يعيش العالم اليوم حالة استنفار في مواجهة فيروس «كورونا». واتخذت معظم الدول اجراءات استثنائية للتصدي لهذا الوباء.
فالصين اصبحت معزولة بشكل شبه كامل بعد ان عمدت السلطات الى تطبيق «حالة الطوارئ» داخل البلاد، وارغمت السكان، خاصة في المناطق الموبوءة بالبقاء داخل منازلهم.
وفرضت معظم الدول حظراً على دخول الأجانب، خاصة الصينيين، الى اراضيها، او من قاموا بزيارة الصين مؤخراً. ويطلب الى المواطنين الخضوع الى اجراءات العزل الصحي لرقابة السلطات الصحية خلال مدة محددة.
وتجهد الشركات الطبية والمختبرات لابتكار لقاح يساعد على احتواء الوباء في اسرع وقت ممكن، قبل ان ينتشر فيروس «كورونا» ويكتسب المزيد من المناعة مع انتقاله من شخص الى اخر، خاصة بعد انتشار انباء تفيد ان الصين فقدت سيطرتها على الفيروس وهي تطالب منظمة الصحة العالمية بالتدخل للمساعدة.
فهل نحن امام كارثة عالمية يصعب على العالم التعامل معها ومواجهة انعكاساتها؟
– بيل غيث يحذر
في عام 2017، حذر بيل غيت من احتمال انتشار فيروس وبائي يقضي على 30 مليون شخص في اقل من عام واحد. اطلق غيت تحذيراته خلال مؤتمر خاص برجال الاعمال في ميونيخ حول الأمن العالمي.
ودعا قبل كل شيء الى بناء ترسانة من الاسلحة الجديدة وهي اللقاحات والعقاقير لمواجهة انتشار الاوبئة والقدرة على التشخيص لعوارضها.
قد يكون بيل غيت على حق في طرح مخاوفه حول مستقبل البشرية، ويمكن ان تكون اللقاحات ذات اهمية لاحتواء الاوبئة، لكن عادة ما يتطلب الأمر ما يصل الى عشر سنوات لتطوير لقاح جديد لكل وباء وترخيصه بعد الاختبارات المطولة، لدى التنظيمات الصحية.
وقد شهدت السنوات الاخيرة تفشي انواع مختلفة من الفيروسات. يربطها البعض بنمط حياة المجتمعات والارتفاع الجزئي لدرجات الحرارة العالمية، ولازدحام السكان في معظم المدن وللتدني المعيشي فيها.
التهديد الذي يقلق بيل غيت ليس القنبلة النووية او وقوع الزلازل، بل هو فيروس صغير غير مرئي يمكن ان يقضي على الملايين من الناس حول العالم في غضون اشهر معدودة.
وقال غيت امام خبراء امنيين في ميونيخ: سواء حدث ذلك بسبب طبيعة غريبة او على يد ارهابي، فان علماء الاوبئة يؤكدون ان مسببات الاوبئة المنقولة جواً يمكن ان تقتل اكثر من 30 مليون شخص في اقل من عام. وتوقع في عام 2017 حدوث مثل هذه التهديدات في غضون 10 الى 15 عاماً.
عبر خبراء صحة عالميون عن خشيتهم ان المجتمع الدولي لم يتغير ما فيه الكفاية ليصبح قادراً على التعامل مع مخاطر انتشار الاوبئة الفتاكة، كما حذر بيل غيت.
واكد رئيس الاكاديمية الوطنية للطب في الولايات المتحدة الدكتور فيكتور دزو (V.Dzau) ان تغييرات محدودة للغاية حدثت على هذا الصعيد، واعترف بوجود شعور ملح ان العالم هو في خطر.
– اسباب تفشي الامراض في العالم.
اكد باحثون عام 2014 في مجلة The Royal Society بعد دراستهم الامراض المعدية خلال السنوات الممتدة بين 1980 و2010 ان تفشي الاوبئة اصبح اكثر شيوعاً بالفعل خلال العقود الاخيرة.
مسببات الامراض التي تؤدي الى انتشارها ليست جديدة، حسب اعتقادهم. فقد عرف الباحثون عن فيروس «زيكا» منذ الاربعينات، وايبولا، منذ السبعينات من القرن الماضي. وقد تطورت هذه الفيروسات مع الانسان طوال مئات وآلاف السنوات.
لكن الفيروسات والبكتيريا والفطريات يمكن ان تنتشر اليوم في جميع انحاء العالم بفعالية وسرعة، اكثر من اي وقت مضى. وقد تفاجئ هذه الاوبئة الاطباء والانظمة الصحية حول العالم، كما تفاجئ نظام المناعة لدى الناس، كما هي الحال الآن مع انتشار فيروس كورونا في الصين.
ويوجد الآن اسباب عديدة لتفشي الامراض المعدية وتساعد على سرعة انتضارها، وهي:
1 – المزيد من حركة السفر والتبادل التجاري بين الدول وكثافة الاتصال الاجتماعي بين الناس حول العالم. فبإمكان الانسان ان يتناول طعامه الصباحي في بكين والغداء في باريس وان يقضي ليلته في نيويورك.
2 – حركة التحضير والحياة في المدن وكثافة السكان فيها، مع تفاوت المستويات المعيشية والحياتية تشكل كارثة انسانية ناشئة قد تنفجر في اية لحظة.
3 – تفشي الفقر في العديد من الدول الفقيرة والنامية، وعدم القدرة للحصول على الرعاية الطبية الملائمة تخلق اجواءً صالحة لانتشار الاوبئة.
4 – يساعد المناخ الدافئ المقرون بالرطوبة على نمو الحشرات ويساعد على زيادة تفشي الامراض.
5 – يعيش العالم في عصر التكنولوجيا المتطورة وسرعة الحصول على المعلومات، منها ما هو المفيد وبعضها ضار وخطر قد يستفيد منها التنظيمات الارهابية.
عصر التكنولوجيا الذي نشهده، اصبحت فيه اسلحة الدمار الشامل من الخيارات التي يمكن اللجوء اليها من قبل افراد او مجموعات ارهابية او متطرفة، من اجل التأثير على دول معادية او الحاق الضرر بها.
– ادوات الدمار الشامل
يمكن اختصار ادوات الدمار الشامل على انها تشمل المتفجرات الكيميائية والاشعاعية والنووية والجرثومية.
غير ان الاسلحة الجرثومية والكيميائية قد تكون الأخطر، كونها تؤثر على الانسجة الحية بواسطة التلامس او التنفس وتتسبب بإصابات خطرة، وفيما تضخ المركبات المستخدمة في الاعمال التجارية والزراعية او الصناعية المواد الكيميائية الضارة بالصحة العامة، يمكن استخدام انبوب صغير يحوي مواداً جرثومية لقتل الملايين ونقل الاوبئة من انسان الى آخر.
اما في الحالة الاولى، فقد يؤدي حادث عن طريق الخطأ او التخطيط المسبق او جراء عمل ارهابي الى قتل آلاف المواطنين.
< غاز الأعصاب الكيميائية
المواد الكيميائية المعروفة باسم Chemical Nerve Agent هي مركبات سامة للغاية تمنع الجهاز العصبي من العمل بشكل صحيح وتؤدي الى الوفاة، وان لم يكن الهدف هو القتل، بل اعاقة اعداد كبيرة من الناس بسرعة ولفترات طويلة، وتقييد الموارد والتسبّب في انهيار البنية التحتية. ووفقاً للمكونات المستخدمة وكمية التعرض، نادراً ما يكون القتل هو السبب الرئيسي لاستخدام هذه المواد السامة التي تتحول من مادة سائلة الى غاز يتبخر بسرعة.
وهذه بعض الحالات التي جرى خلالها استخدام «غاز الاعصاب».
– في نيسان 2017 القي غاز الاعصاب على قرية سورية ادى الى مقتل 100 طفل وراشد واصيب ما يزيد على 500 آخرين بجروح.
– في كانون الاول/ ديسمبر 2016 اسقط غاز الكلور و»السارين» على احياء في مدن دمشق وحماة وادلب وحلب، على يد الجيش التركي. قتل 64 شخصاً واصيب المئات.
– في 1995 ادى هجوم بغاز الاعصاب على مترو طوكيو من قبل منظمة متطرفة الى مقتل 12 شخصاً وطلب ما يزيد على 5500 مساعدات طبية.
– 1988 هاجمت القوات العراقية السكان الاكراد في «حلبجة» واستخدم الجنود غاز الخردل والكبريت. يعتقد ان خمسة آلاف قتلوا في الهجوم وسقط الآلاف من الجرحى.
– 1983 – استخدمت القوات العراقية الغاز السام ضد ايران اسفر عن مقتل 10 آلاف وجرح عدد غير معروف من الجنود والمدنيين.
– الحالة الصينية
لم يصبح مؤكداً بعد الاسباب التي اوصلت الى انتشار فيروس كورونا الجديد. فلا نزال نجهل اموراً كثيرة مرتبط بانتشاره وتسميته والعوامل التي ادت الى انفجاره بهذا الشكل المتسارع.
كل ما يروج له الاعلام العالمي هو ان الفيروس مرتبط ببعض الحيوانات البرية التي تباع في اسواق المدن الصينية والتي تدخل في قائمة الاطعمة الصينية.
وعزّز هذه الفكرة ما نشر على وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي من افلام مصورة لتناول الفئران الحية والوطواط والافاعي وغيرها من الحيوانات النافرة، بالمفهوم الغربي.
وليس ثابتاً بعد ان كانت هذه الحيوانات هي بالفعل من تسبّب بانفجار فيروس كورونا. اذ يعترض الصينيون على هذه النظرية مدعين ان ادراج هذه الحيوانات في المطبخ الصيني ليست بالأمر الجديد. فهذه عادات الفها الصينيون منذ مئات السنين.
مراجع صينية اخرى تؤكد ان الفيروس هو مصطنع ومفتعل عمداً. ولقد جرى اختيار مدينة ووهان التي تقع في وسط البلاد ويقيم فيها 11 مليون مواطن، هم قادرون، بفعل الموقع الجغرافي وعدد الاصابات من نقل الوباء الى المقاطعات والمدن الصينية الاخرى.
وتدرك السلطات الصينية خطورة هذا الوباء وانعكاساته السلبية على السكان والصناعة والحركة التجارية. فكان الهم الاول هو محاصرة بؤرة الانتشار والحؤول دون انتشار الفيروس في اماكن اخرى.
ويرد اصحاب هذا الرأي حججهم الى الازمة التجارية بين الولايات المتحدة والصين والتي دامت حوالي 3 سنوات. ويشاع من مصادر صينية ان الرئيس الصيني كزي جينبينغ عقد اجتماعاً عاماً منذ شهرين لجميع اعضاء الحزب الشيوعي وابلغهم ان الصين تتعرض لحرب من نوع جديد. ودعا اعضاء الحزب الى التقيّد بجميع التوصيات الصادرة لهم في حينه، مؤكداً ان الصين هي قادرة على تخطي المرحلة الصعبة القادمة مهما كانت خطرة ومضرة بالمصالح الصينية.
فان كانت الادعاءات الصينية صحيحة ام انها مجرد وسائل تساعد الحزب الشيوعي على احكام سيطرته على البلاد، في وجه الضغوطات الداخلية التي تطالب باعتماد النظام الديمقاطي ولمواجهة الضغوطات الخارجية التي تدعو الصين الى احترام حقوق الانسان ومعاملة الاقليات الاثنية والدينية بالمساواة والعدل ومنحهم حرية الرأي والمعتقد غير المشروطين، تبقى القدرة على التمييز بين الاوبئة التي تحدث بشكل طبيعياً والتي تحدث ضمن مخطط مسبق هي الوسيلة الوحيدة للحكم على الاحداث وعلى تقييم انعكاساته.
من الناحية المبدئية، ينبغي تحديد الفيروس وجمع العينات الطبية الحيوية من الضحايا، واخذ العينات البيئية من المناطق المتضررة. كما يجب الحصول على السجلات الطبية للضحايا المزعومين اذا امكن ذلك، واستطلاع آراء الشهود في الوقت المناسب.
كما يجب جمع الادلة الحسية المادية والنباتية والحيوانية والبشرية المصابة، قبل اطلاق اية نظريات حول اسباب انتشار فيروس كورونا. فليس ثابتاً حتى اليوم ان تناول لحوم الحيوانات البرية هو السبب، كما انه يبقى من باب التنظير الادعاء ان شخصاً او مجموعة ما زرعت الفيروس في مدينة ووهان لألف سبب وغاية.
لكن ان صحت الادعاءات الاخيرة يبقى علينا ان ننتظر النتائج والانعكاسات السلبية على الصين والعالم، اقتصادياً وبشرياً وتجارياً، كما علينا ان نتساءل حول ردود الفعل الصينية، في حال ثبت لها ان الفيروس هو عمل ارهابي موجهة ضدها وضد الصين والنظام لضرب تنامي قدراتها الاقتصادية والعسكرية.
الدكتور ناهد ديب الحاصل على دكتوراه في الصحة العامة من جامعة ماريلاندز الاميركية كتب ما يلي:
«نوع عجيب من الحروب، فهي صامتة، باردة، لا تترك شظايا او رائحة، ولا تملأ الجو دخاناً او باروداً، ولا تخلف وراءها آثار تدمير. انها سلاح العصر الفتاك والأكثر شراسة، انها الحرب البيولوجية.
فيمكنك بكل بساطة، عن طريق اطلاق عدوى ما بأحد الفيروسات او الجراثيم ان تهزم دولاً بأكملها، وتدمر اقتصادها، وتشل حركتها، وتعلن فيها حالة الاستنفار القصوى، كما لو انها في حالة غزو خارجي.
والمتابع لما يحدث في الصين الآن نتيجة العدوى بفيروس كورونا الجديد الذي تم تطويره لينتقل بين الاشخاص، وليس فقط من الحيوان للانسان.
انها الحرب البيولوجية الجرثومية التي تصنف ضمن اسلحة الدمار الشامل، وهي لا تقل عن الحرب النووية والكيميائية، بل هي اخطرهم لأنها اقلهم تكلفة واوسعهم انتشاراً، وابطأهم احتواءً.
فهل تنبأ بيل غيت بحدوث حرب جرثومية ام انه كان على اطلاع انها ستحدث لا محال بسبب النزاعات الدولية ونوايا خفض عدد السكان في العالم؟؟