أعلنت منظمة الصحة العالمية تمديد المحادثات حول فيروس «كورونا». بعد ظهور إصابات ووقوع ضحايا في أكثر من بلد حول العالم.
المدير العام لوكالة الصحة، تيدروس أدوهاتوم غبريسوس أكد أن لجنة طوارئ خاصة: كورونا قد أنشئت، بموجب اللوائح الدولية للصحة، بهدف التأكد من تفشي هذا الوباء قد يفرض حالة طوارئ للصحة العامة، مما يدفع إلى إصدار توصيات، قد ترغم الدول على الإلتزام بها، على أمل محاصرة الوباء والحؤول دون انتشاره عالمياً.
– أنواع فيروسات كورونا:
حتى بداية الألفية الثانية كان علماء الفيروسات يدركون وجود فيروسين فقط من هذه النوعية تصيب الإنسان.
في عام 2003 ظهر فيروس سارس في منطقة هونغ كونغ الصينية. وسجل انتشار هذا الوباء 8422 إصابة، توفى منهم 916 شخصاً، في حزيران 2012، توفى أول مريض بسبب إصابته بفيروس كورونا المختلف عن الأنواع المعروفة.
وكانت الإصابة الأولى في السعودية. وفي أيلول 2012 أصدرت منظمة الصحة العالمية «WHO» تحذيراً عن ظهور نوع جديد من فيروسات كورونا في المملكة العربية السعودية وقطر، أظهرت الأبحاث المخبرية أن فيروس كورونا الجديد يشبه إلى حد ما فيروس سارس، لكن مع وجود عدد من الاختلافات، أبرزها انخفاض نسبة انتشاره بين الناس، لكن ارتفاع نسبة الوفيات التي تصل أحياناً إلى 50 في المئة من عدد المصابين، خاصة لدى كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة. وأطلق عليه تسمية فيروس كورونا الشرق أوسطي.
وحسب إحصاءات نشرتها منظمة الصحة العالمية عام 2014 اعتبرت السعودية الأكثر إصابة بهذا الفيروس مع أعلى معدلات الوفاة. كما وقعت وفيات في بريطانيا وقطر والأردن وفرنسا وتونس واليونان وإيطاليا والولايات المتحدة.
في السعودية على سبيل المثال أصيب 1224 شخصاً، توفى منهم 520، أي ما يوازي 42٫5 في المئة.
أما الإمارات العربية المتحدة، شهدت 33 إصابة مع وفاة 9 أشخاص، أي ما يوازي 27 في المئة.
– مصدر الفيروس الجديد:
لا يزال غير مؤكد مصدر هذه السلالة الفيروسية الجديدة، لكن هناك عدة فرضيات.
قد يكون أحد فيروسات كورونا التي تصيب الإنسان شهدت حالة من التطفير والتطور، وتحولت بالتالي إلى سلالة جديدة قادرة على إصابة الكلى.
قد يكون فيروس كورونا الذي يصيب الحيوانات في الأصل قد شهد حالة من التكيف والتطور، وأصبح قادراً على إصابة الإنسان، بعد أن اكتسب قدرات إضافية على إصابة الكلى والجهاز التنفسي والقدرة على الانتشار.
في دراسة حديثة تمكن فريق طبي مشترك، سعودي – أميركي من عزل فيروس كورونا الشرق الأوسط والمسبب للإلتهاب الرئوي الحاد من إحدى العينات من الخفافيش (الوطواط) بالمملكة. وأجرى الفريق جمع عينات من 96 خفاشاً يمثل سبع فصائل مختلفة. كما جرى فحص 732 عينة من مخلفات الخفافيش في المناطق التي سجلت فيها إصابات مؤكدة بفيروس كورونا. وتوصل الباحثون إلى إثبات الحقيقة التالية: أن عينة واحدة من الخفاش آكل الحشرات وجد لديها تركيبة جينية مطابقة 100٪ لفيروس كورونا الشرق الأوسط. كما أظهرت الدراسة وجود فيروسات متعددة أخرى من فصيلة كورونا في 28٪ من العينات التي تم فحصها.
فريق هولندي آخر متخصص للأمراض المعدية أعرب عن قناعته أن الجمال «الإبل» قد تكون مصدر فيروس كورونا الشرق الأوسط. خاصة في المناطق التي تستخدم هذه الإبل للحوم والحليب والنقل والسباقات.
وكان الفريق الهولندي قد جمع 349 عينة دم متنوعة من الماشية، ومن ضمنها الإبل والأغنام والماعز من عدد من الدول.
ووجدت الفحوصات أجسام مضادة لفيروس كورونا في جميع العينات المأخوذة من الإبل ولكن لم يتم العثور على أجسام مضادة لدى سائر الحيوانات التي جرى اختبارها.
– كورونا الصينية:
ظهر فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية (11 مليون نسمة) وذكرت وسائل الإعلام أن الفيروس انتقل من السوق العام حيث تباع الأسماك والحيوانات البرية الحية، للاستهلاك الغذائي.
ومع ظهور الحالات الأولى أدرك المسؤولون الصينيون خطورة تفشي هذا الوباء القادر على الانتقال من الحيوانات إلى الناس، وبين الناس أنفسهم.
وأوضح مسؤولون صينيون أن فيروس كورونا الجديد الذي أصاب حسب الإحصاءات الأولية، ما يزيد على 1000 شخص ووفاة 56، ينتقل بين الناس خلال فترة حضانته (من يوم إلى 12 يوماً) أي قبل ظهور عوارض المرض على المصاب، مما يجعل احتواءه أكثر صعوبة. وقد لا يعرف الشخص أنه مصاب بالعدوى، لعدم ظهور العوارض المرضية لديه، لكنه مع ذلك يكون قادراً على نشر المرض.
وهذا ما تسبب بتفشي الوباء في دول أخرى هي اليابان وتايوان، نيبال وفيتنام وسنغابورة والفلبين والهند واندونيسيا وماليزيا واستراليا وايطاليا وفرنسا وبريطانيا ونيجيريا وكندا والولايات المتحدة وأخيراً السويد.
– خطورة الحالة الصينية:
يبلغ عدد سكان الصين حسب إحصائيات عام 2017 مليار و386 مليون نسمة. وتعتبر مدينة ووهان مركزاً صناعياً واقتصادياً بالنسبة لوسط الصين، ويبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة. وهي مركز رئيسي لصناعة صلب الحديد ولإخراج الفحم من المناجم القريبة. كما أنها مركز تصنيع رئيسي للمنتوجات والآلات والشاحنات والمنتجات الاستهلاكية يوجد فيها 89 جامعة. وتستضيف المدينة كأس العالم لكرة القدم لعام 2021.
وكان المسؤولون فيها منهمكون ببناء الملاعب ومراكز صناعية للتكنولوجيا الخاصة والمتطورة.
وتقول الحكومة أن 300 من أكبر الشركات العالمية قد استثمرت في المدينة، بما في ذلك وول مارت وصناعة السيارات مثل هوندا ونيسان وبيجو وسيتروان.
– المطبخ الصيني:
زاد استهلاك اللحوم في الصين بسبعة أضعاف على مدار العقود الثلاثة الماضية، مدفوعاً بارتفاع الدخل الفردي. وتستهلك الصين 28٪ من اللحوم المنتجة داخليا أو المستوردة من الخارج.
ويميل الصينيون إلى تناول كل ما تنتجه الأرض وما يعيش عليها من حيوانات أو حشرات نتيجة لسببين أساسيين: الأول يعود إلى المفاهيم التقليدية التي ترى فوائد غذائية لكل من هذه المكونات الحيوانية.
والثاني مرتبط بارتفاع عدد السكان وعدم قدرة الإنتاج المحلي على تلبية الحاجات الغذائية للسكان.
ويشمل المطبخ الصيني ولو بنسب متفاوتة الأفاعي ولحم الكلاب والخفاش والعديد من الحشرات التي يعتقد البعض أنها منفرة أو غير محببة أو محرمة.
لذا سارع خبراء إلى ربط انتشار فيروس كورونا بالسوق العام حيث تباع الحيوانات البرية الحية والأسماك على أنواعها للاستهلاك اليومي.
هذا ما دفع المسؤولون إلى اتخاذ تدابير صارمة جديدة لاحتواء الفيروس. ومنها فرض شروط إضافية على بيع الحيوانات البرية، والعمل على حظرها بالكامل إذا أمكن، بعد أن ثبت وجود ارتباط بين فيروس كورونا واستهلاك الحيوانات البرية الغريبة.
– خطورة الحالة الصينية:
وصف الرئيس الصيني شي جين بينغ أن انتشار فيروس كورونا يشكل وضعاً خطيراً على السلامة العامة. وكشفت الحكومة الصينية عن جهودها لمواجهة هذا الفيروس، فالخطورة الأساسية تكمن في الأيام الأولى للإصابة بها، حيث لا تظهر عوارض المرض على الشخص المصاب، ويجري التعامل معه أنه إنسان سليم، لكنه في الواقع هو قادر على نقل الوباء لآخرين، خلال الأيام الأولى، وهكذا دواليك.
ونشرت تقارير غير رسمية صادرة عن طبيب ألماني نشر تقرياً مصوراً على شبكة ODESSEUS يدعي أن الإعلام الصيني بإيعاز من الحكومة يتكتم على الوضع الخطير داخل الصين، وأن 40 مليون صيني قد تم عزلهم عن العالم وأن الجيش يطوق المدن، والناس دون طعام أو دواء، لأنه لا وجود اليوم لعلاج فيروس كورونا.
بالواقع أن مليار ونصف صيني هم معرضون للإصابة بهذا الفيروس بفعل الاختلاط الاجتماعي في الشوارع وأماكن العمل والجامعات والمناسبات الاجتماعية والوطنية. وهذا ما دفع السلطات الصينية إلى إلغاء الاحتفالات بمناسبة حلول السنة الصينية، كما تقوم السلطات بحذف الأفلام والمواد الإعلامية من الانترنت وصفحات التواصل الاجتماعي للتكتم على حقيقة ما يجري داخل الصين.
فناشرو المرض الذين لا تظهر عليهم الأعراض يشكلون مهمة صعبة على السلطات الصينية خطراً على سلامة الصحة العالمية، ويعتقد البعض أن العالم مقبل على كارثة حقيقية.
– الانتشار الصيني في العالم:
لا يخلو بلد حول العالم من وجود جاليات صينية تحافظ على عاداتها وتقاليدها وهي بمجملها على تواصل مع الوطن الأم، بفعل الارتباط العائلي والقومي واستيراد المواد الغذائية الصينية من الوطن الأم.
والصين منتشرة حول العالم بفعل قوتها الصناعية والتجارية وحركة الاستيراد والتصدير مع معظم البلدان على الكرة الأرضية.
هذا الواقع الاجتماعي الاقتصادي، إن كان في الداخل الصيني أو خارجه يجعل انتشار فيروس كورونا حول العالم، خاصة قبل تشخيصه، قادراً على الانتشار السريع بين الناس، وعلى أن يزداد قوة ومناعة بفعل التحول البيولوجي والتكيف مع البيئة الخاصة المختلفة.
لهذا ضربت السلطات الصينية حجراً صحياً على مدينة ووهان، ومقاطعة هوبي مصدر الوباء، وفرضت شروطاً قاسية على سكانها، وألغت النقل العام الجوي والأرضي، ومنعت السفر من وإلى المدينة، لكن خلال الأيام الأولى غادر حوالي نصف سكان مدينتهم الموبوءة. ويخشى أن يكون بعض هؤلاء يحمل فيروس كورونا.
ويكافح المسؤولون الصحيون من أجل انتشار الفيروس إذ فرضوا قيود السفر على العديد من المدن المتأثرة بالفيروس داخل الصين وحظرت السلطات السيارات الخاصة من دخول مدينة ووهان التي تعتبر البؤرة الرئيسية لانتشار الفيروس.
وبدأت الحكومة في مبادرة معبرة عن خطورة انتشار الفيروس، وإلى بناء مستشفى ضخم يتسع ل 1400 سرير على أن يصبح هذا المستشفى جاهزاً لاستقبال المصابين خلال أيام معدودة.
وتشير الأرقام الأخيرة وقوع 105 حالة وفاة جديدة وإصابة حوالي ألفي مواطن صيني بفيروس كورونا كما أبلغت الحكومة عن خمسة حالات في هونغ كونغ وإثنتان في ماكاو وثلاثة في تايوان، مع وجود حالات محدودة في تايلاند واليونان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة واستراليا وعدد من البلدان الأوروبية الأفريقية. لكن يشكك مراقبون بصحة هذه الأرقام.
وأعلنت السفارة الأميركية في بكين إجلاء المواطنين الأميركيين وحظر السفر إلى الولايات المتحدة، كذلك قررت السفارة الفرنسية وسفارات أجنبية أخرى إجلاء مواطنيها من ووهان وإخضاعهم للحجر الصحي والفحوصات الدقيقة قبل السماح لهم بالعودة إلى حياتهم اليومية، وتتخذ الحكومة الاسترالية تدابير لإجلاء المئات من الاستراليين في ووهان وهوبي.
وأصدر المسؤولون تعليمات إلى وكالات السفر الصينية لوقف الرحلات الجماعية. ويتزايد القلق بشأن التأثير المحتمل على ملايين الأشخاص الذين يسافرون إلى المدن. بعد عطلة رأس السنة القمرية الجديدة يوم الخميس.
– إنعكسات فيروس كورونا:
في حال لم يتمكن المسؤولون الصينيون من السيطرة على فيروس كورونا بأسرع وقت ممكن، سوف يؤدي انتشار الوباء إلى وفاة الآلاف من المواطنين. ويتخوف المسؤولون الصينيون أن يصبح عدد المصابين في ووهان يزيد على 190 ألف بحلول الرابع من شباط.
وسوف يؤثر انتشار الوباء إلى شل الحياة في الصين مما ينعكس دون شك على الحركة الاقتصادية وعلى الإنتاج العام للبلاد، وعلى التبادل التجاري مع العالم.
كما سيؤدي انتشار الفيروس إلى عزل الصين عالمياً، وهي ثاني أضخم الدول الإنتاجية الصناعية التي تزاحم الولايات المتحدة على الصعيد العالمي.
– كورونا والدور الأميركي:
وفيما يربط الأخصائيون انتشار وباء كورونا ببعض الحيوانات البرية، اتهم زعيم الحزب الليبرالي الديموقراطي الروسي فلاديمير جيرينوفيسكي الولايات المتحدة بالوقوف وراء انتشار الفيروس الجديد من نوع كورونا.
وأثناء لقاء مع طلاب وأساتذة في معهد الحضارات العالمية بموسكو، قال جيرينوفيسكي أن الفيروس الجديد ينتشر بسرعة هائلة، وينتقل من قارة إلى أخرى.
وأضاف قائلاً: أن الحديث يدور الآن عن أزمة مصطنعة تقف وراءها الولايات المتحدة التي تتصرف بدوافع اقتصادية، إذ يخشى الأميركيون من فشلهم في مسابقة الصينيين، أو اللحاق بهم على الأقل.
فإن صحت هذه الفرضية، نكون أمام واقع جديد حيث يتحول نشر الأوبئة إلى سلاح عسكري واقتصادي لمحاربة الخصوم ومنع نموهم اقتصادياً.
فهل يراد من هذه الحالة وقف ازدهار الصين التي أصبحت قوة عظمى تشكل تهديداً على أحادية قيادة العالم من قبل الولايات المتحدة الأميركية…
نحن لا نزال نعيش في عالم تبرر فيه الغاية كل الوسائل، حتى ولو كانت غير أخلاقية.