بقلم هاني الترك OAM
ان الفلسفة هي احدى تخصصاتي الاكاديمية.. فرغم انشغالي في الحياة اليومية فإني احنّ اليها.. وخصوصاً بعد تقدّم العلوم والتكنولوجيا .. اذ تغيرت معتقداتي الفلسفية ولم اعد اعتقد بالفلسفة المادية المنطقية.. بالوجود الظاهري المحسوس والمنظور والمدرك كما كنت اعتقد في الماضي البعيد.. ولكني اصبحت اعتقد بالميتافيزيقا (ما وراء الطبيعة) القائمة على العلوم اي فلسفة العلوم.
احدى القضايا التي تشغل بال العلماء حالياً هي لغز الوعي البشري .. فهو اكثر الألغاز غموضاً بالوجود .. ويسمونه الفلاسفة بالعقل (mind) .. وفي الديانات بالروح (spirit) .. والاتفاق الحالي بين العلماء والمفكرين الآن هو الوعي (consciousness).
والطبيعة الانسانية مؤلفة من وحدتين متصلتين مع بعضهما البعض في علاقة عضوية روحانية اي الوعي والجسم.. والجسم يحتوي على المخ الذي يسيطر على جميع اجزاء الجسم.. ورغم صغر حجم المخ اذ يبلغ وزنه كيلوغرام ونصف وهو مركز الجهاز العصبي .. الا ان العلماء كل في مجال اختصاصه يختلفون بتفسير الوعي ولا يعرفون ماهيته لأن وظيفته مبهمة روحية وليست عضوية .. ولم تثبت اي نظرية انها صحيحة حتى الآن.. اذ ان الاتصال بين الوعي والمخ يعتبر حتى الآن لغزاً كبيراً.
ففي احدى التجارب التي قام بها العالم ستراسمان احقن 60 شخصاً بعنصر كيميائي يسمى DMT .. وخلال ثوانٍ قال جميعهم انهم التقوا بكائنات عاقلة غريبة وعوالم تختلف عن عالمنا الارضي .. مع ان الرؤى ليست مثل تعاطي المخدرات اي LCD .. ولكن جميعهم اكدوا انهم لم يتخيلوا او يسرحوا بخيالهم كالهلوسة .. وانما مروا بتجربة الواقع الحقيقي الذي يختلف عن واقعنا واكثر واقعية من عالمنا على الكرة الارضية.
ويعتقد العالم ان العنصر الكيميائي DMT يحوّل المخ لادراك واقع جديد في الكون الفسيح.. ومثل تجربة الذين مروا بحافة الموت كمرورهم في نفق ومقابلتهم النور غير الطبيعي .. وهو يؤكد ان تلك العوالم هي اماكن حقيقية اذ ان مادة DMT الكيميائية هو جُزيء يسمح للروح السباحة في عوالم اخرى .. ويوجد في المخ البشري مادة معينة من خلالها ندرك عالمنا كما هو .. ولكن اضافة DMT في مجرى الدم وبالتالي المخ يمكن التحوّل فجأة الى العوالم الاخرى .. ويقول انه يجب اجراء الابحاث المتقدمة من اجل التحقيق في هذه الظاهرة مع انه قرّر عدم المضي قدماً بالابحاث بسبب خطورتها.
كما يقول اعظم فلاسفة العصر الحديث ايمانويل كانط انه توصل في نظريته الفلسفية الى تشابه نتائج اكتشاف العالم ستراسمان.. فقد طرح كانط فلسفة قائمة على الفكر النظري المنطقي وهو ينتمي الى الفلسفة المثالية حيث شرحها في كتابين كبيرين هما «نقد العقل الخالص» و«نقد العقل العملي» عرض فيهما بطريقة متماسكة في المعرفة والاخلاق وعلم الجمال وتوصل الى ان الاشياء في ذاتها غير متاحة من حيث المبدأ للمعرفة الانسانية اي ان لامعرفة ممكنة فقط بالظواهر.. اي ان الطريقة التي تنكشف بها الاشياء في خبرتنا انه يوجد في عقل الانسان اشكال قبلية (اولية) للتأمل الحسي.. والمعرفة بالاشياء في حد ذاتها غير ممكن.. لأن تصوّر الزمان والمكان موجود في عقل الانسان بصورة قبلية مسبقة ومعرفتنا محدودة بها.. فالعقل في طبيعته يدرك الظاهريات فحسب والله موجود بصورة مطلقة تتعدى ادراك الزمان والمكان وان الله هو الكمال.
ويقول العالم هامفري ان الوعي ما زال مغلقاً على البشرية فبعد وفاة المخ يختفي الوعي لدى الانسان .. ولا نعرف ما هو طبيعة الوعي البشري ولا حتى اي عالم يعرف.
فمن خلال دراسة اجهزة الجسم وخصوصاً الجهاز العصبي الذي مركز المخ يمكن التعرّف على حقائق اكثر عن هذا الكون.. فالحقيقة هي داخل الانسان لا خارجه.. وسوف يظل خلق الانسان وتطويره اي عمل المخ ولغز الوعي اي (العقل او الروح) سراً مغلقاً على البشرية.. وعن طريقه يتم تقمّص الارواح.. فهو سر من الاسرار الالهية.. ولن تتمكن اي نظرية علمية الكشف عن طبيعة الوعي (العقل او الروح) لأنه مرتبط بلغز الحياة والموت والحياة بعد الموت. فهذه امور خارج تفكير البشر والبحث العلمي وفي الكشف عنها يكون اماطة اللثام عن سر الحياة لأن الوعي في الحياة الارضية محدود بعنصري الزمان والمكان.. وإلا عرف الانسان الخلود في الحياة الارضية وهذا لن يسمح به الله لأن الخلود يقتصر على الحياة الابدية بعد الوت والذي يسمى الآن الحياة بعد الحياة وليس الحياة بعد الموت كما كان متعارفاً عليه.. لأن في كشف السر تكون نهاية العالم.. وقتها ستكون قدرة الانسان قد وصلت الى القدرة الالهية في معرفة سر الوجود والخلق.