بقلم/ وديع شامخ / رئيس تحرير مجلة النجوم

بين الحياة والقلق  وشائج عميقة ومشتركات عملية.  الحياة مساحة زمنية يفترشها الكائن البشري وفقاً  لمجموعة من القوانين والمباديء والخيارات ، مع قائمة  أخرى من الوصايا والممنوعات والمحرمات .

ونتيجة لوجود هذه العوامل المتضادة في حياة الإنسان  ينشأ القلق .

القلق كما تعرفه المصادرالعلمية  هو « حالة نفسية وفسيولوجية تتركب من تضافر عناصر إدراكية وجسدية وسلوكية. لخلق شعور غير سار يرتبط عادة بعدم الارتياح  أو التردد. غالباً ما يكون القلق مصحوباً بسلوكيات تعكس حالة من التوتر وعدم الارتياح مثل الحركة بخطوات ثابتة ذهاباً وإياباً، أو أعراض جسدية، أو الاجترار . القلق هو الشعور غير السار المصحوب بالخوف والجزع من أحداث متوقعة، مثل  الموت، حيث يشعر الشخص بالهلع عندما يفكر في موته، والقلق هو حالة مزاجية عامة تحدث من دون التعرف على آثار تحفيزها»

فالقلق  هنا ليس حالة خوف سلبي  لأن الخوف «  يختلف  عن القلق ، الذي يحدث في وجود تهديد ملحوظ. وبالإضافة إلى ذلك، يتصل الخوف بسلوكيات محددة من الهرب والتجنب، في حين أن القلق هو نتيجة لتهديدات لا يمكن السيطرة عليها أو لا يمكن تجنبها.»

…………………….

القلق أنواع  كما هي الحياة متنوعة وثرية وصاخبة بالإختلاف ، وهو رد فعل منطقي وواقعي كي يتوازن الإنسان في أسئلتة الواخزة لجوهر الحياة معنىّ ومبنى .

وهناك أيضا يقين سلبي يحاول أن يمثل دور الإنسان المستكين ، المتلقي للحياة بكل متغيراتها  بنمط  سلوكي واحد ، وهو  القبول بإطلاقية تامة.

ولاشك أن هذا اليقين  قيمة راجحة في الحياة وهي تمور بمتناقضاتها  مع القلق كحالة مزاجية ونفسية موجهة الى المستقبل  وليس الى الحاضر فقط، وهنا يسقط رهان  اليقين في معادلة الحياة والقلق .

…………………….

لابد للحياة  الحبلى بالاسئلة  أن تلد قلقاً موازياً ، أن تخلق صنّاعاً لها من طراز المبدعين القلقين وهم يشيرون بسبابات  رفضهم الى حاضر رخو ومستقبل غامض .

الحياة عربة يجرها  المتنفذون بقوة حصانية عاتية ، يرادفها جيوش من القابضين على مصائر البشرية .

هذه  الحياة حصان أسود  جامح  لا يمكن لجمه  بواسطة القبول أو الرفض ، لأن القلق سيوفر حاضنة مهمة لطرح الأسئلة  إزاء الحاضر والمستقبل معاً ، وبهذا يوفر القلق مظلة  للتعامل مع الحياة  والتفريق بين الأخطار المستقبلية  مقارنة  بنتائح الحاضر .

…………………….

ومثلما هناك حياة متناقضة وشحيحة وفقا لمنظور الكائن البشري  وقدرته على التعاطي بين الوصايا المفروضة والقانون المشترك للتعايش مع الآخر والحرية في صنع حياة متكاملة ، لا كفة هابطة وأخرى راجحة في ميزان الحياة الإنسانية ، وبحسب – جان جاك روسو-  العقد  الإجتماعي  ومنطق العدالة .

الحياة بكل شروطها أمام الإنسان بكل قلقه المشروع، تشكل قاعدة رصينة لمنح السؤال قيمته الوجودية  والقانونية في صياغة شكل الحاضر ورسم آفاق مفتوحة لمستقبل غير  مقنن ، وبالتالي وجود الكائن غير المدجن سلفاً .

…………………….

القلق لا يعني  الحالة المرضية الناتجة عن تعاطي المخدرات أو الأمراض النفسية والنكوصية  أو غسيل الدماغ الايديولوجي ،كما انه  ليس سلاحأ ضد الحياة .

أنه الوجه الآخر  للحياة  المبصرة ، الفاعلة ، السائرة الى أهدافها بقوة القلق الإبداعي الخلّاق .

…………………….

في فترة ما شاعت اصدارات  من قبيل « دع القلق وابدأ الحياة « ، « كيف تتخلص من  القلق بعشر أيام « ووووو.

هذه الكتب  رغم توافر النيّة الحسنة  في إصداراها، لكن النوايا الطيبة غير كافية للإنغمار في حياة فاعلة ، لا تسمح للمتخاذلين والقنوعين  سلبياً أن يواصلوا مشوارهم مع الشراكة في التعايش في حاضر محتدم والاسئلة والشك بمستقبل يمثل حصيلة شراكة واقعية وليس إملاءات ووصايا  الحياة الفاسدة .

رغم وجود العامل الروحي  في تسكين النفوس عن حاضرها المرير ومستقبلها المجهول ،  وهو خيار فردي حرّ ، سوف يستخدم كمادة إفيونية  للمتاجرة من قبل  جهات مخصصة لوضع الحصان خلف العربة  والشروع في صياغة حياة كجثة صامتة تحت مشرط الوصايا .