتعاد عنه ولو للحظات، وكأنه كان يتوقع حدوث أمر ما.
وشاهدت جسد المسيح ملفوفاً بالأكفان موضوعاً على صخرة كالسرير. وأحاطت به هالة من النور منذ ان وضع في القبر.
ورأيت ملاكان يقومان بحراسة جسد الرب المقدس. واحد جالسُ من ناحية الرأس وأخر بالقرب من قدمي المسيح. وبدا الملاكان كالكهنة. ذكرني هذا المشهد بملاك تابوت العهد.
وخيل إلي أن كاسيوس كان يرى النور الساطع من القبر. لكنه لم يكن يشاهد ما في داخله.
ورأيت روح المسيح المقدسة تعوم داخل المدفن ومعها أرواح الآباء القدامى بعد أن اخترقت صخر القبر. وبدا لي أن الكفن قد رفع عن جسد المسيح وظهرت كل الجروحات فيه. وبدا الجسد شفافاً مضيئاً، وسمح لي أن أشعر بجميع الآلام والعذابات والإهانات التي تعرض لها يسوع قبل الصلب وخلاله. كذلك أحست ارواح الآباء القدامى بمدى الآلام التي عانى منها يسوع. فحدقت الأرواح إلى جسد المسيح بصمت وإجلال. وخيل لي أنهم كانوا ينتحبون لآلام المسيح.
الرؤية الثانية التي عاينتها كانت غامضة وسرية، وأعجز عن روايتها بطريقة واضحة وعقلانية، لكن خيل لي ان روح المسيح، ودون أن تعيد الحياة إلى جسده المقدس من خلال الاتحاد الكامل به، قد رفعت مع جسد الرب في آن واحد من القبر، ونهض الملاكان ورافقا جسد وروح الرب نحو السماء.
وارتجت الصخور خلال هذه اللحظة، لحظة عبور المسيح إلى الخارج. ثم رأيت المسيح مع عدد كبير من الملائكة يحملون جسد الرب المليء بالجراح ويقدمونه للعزة الإلهية والآب السماوي. وأعيدت الحياة إلى جسد الرب بنفس الطريقة التي أعيدت بها الحياة إلى أجساد الآباء والقديسين والانبياء ممن حررهم يسوع في الينبس عندما التحقت أرواحهم بأجسادهم. لكن لم يكونوا احياء بكل ما تعني الكلمة، ولم يموتوا مجدداً كما حدث لأليعازر الذي احياه الرب وأعاده إلى الحياة، ثم توفى لاحقاً.
ويجب ان أذكر أنه عندما اهتزت صخور المدفن، كان أربع حراس قد ذهبوا إلى المدينة لابتياع بعض الأغراض. اما الثلاثة الآخرون فقد سقطوا أرضاً وفقدوا وعيهم، لكنهم ظنوا أن هزة أرضية قد ضربت الموضع.
رئيس الحرس، كاسيوس كان مضطرباً ومرعوباً. وخيل لي أنه شاهد كل ما جرى لكنه لم يفهم ماذا كان يحدث. تجمدت قدماه في موقعه، وبدا أنه كان يتوقع المزيد من الأحداث الغريبة.
– وصف دقيق للقيامة:
تكرر الطوباوية إيمبرتيش وصفها لقيامة المسيح من الأموات وتقول ما يلي:
ان روح يسوع المباركة بدت في روعة من الجمال الباهر، يحيط بها ملائكة محاربون والعديد من الأرواح والشخصيات المشعة، انحدرت من سقف القبر الصخري وطفت حول جسد المسيح المقدس.
ورأيت جسد يسوع الحي يتحد مجدداً مع روحه ولاهوته من جانب الكفن، وكأنهما يدخلان الجسد المقدس من الجرح الأيسر.
هذا المشهد ذكرني بحواء التي أخذت من ضلع آدم. القبر بأكمله كان مشعاً بأضواء المجد.
وظهرت لي رؤية أخرى، إذ شاهدت تنيناً مع رأس إنسان، يخرج من الهوة وكأنها تقع تحت قبر الرب. خرج التنين وهو يلوح بذيله وينفث كل مشاعر الغضب والحقد ضد الرب، لكن المخلص القائم من الموت كان يحمل بيده مادة بيضاء، داس على رأس التنين ورماه بهذه المادة ثلاث مرات.
فانطوى التنين على ذاته وتراجع عائداً إلى الهوة وغرق في جوف الأرض، ذيله أولاً ثم رأسه.
وكنت شاهدت نفس التنين عندما حبلت العذراء بالطفل يسوع. واعتقد ان هذه الرؤية بدت رمزية لي ودليلاً على انتصار الرب يسوع على الموت. لقد داس رأس الأفعى، كما وعد الرب آدم وحواء.
ثم رأيت جسد الرب الممجد يطفو ويخرج من القبر يحيط به رتل من الملائكة. وقام ملاك محارب بإرسال برق شديد من السماء ودحرج الحجر عن باب القبر، ثم جلس عليه.
وحدث ارتجاج عظيم على الأرض كالهزة الارضية، وسقط الحراس أرضاً بعد أن روعهم المشهد.
كاسيوس وحده شاهد المجد العظيم الخارج من القبر لكنه لم ير المخلص نفسه. وكأن العناية الإلهية أرادت أن يكون شاهداً عياناً لما جرى.
ورأيت ان يسوع القائم من الموت التقى أولاً أمه العذراء مريم على جبل الجلجلة. وبدا فائق الجمال والإشعاع بشكل يصعب وضعه.
وتصف الطوباوية ايميريتش كيف وضعت الأكفان داخل القبر وقام ملاكان بحراستها حتى سلماها لاحقا إلى بطرس ويوحنا.
وتصف زيارة النساء القديسات إلى القبر وهلع مريم المجدلية عندما لم تجد جسد الرب داخل القبر، وظنت أن أحداً ما قام بنقله… كما ذكرت ظهور السيد المسيح لها، لكنها لم تعرفه حتى ذكر اسمها. وحاولت لمس قدميه، لكنه منعها من ذلك، لأنه لم يقدم بعد نفسه للآب السماوي ليشكره على قيامته من الموت وليعلن له أنه أنجز مهمة الخلاص…
* شهادة الجنود.
وبعد حوالي ساعة واحدة من قيامة يسوع، ذهب قائد الحرس كاسيوس مسرعاً إلى بيلاطوس الذي كان يستريح على أريكته، وأخبر كاسيوس بيلاطوس بكل ما جرى. فروى له كيف دحرج الحجر عن باب القبر مؤكداً على ظهور الملائكة وكيف ارتجت الأرض واهتزت. وروى له أن الأكفان وجدت فارغة. وأنهى روايته قائلاً: حقاً لقد كان المسيح ابن الله. لقد قام من الموت.
أصغى بيلاطوس إليه بدقة محققاً بكل التفاصيل التي رواها، لكنه تماسك ولم يبد مشاعر الرعب التي اجتاحت جسده. وقال متوجها إلى كاسيوس: لا شك أن لديك مخيلة شاسعة. ويبدو أنك لم تحسن حراسة القبر. ودعاه ألا يذكر أي شيء من ذلك لرئيس الكهنة لئلا تتعقد الامور أكثر مما هي عليه. وعلق قائلا: لابد أن آلهة الجليلي قد مارسوا السحر عليكم ودعاه إلى الادعاء أن مجهولين سرقوا جسد الجليلي، وأن تلاميذه أغروا الجنود بالمال أو رموهم بضروب من السحر. غير ان كاسيوس رفض كل هذه الحجج.
وبعد مغادرة كاسيوس، حضر أربعة جنود كانوا يحرسون القبر والتقوا بيلاطوس وروا عليه نفس الرواية التي سمعها من كاسيوس.
لكنه رفض الإصغاء إليهم وأرسلهم إلى قيافا وعدد من رؤساء الكهنة كانوا يعقدون اجتماعاً على مقربة من الهيكل، بعد ان وصلتهم أنباء عن قيامة المسيح. وقرر المجتمعون أن يلجؤوا إلى التهديد والإغراء بالمال، لإرغام الجنود على القول ان التلاميذ سرقوا جسد المسيح.
لكن الحراس لم يرتاعوا لتهديدات الكهنة ولم يقبلوا المال منهم، خاصة أنهم أفادوا جميعاً بنفس الرواية أمام بيلاطوس ورفضوا ان يناقضوا ذواتهم. لكن الفريسيون حاولوا طمأنتهم أن يعالجوا هذه القضية مع الحاكم الروماني.
لكن الحراس خرجوا ونشروا بين الناس رؤية قيامة المسيح من الأموات. فألقي القبض عليهم ووضعوا في السجن.
وعمد الفريسيون إلى إشاعة أنباء مغايرة للحقيقة، مدعين أن تلاميذ الجليلي سرقوا جثة معلمهم وانهم ادعوا أنه قام من الأموات.
وتذكر إيمبريتش ان الفريسيين والصدوقيين والهيروديين نشروا الأكاذيب المضللة ودعوا جميع الهياكل حول العالم ان يعمموا نبأ سرقة جسد المسيح. لكن أكاذيبهم لم تؤد مفاعيلها لأن العديد من اليهود شاهدوا بأم العين أرواح الآباء والأجداد والأنبياء في أحيائهم وداخل منازلهم.
لكن الكهنة هددوا جماعاتهم بالحرمان والنبذ من المجتمع إن انصاعوا إلى هذه الأكاذيب ورددوا أن المسيح قام من الموت.
وتذكر ايميريتش أن التلاميذ ارتعبوا واختبأوا، وغادر بعضهم أورشليم والتزموا جميعاً الصمت حتى حلول الروح القدس عليهم في العنصرة.
وتقول الطوباوية إيميريتش أن معظم الكهنة أصيبوا بعوارض غير طبيعية.
فالكاهن حنانيا أصبح كالملبوس وأرغم على الاختفاء ولم يعد يظهر على الناس حتى وفاته.
قيافا أصبح مجنوناً تأكله مشاعر الحقد والغضب، سمعان سيرينيا، ذهب إلى التلاميذ، طالباً المغفرة. فتاب وتعمد وتبع يسوع. رئيس الحرس كاسيوس تخلى عن وظيفته والتحق بالرسل واعتمد ليصبح مبشرا برسالة الرب القائم من الموت.
هذا قليل من كثير ذكرته آن كاترين إيميريتش حول قيامة يسوع المسيح من الموت.
– القيامة الجديدة:
اليوم أقفلت جميع الكنائس حول العالم، بحجة محاولة منع انتشار وباء كورونا، كما يروج البعض.
وعاد المسيحيون إلى الأيام الأولى من انطلاق المسيحية، حيث كانت تعقد حلقات الصلوات في المنازل وفي الخفاء… ربما اراد البعض ان تحتضر الكنيسة وأن يموت الإيمان وأن يبتعد المؤمنون عن عبادة الله. لكننا كلنا امل ورجاء أن المسيح الذي تغلب على الموت ودحر أعداء الخير هو قادر أن يحمي شعبه وأن يصون كنيسته.
وعلى هذا الرجاء اكرر مع جميع المؤمنين: «المسيح قام من بين الأموات، حقاً قام، ونحن شهود على ذلك».