حاورها / بيار سمعان
- فشل حزب العمال في إقناع الناخبين التقليديين بالتصويت له مجدداً بسبب الطروحات العقائدية الكبرى والنزعة الاشتراكية والابتعاد عن المبادئ الاساسية للحزب.
- مسؤوليتي ان اعيد الثقة الى نفوس الناخبين ان حزب العمال يمثلهم ويعمل لصالحهم ويحافظ على برنامج سياسي معتدل ومتوازن
- لا يكفي ان يكون لدينا برنامج سياسي مميز يعجز الناس عن فهمه، بل علينا معالجة القضايا الحيوية المتعلقة بالصحة والتعليم والبيئة والشبيبة والبنى التحتية وفاتورة الكهرباء، والاقتصاد والعمل في الولاية .–
زعيمة حزب العمال في الولاية، جودي ماكاي، تعتبر نفسها قادرة على مواجهة حكومة الإئتلاف بقيادة غلاديس بريجيكليان والفوز في انتخابات الولاية في عام 2023.
وللمرة الاولى في تاريخ نيو ساوث ويلز تتزعم الحكومة والمعارضة امرأتان في آن واحد. لكن ماكاي تؤكد على اختلاف شخصيتها عن شخصية رئيسة الحكومة، لذا هي مصممة على التمايز عنها، لأنها تختلف عنها في الشخصية والمستوى التعليمي والتوجهات السياسية.
ولدت جودي ماكاي في 16 آب اغسطس 1969 وستحتفل بعيد ميلادها الخمسين بعد ايام.
وتأمل بالمناسبة ان تعيد وضع حزب العمال على سكة السياسة الصحيحة، بعد ان اصيب الحزب بخيبة امل على صعيد الولاية والصعيد الفيدرالي، نتيجة للأداء السياسي الذي لم يتقبله عامة الشعب في الولاية واستراليا. هذا ما تتمناه وما تصمم على تحقيقه.
حصلت ماكاي على ماجيستير بالادارة العامة من جامعة سيدني، وتسلمت عدداً من الوظائف الادارية وغير الادارية.
انتخبت للمرة الاولى عضواً في المجلس التشريعي عام 2007، ونائباً عن مقعد ستراثفيلد في آذار 2015.
في 29 حزيران 2019، فازت في رئاسة الحزب بعد معركة طاحنة ضد زميلها كريس مينز وحصلت ماكاي على 60،5٪ من الأصوات.
في 3 تموز 2019، ألفت اول وزارة ظل لها في الولاية، واسندت حقيبة وزارية لزميلها مينز الذي تحداها على زعامة الحزب. واستبعدت ماكاي بعض الأسماء التي تثار حولها الشبهات، ومن ضمنهم نائب منطقة بانكستاون ميهايلوك.
وكانت مواقفها حيال البعض واضحة وعلنية، فهي ترغب بقيادة حزب العمال مع شخصيات نظيفة الكف ولا غبار على سلوكها الماضي.
ماكاي التي تعيش في منطقة متعددة الثقافات تدرك اهمية التبدلات الاجتماعية والديمغرافية ودور الاستراليين المتحدرين من اصول اثنية، لذا تسلمت الى جانب زعامة الحزب، وزارة الظل للتعددية الثقافية ووزارة النقل والبنى التحتية، في اشارة منها الى اهمية البنى التحتية في بناء مدينة عصرية ومتطورة، تتلاءم فيها البنى التحتية مع التبدلات الديمغرافية، كون مدينة سيدني هي من اهم المدن الجاذبة للمهاجرين، ولليد العاملة التي تنتقل اليها من الأرياف والولايات الاخرى.
وتؤكد ماكاي انها على عكس حكومة الإئتلاف تولي الأهمية القصوى للبشر قبل الحجر، لأن السياسي الناجح والمخلص هو في موقعه لخدمة الناس اولاً. وتعتقد ان كلا الحزبين انكرا اولوية المواطنين، مما دفع هؤلاء للابتعاد النسبي عن دعم الاحزاب الكبرى.
التقيت جودي ماكاي وطرحت عليها عدداً من الأسئلة:
– برأيك ما هي الاسباب التي ادت الى خسارة حزب العمال الانتخابات الفيدرالية وفي ولاية نيو ساوث ويلز؟
– على صعيد الولاية اعتقد ان الناس لم يثقوا بنا ما فيه الكفاية. لقد فشلنا كحزب في اقناع من صوّتوا لنا في الماضي لكي يجددوا دعمهم لنا. كما فشل حزب العمال في مناطق ريف الولاية، لأننا لم نطرح قضايا المزارعين بموضوعية.
وعن اسباب فشلنا ايضاً يكمن في خسارة المجموعات المؤمنة المحافظة بعد ان ابتعدنا عن مواقفنا التقليدية. كما خسرنا دعم المجموعات الاثنية وهذا يبدو جلياً في مناطق غرب سيدني التي تعتبر عمالية الميول، لكن معظم ابناء الجاليات لم يصوّتوا لصالحنا في الانتخابات الاخيرة، لأنهم لم يجدوا ما يأملون بالحصول عليه انه متوفر لدينا.
مسؤوليتي ان اعيد الثقة الى نفوس الناخبين ان حزب العمال يمثلهم ويعمل لصالحهم أينما وجدوا وحيثما عاشوا.
– وماذا على الصعيد الفيدرالي؟ كل التوقعات كانت ترجح فوز بيل شورتين. فلماذا خسر حزب العمال الانتخابات الفيدرالية؟
– اعتقد ان حزب العمال خاض الانتخابات الفيدرالية على اساس الطروحات السياسية الكبيرة التي عجز الحزب عن شرحها ما فيه الكفاية لاقناع الناخبين بجديتها ومنافعها. لقد طرح حزب العمال برنامجه السياسي على خلفية تفاؤلية، بينما خاض الإئتلاف الانتخابات مع برنامج مبسّط وحملة تخويف من نوايا حزب العمال.
لا اسمح لنفسي ان اعلّق اكثر من ذلك على قضايا فيدرالية. لكنني اتعهد ان يحافظ الحزب في الولاية على برنامج سياسي معتدل ومتوازن، دون المبالغة في المعارضة او الانجرار عميائياً لدعم الحكومة. واجهد لإعادة الثقة والحقيقة الى العمل السياسي، وان ينخرط الحزب بشكل ايجابي في نقاش بنّاء لمعالجة القضايا الأساسية المتعلقة بالصحة والتعليم والبيئة والبنى التحتية والشبيبة. اذ لا يكفي ان يكون لدينا برنامجاً سياسياً مميزاً يجد المواطنون انفسهم عاجزين عن فهم مضمونه واهدافه الآنية والبعيدة.
وعلينا ان ندرك ان العديد من سكان غرب سيدي لم يعودوا يعتبرون انفسهم من الطبقة العاملة. هناك تغييرات عديدة تحصل على مستوى المجموعات السكانية وعلى مستوى الأفراد.
ان دوري كزعيمة حزب العمال ان يدرك الناس، انه رغم كل هذه التغييرات، اود ان يحافظ المواطنون على التماهي بحزب العمال الذي يوفر لهم الضمانات على مختلف المستويات ومهما تبدلت ظروفهم واماكن سكنهم. فتوفير التعليم الملائم والمدارس المجهزة والقادرة على استيعاب الطلاب بشكل مريح، ووجود اساتذة كفؤ ، وبناء مستشفيات جديدة تتلاءم مع التبدلات الديمغرافية.
يجب الا نكتفي بحشر المرضى في غرف ضيقة او توظيف المزيد من عمال واخصائيي الصحة في مكان واحد، بل علينا بناء مستشفيات جديدة حيثما وجدت الحاجة لها، وان نخفض مدة الانتظار للحصول على الخدمات الصحية.
نريد ان يتمكن الناس من دفع فاتورة الكهرباء. الآن يجهد كثيرون لتسديد فاتورة الكهرباء. مهمتنا كحزب عمال ان نبقى كما كنا «حزب الشعب» ونهتم بمشاكل وقضايا الشعب.
لذا اتخذت شخصياً حقيبة التعددية الثقافية، لأنني طالما كنت الداعم الأول للتعددية الثقافية. والجاليات الاثنية هي كسائر مكونات المجتمع. يريدون مدارس جيدة وخدمات صحية متوفرة وطرقات غير مكتظة ووسائل نقل سريعة وآمنة.. كل هذه الامور هي من واجبات حكومة الولاية.
– في عام 2014 كان لك تصريح لافت عندما قلت ان اي اصلاح نرغب بتحقيقه يجب ان يأتي من الداخل، أنت الآن في موقع السلطة وقادرة على احداث اصلاح. فما هي الاصلاحات التي ترغبين انجازها؟
– اوجز لأقول انني سأعمل عل ىاعادة بناء ثقة الناس بحزب العمال. اننا حزب جدير بثقة الناس وسوف اعمل على تحقيق ذلك. سوف احارب اية مظاهر فساد في الحزب. وخبرتي السابقة مع المفوضية الملكية للتحقيق بالفساد ICAC سوف تساعدني على انجاز ذلك. لقد خرجت من التحقيقات السابقة وسمعتي الشخصية نظيفة. ولدي الرغبة الجامحة ان يعود الناس ليثقوا برجال السياسة.
ان اي تغيير في حزب العمال يوجب علينا ان نركز على اوضاع المواطنين أينما كانوا في الولاية ويجب ألا نحصر اهتماماتنا فقط بالمدن الكبرى. ويجب علينا ان ندرك انه في حال صممنا على الفوز في الانتخابات القادمة يجب ان تأخذ طروحاتنا السياسية ومقارباتنا لقضايا الناس أينما وجدوا في ولاية نيو ساوث ويلز.
يجب ان نتمايز عن هذه الحكومة التي تبيع الممتلكات العامة، وهي لا تزال في حالة العجز. غلاديس تسعى لأن تكون بمثابة مديرة اعمال. نحن حزب الشعب. اننا حزب يتعاطف مع الناس ومع مشاكلهم ونسعى ان يمد يد العون لهم حيثما عاشوا في نيو ساوث ويلز.
– من خلال لقاءاتي مع نواب ومرشحين من مختلف الأطياف السياسية، بدا لي ان حزب العمال اصبح لديه توجهات سياسية يسارية بعيدة عن هموم واحتياجات وتطلعات الناس. ما رأيك وتعليقك على ذلك؟
– صحيح، يشاركك هذا الرأي العديد من المراقبين الذين يرون ان حزب العمال اتجه نحو اليسار وتبنى الطروحات الاشتراكية. ان مسؤوليات الحزب تدفعه لأن يكون قادراً على رفع مستوى الناس والعمل معهم نحو المستقبل. انا شخصياً انسانة مؤمنة واقدّر القيم التي زرعها والدي فيّ، وارغب ان تبقى هذه القيم حيّة ومحترمة في القرارات التي نتخذها كحزب في المستقبل. وتبدأ هذه القيم باحترام الناس وتقدير معتقداتهم دون تمييز.
– ينقسم العالم اليوم الى ثلاث تيارات: اولها التطرّف والارهاب ذات الطابع الاسلامي يقابله تطرّف آخر ذات طابع مسيحي او يميني، وفريق ثالث ملحد يسعى لابتزاز الطرفين النقيضين ما تعليقك؟
– قد يكون هذا التوصيف صحيحاً، لكن علينا الا نتناسى وجود اغلبية من الناس المعتدلين، مثلي ومثلك والعديد من الناس الذين نلتقي بهم يومياً. هم اناس محافظون ومتماسكون ويولون الحياة الكريمة والمنصفة حقها. حزب العمال هو للجميع من يجلون ويحترمون كل الآراء. وهذا ما يدفعني للعودة الى استخدام عبارة «الحزب المتعاطف مع الناس». عندما نبدأ بتقدير واحترام الناس قبل احترام وتقدير الطروحات العقائدية والايديولوجيات، وكأننا نولي الأهمية لبناء الحجر قبل بناء البشر.
لدينا الآن، على سبيل المثال 35 الف انسان مشرّد يعيشون دون مأوى، لدينا فواتير كهرباء يعجز الناس عن تسديدها، لدينا أناس يجهدون يومياً للبقاءعلى قيد الحياة وتوفير المدارس الجيدة لأطفالهم.. هذه هي الأمور التي يجب ان يوليها حزب العمال الأولوية.
انني اتعهد كزعيمة حزب العمال ان اتمسك بتوجيهات هذه المبادئ الانسانية، لأنها كالمنارة على تلة مرتفعة.. نحن طالما كنا كالبيت المتسع الذي يحتضن اناساً من مختلف التوجهات يجمعهم حب الخدمة والعطاء ومساعدة الآخرين. واعتقد ان زملائي في الحزب دعموا وصولى الى موقع القيادة نظراً لالتزامي بهذه المبادئ الاساسية.
انا اتواصل مع الناس، اتفهمهم ولديّ رؤية واضحة حول هوية الحزب وسوف اركّز دائماً على الانسان في الولاية.
وخلال اللقاء تطرقنا الى موضوع عودة جودي الى العمل السياسي بعد ان قررت الابتعاد عن السياسة نتيجة لتحقيقات ICAC معها. فردت جودي انها انهت بعدئذ شهادة الماجيستير في جامعة سيدني ووجدت نفسها ملزمة بالعودة الى السياسة واحداث فروقات في أعمال ومنهجية الحزب. وهي الآن في وضع يسمح لها بتحقيق بعض الاصلاحات وخدمة المجتمع والانسان في الولاية.
وتدعم جودي الحريات الدينية، حرية الممارسة والمعتقد للجميع وهي من حقوق الانسان الاساسية.
واعربت عن تقديرها للجالية اللبنانية وللموارنة الاصدقاء والكثر الذين يقيمون في منطقتها الانتخابية. وتقول للناطقين بالعربية ان حزب العمال هو حزبهم، ولديهم فيه مكانة ودور عليهم ان يلعبوه بنجاح. لذا اتخذت حقيبة التعددية الثقافية، لأنني اؤمن بالدور الفعال والمثمر الذي تقوم به الجاليات الاثنية .
انا شخصياً وكرئيسة حزب العمال في الولاية لديّ تعاطف خاص مع الجاليات الاثنية ومع اللبنانيين بنوع خاص. سوف ابقى دائماً الصوت المدافع عن حقوقهم، ولن اتردّد باتخاذ مواقف صارمة عند الحاجة.
نتمنى لجودي ماكاي التوفيق في مهمتها الجديدة. فهي كما يبدو تدرك ما ترغب بتحقيقه على الصعيد الحزبي وتؤكد التزامها بالانسان اولاً، لأن المجتمع الصالح هو من ينتج مواطنين صالحين يحبون وطنهم، لأنه بيتهم الكبير الذي يوفر لهم الضمانات وسبل العيش الكريم.