وجيه رافع/ عميد متقاعد

لم يعلم اللبنانيون وربما لا يريدون ان يعلموا، ان مجموعة زعماء لا تبني أوطاناً،يقوى الوطن ويتقدم بتفاهمهم ويتراجع او يتمزق باختلافاتهم،فالزعيم عادةً يخلط كثيراً بين مصالحه الشخصية ومصالح الجماعة التي يمثلها،يراكم الحنكة والخبرة في بيع الأوهام،وإيهام الجماعة التابعة له انه يمثلها خير تمثيل، وهو عنوان رفعتها وعزتها وكرامتها وحقوقها،لم يعلموا ان القوانين وحدها يجب ان تسود،وأنها هي وحدها من يجب ان يكون الزعيم.

لكن مع الأسف،ففي ظل الواقع السياسي القائم في البلاد،أضحت القوانين تائهة بين شرعية تفرض نفسها بقوة الدستور،ومشروعية قلقة خائفة ومترددة تفرض نفسها أيضاً بقوة الطوائف والتاريخ.

اضحى الوطن مع زعماءه مشلّعاً الى أربعة مقاطعات،درزية وسنية وشيعية ومسيحية،وأضحى الوطن مع هذه المقاطعات عجوزاً كئيباً ممزقاً في خريف عمره والسنون،اتفاق النجدة التي حيكت احرفه في الطائف بسرعة كبيرة،تراه يتراقص ويضيع تحت ضربات الطوائف وزعماءها من هنا وهناك بسرعة اكبر،ولا من يسأل ولا من يستجيب،وحده الوطن والمواطن يدفع الثمن غالياً لهذا التشتت والضياع.

الثمن هذه المرة كالمرات السابقة،كان كبيراً جداً،دماء بريئة ذكية سقطت يوم الأحد الدامي في الجبل،لم تكن القصة مجرد زيارة ورمانة،بل زيارات وتوترات وانفعالات أضحت قلوبها مليانة،امتلأت وفاضت بنعيم الزعامة والمصالح التي أنعمها زعماء وطننا الحبيب على شعبه المسكين.

ذهب اللبنانيون عميقاً في تقسيم مواطنيتهم الى مكوّنات طائفية حتى غرقوا فيها جميعاً الى أسفل المواقع في الجهاز الرسمي للدولة،مكوّنات تابعة لزعامات كل زعيم يحسب نفسه دولة، كلٌ يقدم نفسه الوطني المحب ،يحاضر في حب الوطن وضرورة التضحية في سبيله،وبالكاد تمر اللحظات حتى تراه يسقط باتهامات من هنا وهناك،فالجميع يتهم الجميع ولا احد منهم يثق بأحد،جعلوا من المؤسسات نكتة،ومن حب الوطن مزحة،ترى زعماء الطوائف من كواكب مختلفة،هم مستعدون لإشعال التوترات ولو بفعل تويتر صغير،تكاد جملة بسيطة من ثلاثة او أربعة كلمات يطلقها زعيم،كافية لإغراق البلاد في بحر من الفوضى والدماء والصخيب.

اليوم تعطلت آلة السلطة التنفيذية،وتوقفت الاجتماعات ،لم يعد الاقتصاد المترنح والواقع المالي للدولة ذو أهمية تذكر،وتكاد لا تنتهي أزمة حتى تدخل البلاد في شقيقتها،وأيضاً لا من يسأل ولا من يستجيب.

قالوا انهم كتبوا لنا ميثاقاً للتعايش،فأضحينا بحاجة الى ميثاق لعدم الموت على ارصفة زعاماتهم او على طرقات مصالحهم، ونسأل بكل ألم وأنين،من هي الدماء التي ستراق قريباً وعلى اي رصيف ومع اي زعيم،ومن سيكون ابطال القصة الحمراء الجديدة، ومن هي العائلة  التي ستراكم دموعها وآلامها في القريب.

لذلك على الجميع العودة الى المؤسسات لأنها وحدها تصون الحقوق وتحمي الجميع،فلا يجوز ان يقوم الجيش برسم حدود الوطن وحراسته وبذل الدماء في سبيله،بينما تقوم الطائفية برسم حدود الطوائف وحراستها وتقديم الدماء في سبيلها أيضاً .