دينا سليم حنحن
الليلة الرابعة
أصابتني حمى مفاجئة فأمضيت ليلتي الرابعة في السرير، أهلكني الضجيج الذي طن داخل أذنيّ وارتادت الحمى جسدي فنخرت دواخلي المنهكة فأحسست بالوهن، كل هذا جراء لدغات البعوض الذي يعيش في الغابات الماطرة، هو يتطاير في كل مكان لكنه عندما شاهدني وأنا أدخل الغابة حدث ما لم يكن في الحسبان، أحاطني بفظاظة وحلّق حولي ولم أفهم السر؟ كيف أصبح البعوض مشدودا إلى جسدٍ غريب آتٍ من الشرق، جسدي أنا!
أصيب الجلد بدوائر حمراء وبدا الأمر خطيرا، مشكّلا التهابا جلديا وإحساسا لا يمكن لجمه، الحك والحك ثم الحك، لا ينام جسدي حتى أحكه حتى أعرفه وكأنني غبت عنه، هو ذات الجسد الذي دعكه الزمان.
وتورمت أناملي، أنها تحمل سلاح الثواني في لغز الكلمات، تلك الأصابع العطشى للكلام، تريد أن تكتب وتقص وتحكي عن كل الذي كان وفات، الأصابع لها مساحتها وإلا لما تركت البصمات عليها.
لاحظت بالفعل أن الجميع هنا يعاني من تشوه واحمرار في الجلد من جراء القرص، نساء ورجالا، حالات تبدو عادية جدا، لقد بدأت أفهم الأسباب… البيئة وأحوال الطقس!
فاتني الوقت وأنا أتقلب وحيدة داخل السرير، أخاف الوحدة وها هو زمن الوحدة يعاودني مجددا كما عادتني جميع أشكال البعوض الأسترالي ومنذ وصولي.
متى سينقضي الليل الطويل وتتفتح اللحظات الحلوة في رماد الوقت؟ الوقت الضائع، ومتى ستتجلى لحظة النهار المضيء فأكتب حيث أنسى الحك المستشري بي، يا لليّل الطويل، يا للغرابة، جميع عوارض المرض تظهر ليلا!
سأنتظر بزوغ الفجر إذن، وحتى يحين موعده سأنغمس بتذكر أشياء جميلة، ووقعت ذكرى (المعري) في نفسي عندما قال:
– ( للعظيم قلبان، قلب يتألم وقلب يتأمل)!
انطلقت به، أي اصبعي، والى المزيد، مصغية إلى الوجود، لم أجد نفسي فيه، كنت تائهة في (بايرون بي)، يخيفني المكان، لكنني رغم كل هذا الشعور دوّنت بلا حدود، ضجيج قلبي وصرير القلم يتفقان هنا، ورغم قلبي المفصوم والصداع الذي يكسر رأسي وجعا استمررت في التدوين، أتوقف هنيهة رغما عني لكنني اصررت على الاستمرار.
أحيانا يكون الضجيج نوعا من الصمت والصمت نوعا من الضجيج. راهنت على دواخلي الجبانة، فمنطقة الخوف صعب تجنبها لأنها تنتشر كالحمى المالطية فتدنو من عقلي، هذا العقل الصاحي دائما، لكنني لن أستسلم، أعدت ترميم أفكاري ومخططاتي للوصول إلى الهدف المنشود، كتبت بسلاسة وروّضت الوقت والزمان اللذان غادراني بطيئا، وتجنبت التفكير في بداية حياتي الجديدة في مكان المستحيل، واعتبرت هذا المكان مستحيلا، بل هي رحلة خرافية نهايتها ما تزال مجهولة… لكنني استمررت بالحك ولم أسترح حتى دمّي جلدي.
يتبع3