[slideshow_deploy id=’32367′]
الانسان المعاصر يتعرض اليوم لموجة عارمة من الطروحات المتناقضة التي تجعله في حيرة من نفسه عندما يبحث عن الحقيقة، ويطرح على ذاته أسئلة جوهرية تتعلق بشتى الأمور الوجدانية والحياتية.
هذا الانسان هو في حيرة من نفسه حول المسائل الاخلاقية، وحول تأثير التبدلات المناخية، والحريات الجنسية. وهو حائر حيال التشريعات العديدة والقوانين التي تسن يومياً، وتقيد سلوكه الاجتماعي وكيانه الانساني، اذ يفترض ان تكون القوانين تهدف الى حمايته وتوفير الراحة له والطمأنينة لمصير عائلته.
فالحريات الدينية كسائر الحريات العامة، تختلف من بلد الى آخر. واضطهاد الاقليات أصبح أمراً مألوفاً في الكثير من المجتمعات، رغم الكلام المضخم عن ضمان حقوق الانسان لها، في المحافل الدولية
فعالمنا اليوم هو ضائع، مضطرب، قلق حائر من نفسه، يعيش حالة مخاض، يجهل المواطن العادي، ما ستؤول اليه كل التطورات.
لكن النزاعات ليست وليدة اليوم. وما وصلنا اليه بدأ منذ مئات السنين.
ويبدو ان قوة خفية عملت على مدى العصور على تفتيت المجتمعات. وكان من اخطرها تفتيت الكنيسة وتقسيمها. مما أوصل الانسان المسيحي المعاصر الى التشكيك في الحقائق العقائدية او اللامبالاة حيال الحقائق الإيمانية، او رفضها بالمطلق بحجة ان “الله لو كان موجوداً لما سمح ان تصل البشرية الى ما هي عليه اليوم من فساد وفوضى وعنف وفقر وقتل واستغلال للانسان الآخر الذي خلقه على صورته ومثاله…!!”.
فهل مات الله في مجتمعاتنا المعاصرة؟ وهل غاب وجه المسيح عن الكنائس التي تدعي انها تبشر بإسمه، وتشفي المرضى بإسمه وتستحضر روح الله وتصنع العجائب وتدعو الى الخير.. ام ان المسيح تحول الى سلعة تجارية رابحة يسعى الطامحون الى استغلالها من اجل المزيد من الاثراء والسلطة والتحكم بالشعوب وتزوير الحقيقة الايمانية؟
وهل الكنائس العديدة المنتشرة اليوم في العالم هي كنيسة المسيح؟؟ أسئلة جوهرية يجب ان تطرح:
من أسس كنيستك؟ هل المسيح هو فعلاً من أسسها؟ او ان من أطلقها هم بشر مثلنا؟
ان كان المسيح هو من وضع القواعد الاساسية لكنيسته، اذا يوجد كنيسة واحدة حقيقية للمسيح.
اليوم يوجد آلاف المذاهب يدعي كل منها انه ينقل العقيدة المسيحية الحقيقية وان الروح القدس يسيرها ويوجه أتباعها، لكننا نؤمن كمسيحيين ان الروح القدس هو روح الله، روح الحق، ولا يتسبب بالارتباك والشك، بل يوجه دائماً الى ما هو حق ويقين. لذا لا يعقل ان تكون جميع المذاهب والبدع على حق.
لنفرض انني كمسيحي ملتزم، أكرس حياتي للمسيح من خلال إحدى هذه المذاهب أوالكنائس، وكنت على خطأ؟ ألا يتوجب على ان اطرح على نفسي هذا السؤال الجوهري، وأنا أسعى جاهداً للحصول على الحياة الابدية من خلال إلتزامي بتعاليم المذهب الذي أنتمي إليه وأسلك حسب توجيهات رؤسائه وأرشاداتهم!
كنيسة المسيح
دون شك ان الكنيسة الاولى التي وضع أسسها المسيح هي الكنيسة الصحيحة. كنيسة الرب وكنيسة الحق.
لكن على مدى التاريخ، ظهر أشخاص طامعون بعضهم لديهم حب السلطة، والبعض الآخر أغراهم إبليس فإنحازوا عن طريق الحق، وأسسوا كنائس خاصة بهم. فجرُّوا الملايين من الناس نحو الهرطقة.
لنعد الى الماضي ونرى معاً الكنيسة التي أسسها المسيح، وما هي الكنائس التي ابتكرها بشر؟
في الاجواء الصاخبة التي تعيشها البشرية اليوم، والتبدلات الجذرية التي يشهدها العالم، ربما يصعب على البعض التعامل مع الحقيقة ورؤيتها بوضوح، بعد ان دمرت آلاف الطروحات العقائدية أذهاننا، وأصبحنا تعيش حالة من الضياع الفكري والتشكيك الإيماني، خاصة بعد ظهور تيارات تدعو الى وحدة الإيمان ووحدة الدين، لمواجهة هذه الفوضى العقائدية ولمنع التعصب والتطرف الديني. لكن تبقى الحقيقة هي ثابتة لا يمحوها تاريخ ولا يبطلها تعدد العقائد الايمانية، ولا يغيرها تطور الاحداث او تسلسلها التاريخي.
فان كنت تنتمي الى الكنيسة الآشورية المشرقية. فان كنيستك انشقت عن الكنيسة الكاثوليكية عام 431 بعد الميلاد، عندما رفض الاساقفة الآشوريين تعاليم مجمع أفسس.
وان كنت أرثوذوكسياً مشرقياً، فان كنيستك انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية عام 451، عندما رفض بعض الأساقفة توصيات المجمع الخلقدوني، جرى معالجة هذا الانشقاق ليتكرس مجدداً عام 1054، لأسباب سياسية أكثر مما هي عقائدية، إيمانية.
وإن كنت تنتمي الى الكنيسة اللوترية (نسبة الى Luther)، فإن مؤسس كنيستك هو مارتن لوثر، في عام 1517 ميلادية، لوثير كان راهباً في الرهبنة الاوغسطينية، ترك الكنيسة الكاثوليكية ليؤسس البروتستانية.
اعترض لوثير على بيع صقوق الغفران، ودعا الى إجراء إصلاح داخل الكنيسة، معلناً ان الإيمان وحده يكفي لخلاص النفوس. لا شك ان الكنيسة البروتستانتية اللوثرية قد غيرت مجرى التاريخ في العالم الغربي.
وإن كنت تنتمي الى الكنيسة الانغليكانية فإن مؤسس كنيستك هو ملك إنكلترا هنري الثاني، عام 1534.
الملك هنري إنشق عن الكنيسة الكاثوليكية، مطلقاً كنيسة انكلترا بعد ان رفض البابا حل زواجه من زوجته الأولى كاترين دي أراغون التي لم تنجب له ولي العهد. اعلن عن تأسيس كنيسته الجديدة وكرس نفسه رئيساً لها. وأقفل جميع الأديرة واضطهد من رفضوا طاعته. تزوج 6 سيدات، بعد زوجته الأولى، لكنه لم يرزق بولد ذكر ليرث الملك بعده.
إذا كنت تنتمي الى الكنيسة الكالفينية، فان جون كالفين هو من وضع المبادئ العقائدية لهذه الكنيسة، عام 1555م. كالفن كان لاهوتياً فرنسياً، ساهم مع لوثير بنشر البروتستانتية، وساعد على نشر الإيمان بسيادة الله في جميع مجالات الحياة.
ويؤكد كالفن ان البشرية كلها خاطئة بالطبيعة منذ لحظة الولادة، لذا أرسل الله الآب يسوع المسيح ليموت من اجل جميع البشر، لكل من يؤمن به. “هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. (يو3: 16)”.
وان كنت ايها المؤمن تنتمي الى الكنيسة المشيخية (Presbyterian)، فان مؤسس هذه الكنيسة في عام 1560 كان جون نوكس، وهو لاهوتي اسكتلاندي قاد حركة أصلاحية.
وان كنت تنتمي الى الكنيسة المعمدانية، فان اول كنيسة معمدانية أنشأها جون سميث في عام 1609 ميلادية.
يؤمن سميث بمعمودية تغطيس الجسم كاملاً في الماء كما تعمد الرب يسوع على يد يحنا، رغم انه اعتمد شخصياً برش المياه على رأسه من قبل زميله توماس هالويز.
ويدعو سميث أتباعه الى الايمان بان الاشياء التي كرز بها الرسل الاوائل في العهد الجديد يجب ان تكون أكثر أهمية من اي تعليم حكومي، ولا ينبغي لأي ملك أو برلمان ان يحكم الكنيسة، بل فقط كلمة الله. أوليفر كرومويل هو اول من سمح للمعمدانيين بمزيد من الحرية والتأثير. انطلقت الكنيسة المعمدانية في لندن، رغم انها تأسست في هولندا على يد جون سميث. كان سميث كاهناً انغليكانياً غيوراً على الإيمان، لكنه منذ بداية حياته الكهنوتية ألقى به في السجن لانه رفض الالتزام بتعاليم وطقوس وممارسات الكنيسة التي كان ينتمي إليها.
وان كنت تنتمي الى الكنيسة الميثودية (Methodist)، فان مؤسس كنيستك هما جون وتشارلز ويزلي (J & G Wesley) اللذين انفصلا عن كنيسة انكلترا في عام 1739.
اما الكنيسة الاسقفية (Episcopalian) فقد أسسها صموئيل سيبوري (Seabury)، عام 1789. ويعتبر اول أسقف في كنيسة الولايات المتحدة. دعا في كتاباته للوفاء لبريطانيا والإلتزام بالعلاقات معها. اعتقله الوطنيون، أنصار الاستقلال.
بعد نهاية الحرب عاد الى ولاية كونتيكات حيث بذل جهوداً لبناء الكنيسة الانغليكانية التي ضعفت كثيراً بعد ان غادر معظم أتباعها الى كندا.
بعد ان رفضت الكنيسة الانغليكانية في الولايات المتحدة وبريطانيا ترقيته الى رتبة الاسقفية، لجأ الى الكنيسة الاسقفية في اسكوتلاندا لتحقيق طموحه، وأصبح أول أسقف في أميركا الشمالية.
بعض الكنائس الاسقفية في الولايات المتحدة هي نسخة عن الكنيسة الانغليكانية. وتعتبر اليوم من اكثر الكنائس تحرراً، اذ تعترف بزواج المثليين وتبارك علاقاتهم الى جانب أمور أخرى.
وان كنت تنتمي الى كنيسة المسيح لقديسي آخر الأزمنة، او ما يعرف بالمورمون، فإن جوزيف سميث هو مؤسس هذه الكنيسة في عام 1830.
ويدعي سميث ان الله كان يوماً إنساناً يعيش على كوكب، وإرتقى تدريجياً الى الالوهية. وضع إنجيلاً خاصاً بكنيسة، إدعى ان ملاكين نقلاه إليه على ألواح، كتب بلغة يجهلها، قام بتحطيم الألواح بعد ان انتهى من ترجمة “كتاب المورمون”. تزوج سميث من 40 إمرأة. يعتبر أتباعه بمثابة “نبي للأزمنة الأخيرة” أصفاه الله وميزه عن الآخرين، ومن ضمنه تعدد زوجاته.
كشف مؤخراً عن تعدد الزوجات لدى سميث وأثيرت الشبهات حول حياته الخاصة، مما أثار جدلاً واسعاً على شبكات التواصل الاجتماعي والانترنت، وفي وسائل الاعلام، وتسبب بابتعاد الكثيرين عن “العائلة”.
ورغم انقسام قادة هذه البدعة حول تعدد الزوجات، لا يزال البعض يلتزمون بممارستها. ويقبلون بتعدد الازواج، متمسكين بتعاليم جوزيف سميث الاولى، كونه يحظر تحويرها او تطويرها لانها “منزلة”.
ويبشر سميث انه بمقدور الانسان ان يصبح إلهاً ويحكم سيطرته على الكواكب التي يعيش عليها. وإدعى ان تعدد الازواج يساعد على تحقيق الألوهية. وتعتبر هذه التعاليم هرطقة تتعارض مع الكتاب المقدس كما ذكر أشعياء النبي “ما كان من قبلي إله، ولن يكون بعدي فأنا أنا الرب، ولا مخلص غيري” (أش 43: 10،11).
وان كنت تنتمي الى كنيسة المسيح Church of Christ فإن مؤسساها هما وورين وأليكسندر كامبل (Campbell) في عام 1836. فكيف يمكن تسمية هذه الكنيسة، بكنيسة المسيح اذا كان مؤسسها هو مجرد إنسان، وان المسيح قد أسس كنيسته منذ ألفي سنة؟
أما كنيسة الايام السبعة السبتية (7 Days Adventist) فان مؤسس كنيستك هي آلين وايت (Ellen White)، وهي سيدة أميركية رفيعة الثقافة ولديها مؤلفات عديدة في الدين والعلاقات الاجتماعية والآداب والتاريخ والنبؤات والتغذية والزراعة والاهوت. شجعت على اعتماد النباتيات على اللحوم.
كانت تقع في غيبوبة وهي منفتحة العينين دون ان تتنفس وترى رؤاً تتعلق بأورشليم الجديدة، والارض الجديدة وعودة المسيح، ووصف الرب الإله وكأنه كائن بشري وان الجنة هي مكان مادي.
وادعت آلين وايت انها كانت ترى نوراً تقول انه المسيح والملائكة يرينوها أحداثاً ماضية ومستقبلية وتضمنت كتاباتها نبؤات وتفاسير لاهوتية.
كتابها “شهادات للكنيسة” Testimonies for the Churh لعب دوراً هاماً في تشكيل وهيكلة كنيستها الجديدة. وتدعي انها تلقت تعليمات عملية لأعضاء الكنيسة وتدعو للحفاظ على يوم السبت، وان نزاعاً كونياً بين المسيح وملائكته وإبليس وشياطينه سينشأ ووصفته بصراع العصور.
وأعلنت وايت ان السيد المسيح هو نقطة الخلاص للبشرية بالنعمة، وسعت الى إصلاح “ العهد الجديد”، دون أي ذكر للثالوث الاقدس. غير ان بعض الناقضين يشككون بنبؤات وايت وبصحتها، فيما يرى آخرون ان التشابه في الرؤى لديها ولدى آخرين يؤكد صحة الوحي لديها، لكن آخرين عبروا عن وجهات نظر أخرى ان معايناتها تشبه الى حد بعيد تعاليم المورمونز وشهود يهوة وكنيسة الساينتولوجي Christian Science وترى وايت ان الآب والابن والروح القدس هم ثلاث كائنات متميزة، لكنهم متحدون كواحد في اللاهوت في الفكر الالهي.
وتعتبر وايت ان بابا رومية هو “المسيح الدجال”، مدعية ان لقب “أسقف المسيح” باللاتينية يساوي 666، لكنها تناست ان العهد الجديد كتب أولاً باليونانية والآرامية، وان إسمها آلين ج وايت يوازي أيضاً 666.
وان كنت من اتباع شهود يهوة، عليك ان تتذكر ان جماعتك أسسها تشارلز تايز راسيل (Charles Russel) في عام 1874. وان شهود يهوة، ينكرون ألوهية السيد المسيح وان الملاك ميخائيل تقمص به، رغم ان كاتب رسالة العبرانيين (1: 5) “فلمن من الملائكة قال الله يوماً أنت إبني انا اليوم ولدتك” وقال أيضاً: “سأكون له أباً ويكون لي إبناً” وقال أيضاً: لتسجد له كل ملائكة الله”.
وأساء شهود يهوة الى الكتاب المقدس وحرفوها في ترجماتهم المتعددة.
لكن من ينتمي الى الكنيسة الكاثوليكية، يدرك في عمق وجدانه الايماني ان هذه الكنيسة أسسها السيد المسيح نفسه في عام 33 بعد الميلاد وانها عروس المسيح، بقيت وفية له على امتداد ألفي سنة، رغم كل الهفوات البشرية. “وانها تهدي الى الخلاص في الايمان بالمسيح يسوع” وان المسيح يدعو الجميع ليكونوا اعضاء فاعلين واحياء في كنيسته، قبل فوات الاوان.
أنهي مع بولس الرسول الذي كتب ما يلي الى تلميذه تيموثاوس: “واعلم ان أزمنة صعبة ستجيء في الايام الاخيرة، يكون الناس فيها أنانيين جشعين، متعجرفين، متكبرين، شتامين، لا يطيعون والديهم، ناكرين الجميل فاسقين، لا رأفة لهم ولا عهد، نمامين متهورين… يفضلون الملذات على الله، متمسكين بقشور التقوى، رافضين قوتها، فابتعد عن هؤلاء الناس، ومنهم من يتسللون الى البيوت ويغوون نساء ضعيفات مثقلات بالخطايا، منقادات لكل أنواع الشهوات… ولكنهم لن يتوصلوا الى شيء لأن حماقتهم ستنكشف لجميع الناس..”
فالكنيسة التي بناها المسيح على الصخر، أبواب الجحيم لن تقوى عليها، لان العالم يزول وكلامه لا يزول.