> ملبورن من جوني عبو

يثير الكاهن المسيحي جورج جريج الاهتمام بالدور الذي يلعبه منذ سنوات طويلة كمديرا لمدرسة ” المطران الرعائية ” في المنطقة الفاصلة بين المسلمين العلويين في جبل محسن ، والمسلمين السنة في باب التبانة بطرابلس شمالي لبنان…

ويخدم الكاهن المسيحي في الكنيسة القديمة في منطقة ” التماس ” الفاصلة بين الاقتتال السني العلوي ، الذي كان ازهق أرواح الكثيرين لسنوات طويلة من الخلافات المذهبية والطائفية التي ترثها الاجيال تحت مسميات تاريخية وعقائدية دينية هي مثار خلاف واختلاف بين العلوية والسنة منذ مئات السنين …

ويسعى ” ابونا جورج ” كما يناديه الأهالي من الطرفين المسلمين هناك ، الى تحقيق السلام والخير والوئام والهدوء قدر الامكان ، مركزا جهده على الاهتمام بالتلاميذ الصغار في مدرسة ” السيدة ” نسبة الى السيدة العذراء كما هو متعارف عليه في المنطقة التي انهكتها الحروب المتنقلة والتي هدأت في السنوات القليلة الماضية بعد اتفاق لا يزال معمولا به .

ويقول الخوري جورج في مقابلته مع التلغراف انه يخدم في المنطقة منذ نحو 20 سنة ، ويتألم لما كان يحصل من اقتتال بين الاهالي هناك ، وهو حتى اليوم يتسائل متى يقتنع الاهالي بضرورة دفع أولادهم الى الوصول لمراتب علمية عالية ومميزة تضمن نبذ العنف والبغضاء بينهما والتخلص من شوائب الماضي والألتفاف الى مستقبل ابنائهم وبناتهم ، وهذا الأمر ينطبق حسب قوله على مختلف الطوائف التي تنخرط في الاقتتال وتبتعد عن لغة الحوار والتفاهم والسلام

ويرى هذا الكاهن الطيب ان المدرسة التي بنيت في عام 1963 على أرض الكنيسة التي عمرها مئات السنين انها مركز للعلم اولا واخيرا ، تدرس ابناء وبنات الاهالي المتقاتلين اللذين يقدرون ويحترمون دور الكنيسة ويزورونها بين الفترة والاخرى

ويشرف مدير المدرسة الكاهن جورج جريج على تعليم نحو 200 طالب وطالبة من المسلمين السنة والعلوية دون ان يكون بينهم اي من الطلاب المسيحيين رغم ان مطرانية طرابلس المارونية تمول الجزء الاكبر من احتياجات المدرسة ومرتبات المعلمين والمعلمات وأقساط رمزية يدفعها الاهالي ومساهمات حكومية … ويشدد المطران جورج بو جوده راعي الابرشية ورئيس مدارس المطرانية الاثني عشر، على دعم المدرسة ورفدها بكل ما يؤمن لها الاستمرارية نظرا لدورها المحوري في حياة المنطقة واعتبار وجودها رسالة اكثر من اي امر اخر.

وفيما اذا كان هدف الكنيسة استقطاب الطلاب وتحولهم الى الدين المسيحي يرفض الخوري جريج ذلك قطعيا ، ويقول ان ذلك ممنوع عليي انا وبأوامر مباشرة من السلطات الكنسية العليا، الممثلة براعي الابرشية المطران جورج بوجوده السامي الاحترام، معتبرين ان هدفنا هو بناء الإنسان والمواطن الصالح محترمين الخيارات الدينية الشخصية ، ولم يحصل ان قبلنا اي حالة او دفعنا او شجعنا في هذا الاتجاه والاهالي يعرفون ذلك جيدا من تاريخنا الطويل في التعليم لبناتهم وابنائهم الاحباء اللذين نريد لهم كل الخير والسعادة والنجاح

وتدرس مدرسة السيدة طلابها وطالباتها المنهاج الرسمي المعتمد من قبل  الحكومية اللبنانية وتهتم بانشاء جيل مسالم يؤمن بالسلام والعيش المشترك ، كما تقيم بين الفترة والاخرى دورات تثقيفية وتدريبية  للامهات تطال مختلف حياةالمرأة والام من اكتشاف الذات ودورها في المجتمع، واهميته في حياة أولادها وعائلتها، إلى الوقاية من الحوادث والمخاطر فيحالات الحرب، والاسعافات الأولية، وأهمية التغذية في حياة الطفل،  والتفكير في العمل واعادة الاسرة سيما ان الكثير من الاهالي فقدوا ابنائهم في الحرب بينهما …

ويؤكد الخوري جورج على ضرورة بناء الانسان خلال التعليم في المدرسة والاهتمامات الحضارية وزرع قيم التسامح بين الطرفين لما لذلك من اهمية في حياة ومستقبل الاجيال اللبنانية

ويروي الكاهن الذي يزور استراليا زيارة عائلية ان بعض الحوادث تثير الاستغراب فالاهالي يحضرون اولادهم الى المدرسة او يأخذونهم بعد انتهاء الدوام ثم تبدأ عمليات القنص والحرب بينهما، ليكونوا في المدرسة قبل الظهر في علاقة ممتازة تتحول بعد الظهر إلى حرب وقنص…

وعما اذا كان تعرض لحاولات اغتيال او تهديد من احد الاطراف يقول ، انا أؤدي واجبي ورسالتي الاخلاقية والدينية والانسانية في المساعدة وزرع قيم الخير والمحبة والباقي على الله ، لدي علاقات طيبة مع كل الاهالي ووجود بعض الحالات الشاذة لا تمثل موقف الاهالي اتجاهي او اتجاه المدرسة والكنيسة ، على العكس كثير من الاحيان الاهالي من الطرفين كانوا يحمون الكنيسة ويتجنبون الاضرار بها ، لكن المدرسة تعرضت احيانا لاطلاق النار وكما دوما في هذه الحالات نتدبر طريقة آمنة لاخراج التلاميذ الى بيوتهم ويصلون بكل أمان وسلامة

وتعتبر تجربة مدير مدرسة السيدة المسيحية التي تعلم الطلاب المسلمين العلويين والسنة في كل من جبل محسن وباب التبانة ، فريدة الى حد كبير ليس فقط في لبنان انما في العديد من بلدان العالم بهذه الطريقة والمنهجية والاسلوبية …

ويقول الخوري جورج ان بعض الطلاب يبقون  اصدقاء عندما يكبرون، وتكون خيارتهم وقراراتهم لهم ومستقلة الى حد بعيد ويبتعدون عن السلاح والعنف …

ويؤكد رجل السلام كما يسميه البعض من الاهالي هناك على اهمية علاقته الطيبة بكل مشايخ المنطقة من الطرفين والتشاور معهم بأستمرار في العديد من القضايا التي تسهم في اطفاء نار الطائفية والبغضاء بين ابناء الوطن الواحد .

ويشير الخوري جريج الى ان المدرسة تحتفل بالمناسبات الدينية للطرفين واعياد جميع مكونات المنطقة مسيحيين ومسلمين وتقوم برحلات ترفيهية للطلاب ونشاطات رياضية واجتماعية تزرع فيهم الطمأنينة والسلام الداخلي قدر الامكان … ويسعى  إلى دعم المدرسة، بطرق عدة، خاصة في هذه الأوضاع الاقتصاديةالصعبة، كي تستمر بصمودها كي لا يبقى التلاميذ بلا مدرسة او تعليم ، وكي لا تتلقفهم ساحات الحرب او الخلافات وتحولهم الى ضحايا احياء او امواتا …