وديع شامخ
رئيس تحرير مجلة ‘النجوم’
بلا شطارة لغوية أو مفخخات إسلوبية ، نستطيع تعريف العام والخاص ونعرف الفرق بينهما ، دون الحاجة الى تفلسف وتكلّف .
الخاص يعني شخصي وسري واختياري ، والعام يعني قابل للتداول الجمعي، علني ، طوعي ومتاح للجميع .
ولكل منّا كمنتجين للسلع الثقافية بمفهومها العام طريقة في التعامل مع خاصه وعامه ، ولنا درجات ومراتب لتصنيف المتلقين بعامة والأصدقاء واحقيتهم في وجودهم الحواري ضمن هذين المستويين .
….
حقول الميديا تنوعت وصارت من السرعة والدقة والأمكانات التقنية ما يفوق تصورنا عن اختصار العلاقات الإنسانية وسرعة الوصول الى المعلومة والتحقق منها ، كما أصبح الإتصال بين أبناء كوكبنا الأرضي أسهل من الذهاب الى المطبخ لعمل قهوة أو شاي .
لكل إنجاز مدني وحضاري وجهان يُرى بهما من قبل الآخر المستفيد ، المستعمل ، المتفرج.
وكلما أمعنا في المغالاة والتعصب من جهة والإنفتاح الشامل من جهة أخرى ،ستصاب المعادلة بسرطان الأحادية ويغيب منطق الأحتفاء باللحظة الجمالية والآخر الشريك.
….
الخاص والعام تصوران نسبيان في فضاء الميديا وسطوتها على مفاصل مستخدميها ، فلا خاص وعام أمام صاحب الفسيبوك مارك وفريق عمله ، وكذا تويتر والانستغرام ، الكل تحت رحمة وبركة التقنيات التواصلية الحديثة .
هنا لابد من الإنتباه لنقطة جوهرية تخص خطاب المبدع أولا والمستخدم لهذه الشبكة العميقة التواصلية الاجتماعية ، عليهم أن يحددوا ماهية رسالتهم التي يودون بثها للآخر ،والتعامل المرن مع الرؤية الكلية لحقل الميديا الاجتماعية بوصفها حفلة فرجة عامة .
….
الدخول في أي حقل يحتاج الى مهارات وخبرات ونوايا ، كما يحتاج الى خطط قصيرة الأجل وأخرى طويلة ، كي يكون الحقل خصباً منتجاً وليس فضاءً افتراضيا لنمو جبال من الوهم والشك معاً.
فلو أخذنا الفيس بوك نموذجا في حقل المسموح به من الصداقات ، لوجدنا أنهم كرماء بمنحنا حق التعامل مع 5000 آلاف صديق !
هذا الرقم بحد ذاته مشكوك به واقعيا ، لأن الصداقة لها مواصفات لاتنطبق على مجموعة من الناس لا تتعدى أصابع اليدين على الأرجح ، فكيف بهذه الآلاف من الذوات المتباينة الافكار المتداخلة النوايا ، المتعارضة ، الحاملة لأمراض لا حد لها ، الم ُقنّعة ، المُتخفية ، اللعوبة ، الجاهلة ، المتدربة على شحذ الفتنة ، المتعايشة للمحبة … هكذا أنواع تغص بها لعبة الفضاء الأفتراضي ضمن الحفلة التنكرية .
كيف يكون تواصلك مع هذا العدد الكبير إلا إذا كان المقصود هو التَفاخر في بلوغ الحد الأقصى للصداقات .
….
عندما اخترعوا «برج المراقبة» كأحد أبجديات التلصص على الآخر ، بدءاً من ثقف « جحيم باربوس « الى هذا الثراء الفضائي ، تلاشى الى حد ما معنى الخاص والعام ، وصرنا عريانين أمام تلكسوب كوني ، يعيد إنتاج حاجته وفقا لوفرة عالية من الطلب على عرض الحوائج واللواعج .
لقد ارتبط هذا الفضح بوجود كبت وقهر سياسي ، مجتمعي بكل تجلياته ، لذا صارت الإستجابة محمومة أولا ، وغير محمودة العواقب لدخول مغامرين في حقل الحوارية العامة وأنصاف مواهب ، وأرباع المستخدمين .
….
كانت تقنية التواصل الحواري عبر « البالتوك، غرف الدردشة « قد حققت لبعض بياعي الكلام واصحاب الدكاكين السياسية منجزها، سيما وأن الحوار عبر غرف البلتوك يمر من فوهة الرقيب « الأدمن « فهو دكتاتور للقمع اكثر منه مدير للحوارية .
ومع مساحة الحرية عبر الفيسبوك وتويتر والانستغرام وتقنيات التواصل عبر الهاتف الناقل في الواستاب والفايبر ، اصبح العام يزحف على مساحة الخاص تقنيا وأمنياً.
….
لم يعد الخاص مخصوصاَ ولا العام لغة العوام ، لقد تعّقد الأمر وألتبس حتى بات التفريق بين الخيط الأسود والأبيض مزاجا رمادياً.
لابد أن نعي اننا لسنا ملائكة ولا شياطين .
لا عام ولاخاص ، هناك هفوات كبيرة وانفاق متعددة ، لابد من التعامل مع الحياة بوصفها قيمة جمعية نصنعها جميعا بلا وصايا .
الخاص هو خاص لنا وحدنا ، والعام هو المشترك الجمعي مع غيرنا..
….