بقلم هاني الترك OAM
إني أتابع على إذاعة SBS برنامج الهوية الذي تعده وتخرجه على حلقات الزميلة مرام الشريف.. وهو موضوع الهوية وهو غاية في الاهمية للمهاجر العربي.. لأن الهوية هي الذات الثقافية.. هي الشخصية التي تميز الفرد.. هي المرء نفسه في المجتمع.. والسؤال الذي يواجه المهاجر العربي هو:
من انا؟
هل انا عربي استرالي أم خليط من الهويتين.. وقلت وجهة نظري العلمية هذه للبرنامج العربي من تجربتي الشخصية:
كنت منذ بدء استقراري في استراليا عام 1971 وانا أحمل الهوية الفلسطينية العربية.. وجاهرت بها.. وتمسكت بها حتى هذه اللحظة.. رغم انني عانيت من تعصب ونفور وعنصرية من المتزمتين العنصريين.
ففي عام 1972 كنت أحرر مجلة “صوت فلسطين” بالعربية والانكليزية الصادرة عن النادي الفلسطيني واودعتها في المكتبات العامة الرئيسية مثل مكتبة نيو ساوث ويلز.. وحينما تخرجت من جامعة نيو ساوث ويلز عام 1974 عملت كمدير مكتبة في نيو كاسيل.. ولخيبة أملي كان مدير المكتبة صهيونياً عنصرياً.. فدب خلاف عقائدي سياسي معه تطور إلى خلاف شخصي.. فاراد طردي من الوظيفة وتدمير مستقلبي المهني.. بسبب تأييدي للحق الفلسطيني ومناصرتي المقاومة الفلسطينية.
شعرت بالغربة وأرادني ان أبقى غريباً عن حضارتنا وتاريخنا العربي.. أراد ان يشعرني بالدونية وسلطوية الحضارة الغربية.. وإلا لا مكان لي في استراليا.. حتى أنه قال لي: “سوف أقضي على كل فرصة لك للعمل في وظيفة حكومية” وذلك استناداً إلى زعمه بعدم كفاءتي المهنية.. رغم تحصيلي العلمي المهني في جامعة نيو ساوث ويز اهلني للعمل في مهنة المكتبات.
تقدمت لوظيفة مدير مكتبة لرئيس الوزراء الراحل غوف ويتلام في كانبيرا.. استدعوني لإجراء مقابلة في كانبيرا.. جاءتني في الصباح السيارة الحكومية إلى منطقة رايمون تيراس حيث كنت استقر.. وقادتني إلى مطار نيو كاسيل حيث أقلتني طائرة حكومية صغيرة خاصة إلى مطار كانبيرا.. وهناك انتظرتني سيارة حكومية قادتني إلى مكتبة رئيس الوزراء.. عقدت لي مقابلة كنت اتوقع حصولي على الوظيفة ولكن لم أعين فيها مع أنني كنت مؤهلاً لها.
والسبب ان المدير الصهيوني قدم تقريراً سيئا للغاية عني.. كنت وحيدا في نيو كاسيل مع زوجتي بدون أقارب او أصدقاء اعاني من مشكلة الاندماج الوطني في استراليا واحاول ان ابني مستقلبي واستقر في بلدي الجديد استراليا.
لم يكن هناك مفوضية حقوق الإنسان.. أو مجلس مكافحة العنصرية او أي جهة رسمية أشكو لها من العنصرية التي واجهتني من ذلك الصهيوني.
على أي حال انتقلت إلى سيدني وعملت مدير مكتبة في المحكمة العليا.. ودرست في القانون بالجامعة فيما يتعلق بالبحث القانوني وتخصصت في مكتبات القانون والبحث القانوني.. تدرجت في عملي وبلغت مدير مكتبة إدارة المحاكم الابتدائية لنيو ساوث ويلز وبعد ذلك مديرا لمكتبة وزير الادعاء العام وحصلت على منحة دراسية لمؤهلات الماجستير في جامعة نيو ساوث ويلز.. وكان موضوع اطروحتي هو احتياجات المهاجرين العرب للمعلومات.
عملت بنجاح في مكتبات القانون والقضاء حتى تقاعدت من عملي وتقاضيت الادخار التقاعدي.. اتجهت بعد ذلك للصحافة العربية.. حتى منحت وسام OAM من الحاكم العام ممثلاً الملكة اليزابيث.
طيلة مدة استقراري في استراليا لم أتخلى عن هويتي الفلسطينية العربية.. ولا استطيع التخلي عنها.. لأني نشأت وتربيت في ظل ثقافة العالم العربي الإسلامي رغم اني مسيحي الديانة .. لأن الإسلام هو دين وثقافة وليس ديناً فحسب.
اكتسبت الثقافة الاسترالية بحكم مدة استقراري الطويلة في استراليا.. ورغم العقبات والعراقيل فإن انتمائي وولائي لاستراليا .. مع عدم التخلي عن الهوية الفلسطينية.. فهي جزء من كياني وهي ذاتي.
تطورت استراليا منذ ذلك التاريخ.. وأنا أحمل التراث والتاريخ العربي.. مع تطور البنية السكانية الاجتماعية في استراليا حدثت قفزة نوعية في المجال التشريعي والقانوني.. بعدم التفرقة بين المواطنين ضد الظلم ومع العدالة.. إلى الاعتراف بمجتمع الحضارات المتعددة.. باتت من الناحية العلمية أنه لا يمكن للمهاجر التخلي عن هويته الشخصية التي نشأ في ظلها.. مهما حاول.. وإلا دخل في صراع نفسي في ذاته.. وهذا ما يسمى أزمة الهوية.
ومفهوم مجتمع الحضارات المتعددة هو حفاظ المهاجر على ثقافته وديانته وتقاليده وعاداته مع التفاعل بالمجتمع الاسترالي.. ويتحقق بذلك التناغم والتفاهم بين الحضارات المتعددة.. مع ان الحضارة الغربية الانجلوساكسونية هي السائدة الآن.. ولا يعرف ما هي طبيعة الحضارة التي سوف تتميز بها استراليا في المستقبل.. ويعتمد ذلك على تفاعل الحضارات المتنوعة.
لذا قلت للبرنامج العربي: أنا لا أعاني من أزمة الهوية.. فانا هاني فلسطيني عربي استرالي احمل الآن الهوية الفلسطينية العربية الاسترالية، إذ أمضيت حوالي خمسين عاما من عمري في استراليا.. ولا يمكنني التخلي عنها وولائي وانتمائي هو لاستراليا.. مع اعتزازي بهويتي الفلسطينية وجذوري العربية.. ومن حقي الدفاع عن حقوق بلدي الأصلي فلسطين.. فإنها تراثي وتاريخي العربي.
وقد ذكر بحث لمعهد لوي للدراسات عن الهوية أذاعه برنامج صباح الخير أستراليا أمس الخميس على أن الارهابيين من الجيل الثاني يعانون من أزمة الهوية في عدم انتمائهم الى الهوية الوطنية الاسترالية او العربية مما يولّد صراعاً في نفوسهم ويصبح من السهل غسل أدمغتهم باللجوء الى الارهاب مع عدم فهمهم لتعاليم الدين الاسلامي.
لذا أنصح كل مهاجر عربي.. سواء كان لبنانيا أو فلسطينيا أو سوريا او مصرياً.. التمسك بهويته الأصلية لبلده الأم إضافة إلى الزهو بالهوية الاسترالية.. حتى لا يقع الشخص المهاجر في أزمة الهوية.. وحتى يعيش بتناغم ونجاح سواء مع ذاته أو المجتمع الاسترالي..