بقلم رئيس التحرير / انطوان القزي
رفضت إيران تسليم الصندوق الأسود للطائرة الأوكرانية التي سقطت بعيد اقلاعها من مطار طهران في 8 كانون الثاني الجاري بسبب اصابتها بصاروخ إيراني وقتل كل من كان على متنها 170وعددهم شخصاً. هذه الحادثة دفعتني للحديث عن تاريخ الصندوق الأسود.
في العادة، ما إن يقع حادث لطائرة مدنية، تسارع أطقم الإنقاذ بمهمتين فى الوقت نفسه، هما البحث عن الضحايا والصندوق الأسود، وهما فى واقع الأمر صندوقان مسجلة عليهما كل تفاصيل الطائرة حتى لحظة سقوطها، ومهما طال الوقت، لا تكف الأطقم الفنية عن البحث عن الصندوقين، لتحليل المادة المسجلة داخلهما، وهو ما يساعد ، في الحصول على معلومات دقيقة تفيد فى معرفة سبب السقوط، لذا كثيراً ما تتداول وسائل الإعلام عقب كل حادثة الأخبار التى تتابع عمليات البحث الدؤوبة عن الصندوق الأسود، مما تترتب عليه تساؤلات كثيرة عن هذا الصندوق والإجابة هي:
كانت رحلات الطيران المدني فى بداية الخمسينات مهدّدة بالإلغاء في بعض الشركات، نتيجة تكرر حوادث السقوط، وغموض الأسباب التي تؤدي إلى ذلك، وقتها تفتق ذهن «د. ديفيد وارن» (1925 – 2010)، أحد علماء الطيران الأستراليين، عن اختراع جهاز يسجّل ما يجري فى مقصورة قيادة الطائرة، وتفاصيل أداء أجهزتها. وبالإضافة إلى الوضع المتأزم للطيران فى العالم وقتها، فقد كان هناك دافع آخر قوى لدى «وارن»، هو أن والده توفي فى حادث طائرة عام 1934، وعندما قدّم الرجل اختراعه إلى سلطات الطيران الأسترالية، رفضته واعتبرته عديم الفائدة ، لكنه بعزم لا يلين، وثقة بأهمية جهازه، تابَع جهوده كي يرى هذا المشروع العلمي النور، فسافر إلى بريطانيا، وعرض هذا الابتكار الجديد على المسؤولين، وكانت لندن وقتها مهمومة بمشكلات درة تاج صناعتها الجوية، الطائرة من طراز «كوميت»، أول نفاثة تقتحم عالم الطيران المدني، وكانت قد حقّقت صيتاً ذائعاً بعد أن نقلت رحلاتها 30000 راكب خلال عام واحد فقط، منذ بداية خدامتها التجارية في 2ايار مايو 1952، ثم توالت حوادثها الجسيمة بعد ذلك، مما أدى إلى سحب جميع طائرات «كوميت» من الخدمة التجارية، وفي هذه الأجواء الملتبسة والملبدة بحوادث سقوط الطائرات، ظهر العالم الأسترالي في عاصمة الضباب، وكان من الطبيعي أن يجد آذاناً مصغية، وبثت إذاعة «بي بي سى» تقريراً وافياً عن اختراع «د. وارن»، مؤيداً بتزكية من علماء ذوي مكانة وثقة، و «بي بي سي» وقتها هي الإذاعة الأشهر، والوسيلة المتربعة عالمياً على عرش الإعلام، فتنافست الشركات لتبنّي الفكرة والحصول على حق تطويرها وإنتاجها، ومنذ ذلك الحين بدأت رحلة الصندوق الأسود التي لم تتوقف، وصار بعدها هذا الصندوق لصيقاً بالطائرة، كأجنحتها ومحركاتها.
وفي عام 1960، ألزمت الولايات المتحدة جميع طائراتها بتركيبه في الطائرات، وفي ما بعد أوجبت المنظمة الدولية للطيران المدني هذا التطبيق على كل الطائرات التجارية.
الصندوق الأسود هو قالب متين للغاية مصنوع من مواد قوية كعنصر التيتانيوم، ومحاط بمادة عازلة لتحمّل صدمة السقوط الرهيبة من الارتفاعات العالية، ولتحمّل حرارة تزيد على 1000 درجة مئوية وضغط المياه في حالة السقوط في البحار والمحيطات في الأعماق الكبيرة تحت سطح البحر.
كما تغلف أجهزة التسجيل فى الداخل بمادة عازلة تحميها من التعرُّض لمسح المعلومات المسجلة عليها، وكذلك من الأعطال بسبب مياه البحر لمدة 30 يوماً، وهي المدة التي يظل الصندوق يرسل فيها نبضات التعرّف اللاسلكية.
وبعد، فهل يحق لإيران ان تتمنّع عن تسليم الصندوق لأوكرانيا؟!.