بقلم بيار سمعان

عقد وزير الشؤون الداخلية، بيتر داتون، مؤتمراً صحافياً ليعلّق على الحدث الارهابي الذي وقع نهار الجمعة الماضي واودى بحياة شخصين وجرح آخر وتفجير سيارة مشتعلة وضع في داخلها قارورة غاز، لكي يتسبّب انفجارها بوقوع المزيد من الضحايا.

وامتدح داتون مركز المخابرات  الاسترالية (آزيو) وفرق مكافحة الارهاب والمؤسسات الامنية التي تسهر على امن المواطنين وسلامة المجتمع.

واكد داتون ان منفذ العملية، حسن خليفة علي (30 عاماً) هو صومالي الاصل، كان واحداً من مجموعة 400 شخص آخرين هم الآن تحت المراقبة، اذ تعتبر اتصالاتهم الخارجية وتحركاتهم الداخلية تثير الشبهات. وقد يشكلون في لحظة ما خطراً امنياً على الناس والممتلكات.

وشرح داتون صعوبة ملاحقة الافراد، خاصة من لا تظهر لديهم اية دلائل تؤكد انتماءهم الى تنظيمات اصولية، واحتمال قيامهم بأعمال ارهابية. لكنه اعلن ان المؤسسات الاستخباراتية والأمنية تمكنت من افشال اربعين محاولة للقيام بأعمال ارهابية، غير ان سبعة احداث ارهابية وقعت حتى الآن في استراليا وتسببت بوقوع ضحايا. وطالب بمؤازرة المجتمع للاجهزة الامنية.

< شارع بورك وملبورن المضطربة

بعد تكرار الحوادث فيه، اصبح شارع بورك في ملبورن مرتبطاً بعدة احداث دامية. كان آخرها قيام الصومالي حسن خليفة شعير علي بعمله الارهابي امام عامة الناس وكاميراتهم، وحتى مؤازرة بعضهم لأعضاء الشرطة الذين طاردوا الجاني على مرأى من المتسوقين  وامام مئات الكاميرات التي التقطت المشاهد من زوايا وجوانب مختلفة.

وجاءت هذه الحادثة بعد اشهر من الاضطرابات والتعديات في شوارع واحياء ملبورن، قام بها مجموعة من الشباب الصوماليين، اطلق عليهم تسمية «العصابات الافارقة». وذهب البعض ابعد من ذلك باضافة صفة «المسلمين» عليهم.

الخلاف على التسمية اتخذ طابعاً سياسياً ابعد من التسمية وتوصيف المجموعات  المشاغبة التي زرعت حالة من الفوضى الامنية والرعب في احياء ملبورن. فتكررت التعديات والسرقات والاعتداءات واعمال التحرّش ونهب المحلات التجارية واقتحام المنازل وسرقة السيارات بالقوة، واستخدامها في المزيد من الاعمال غير القانونية وارتكاب المزيد من الجرائم.

وجاءت الحادثة الأخيرة لتتوّج سلسلة المشاغبات والاعمال المخلّة بالأمن.

< ردود فعل متناقضة

اثارت هذه الظاهرة سلسلة من ردود الفعل المتناقضة على المستويين الشعبي والسياسي.

امتلأت شبكات التواصل الاجتماعي بتعليقات المواطنين وردود فعلهم السلبية. فالناس بشكل عام يفضلون الأمن والاستقرار وسلامة عائلاتهم واحيائهم ومجتمعهم بشكل عام.

ومع استمرار اعمال الشغب، اتسعت الهوّة بين عامة المواطنين والجاليات الافريقية. فأصبح المواطنون ينظرون الى كل مواطن حادق البشرة انه «مشاغب وارهابي ومغتصب…» وتسببت ردود الفعل هذه والافكار المسبقة بادانة اناس ابرياء لا علاقة لهم بالمشاغبات ولا «بمدرسة المشاغبين».

وظهرت مجموعات مسيّسة بدأت توجه الاتهامات المباشرة الى حكومة فيكتوريا العمالية بقيادة دانيال اندروز، والى التقصير «الفاضح» من قبل شرطة الولاية بضمان سلامة المواطنين من خلال مواجهة موجات العنف الاجتماعي المتنامي في احياء ملبورن.

رافق هذه الظاهرة تبادل الاتهامات بين الحكومة العمالية والمعارضة في الولاية.

رئيس الحكومة يرى في اعمال الشغب انها ناتجة عن «الصدمة الثقافية» التي يعيشها البعض وان مظاهر العنف في ملبورن هو امر طبيعي يرافق النمو الاجتماعي وتنتجه المجتمعات المعاصرة المتطورة، ولا علاقة بالدين والاسلام بها. فالمشاغبون الافارقة هم، حسب رأي اندروز، نتاج المجتمع الاسترالي ومحصلة طبيعية للصدمة الثقافية التي يعانون منها.

ويرى معلقون ان موقف رئيس حكومة فيكتوريا هو موقف كلاسيكي يساري، يسعى الى استمالة المسلمين وكسب تأييدهم له، خلال الانتخابات في الولاية. وهذا هو موقف حزب العمال بشكل عام.

واعتبر البعض ان رئيس حكومة فيكتوريا يفضل الفوز في الانتخابات عوض توفير الأمن والاستقرار في الولاية وحماية وضمان سلامة المواطنين، وهذه هي اولوية الحكومة دون منازع.

هذا الموقف «الرسمي» اثار موجة من الانتقادات، ليس فقط من المعارضة في الولاية، بل من وسائل الاعلام  كـ سكاي نيوز، الاستراليان، دايلي تلغراف، ومن وزير الشؤون الداخلية الذي اعتبر ان حكومة فيكتوريا تقصر بالقيام في واجباتها. كما اتهم بيتر داتون الجسم القضائي الذي يخفّف الاحكام لمنع وزارته من ترحيل المجرمين والمخالفين للقوانين.

< سكوت موريسون وآن علي

وعلى اثر وقوع حادثة بورك الارهابية، شنّ رئيس الوزراء سكوت موريسون انتقاداً عنيفاً على «التطرّف الاسلامي» والايديولوجيات المتطرفة لدى البعض والتي ترفض العيش مع الآخرين بسلام وتناغم واحترام وحرية واحترام آراء ومشاعر الآخرين . ودعا الجميع ان يكونوا ويتصرفوا كمواطنين استراليين.

ورفض موريسون منح المتطرفين والارهابيين اية مبررات نفسية او ثقافية والصاق صفة «الامراض العقلية» بهم. فمن ارتكب جريمة القتل المباشر في شارع بورك جرى اعداده عقائدياً في استراليا ليقوم بهذا العمل الارهابي.

ودعا موريسون القادة المسلمين لتحمّل مسؤولياتهم وعدم توفير الحضانة للمتطرفين. عليهم معرفة العناصر الغريبة التي تلوذ الى تجمعاتهم ومراكز الصلاة لديهم. وعلى الاهالي ان يتتبعوا التبدلات في سلوك ابنائهم. كما عليهم معرفة الاشخاص الذين يبثون في عقولهم افكار التطرّف والكراهية للآخرين. ورفض موريسون اعتبار ملاحظاته انها عنصرية ومتحيّزة.

بالواقع النائب العمالي آن على وصفت تعليقات رئيس الوزراء بالعنصرية وقلة الدراية. ادعت ان كثر لا يميزون بين الارهاب والسلوك الاجتماعي المتطرّف الناتج عن البيئة الاجتماعية. واعتبرت تعليقات موريسون انها تسيء الى الوحدة الاجتماعية وتزيد المجتمع انقساماً، بعد ان وصف «الارهاب الاسلامي انه يشكّل تهديداً للمجتمع الاسترالي».

واعتبرت علي انه لا يوجد اي مجتمع يخلو من الاعمال الارهابية اليوم. واتهمت موريسون انه يستغل الحادث لاسباب سياسية انتخابية، حتى ولو ادت تعليقاته الى زيادة الشرخ داخل المجتمع الاسترالي.

غير ان رئيس قسم مكافحة الارهاب في آزيو إيان مكارتني اقّر ان ما جرى في شارع بورك شكّل صدمة للوكالة والمجتمع الاسترالي بأسره حول وجود مشكلة حقيقية داخل المجتمع الاسترالي، وهي ظاهرة الارهاب واحتمال وقوع احداث بسبب الخلايا النائمة والاشخاص الذين وضعوا تحت المراقبة الأمنية.

< تضارب المواقف

من البديهي القول بوجود تضارب فاضح في آراء ومواقف الاحزاب الكبرى في استراليا. وفي حين يرى حزبا العمال والخضر عدم وجود ارتباط ثابت بين الفكر الديني الاسلامي والارهاب. تؤكد الاحزاب والقيادات المحافظة ان الارهاب الاسلامي بمعظمه مرتبط بالعقائد والتفسيرات القرآنية المتطرفة . وان العمل بموجب بعض الآيات بحرفيتها يحوّل الانسان المعتدل الى عنصر ارهابي والى نبذ الآخرين.فأين تكمن الحقيقة؟

< المسلم الملحد

الكاتب والطبيب الباكستاني علي رزقي المقيم في كندا بعد ان عمل طوال عشر سنوات في السعودية، وضع كتاباً بعنوان «المسلم الملحد» يعالج فيه نظرة اليمين واليسار الى الارهاب الاسلامي.

ويرى رزقي ان الجدل القادم حول الاسلام والمسلمين والارهاب بين اليمين واليسار يخلط بين الاسلام الايديولوجي والاسلام الهوية. وفيما العقائد هي غيبية وتخلو من المشاعر الانسانية، فان المسلمين هم حقيقة حيّة، يعيشون ويتنفسون كسائر الناس. وهناك فرق بين انتقاد العقيدة وتشويه صورة البشر.

ويعتقد علي رزقي ان اليمين واليسار مخطئان. فاليسار يتهم من ينتقد سلوك بعض المسلمين انهم عنصريون ويميزون بين الناس دينياً وهم منحاذون ضد المسلمين. وبالنسبة للاحزاب اليمينية يوجد في النصوص الدينية الاسلامية الكثير من الاشكاليات لذا يميل هؤلاء الى تعميم مواقفهم العدائية ضد جميع المسلمين، ويطالب بعضهم بحظر الاسلام وعدم السماح بهجرة المسلمين على سبيل المثال.

فالاسلام بالنسبة لعلي رزقي هو عقيدة وليس ثقافة. فالثقافة تتبدل وتتطور ، لكن العقيدة يصعب تغييرها او مناقشتها. انها تؤثر بالمناخ الثقافي، لكنها تختلف عنه بالجوهر.

لذا يسعى الكاتب الى شرح الفروقات بين العقيدة الاسلامية والهوية الاسلامية، رغم وجود التفاعل بينهما. وهو يعتقد ان اليسار لديه ضعف عند النظر الى الأمور التي تتعلق بالاسلام. اما اليمين فله قصر نظر في الأمور التي تتعلق بالمسلمين. وغالباً ما يستفيد الطرفان من التناقضات في النظرة الى الاسلام والمسلمين لتحقيق مكاسب سياسية شعبوية، دون معالجة لب المشكلة.

ويستشهد علي رزقي بمقولة للمفكر المسلم مجيد نواذ ليقول ان الاسلام ليس دين حرب ولا هو دين سلام.. انه ديانة اخرى كأي ديانة على الارض، وان المسلمين كسائر الناس هم بمعظمهم شعوب مسالمة تكره العنف وتريد الحياة.

< المطلوب؟

المطلوب، بعد تكرار الحوادث الارهابية في استراليا والعالم، اجراء حوار مزدوج: حوار بين المسلمين انفسهم وحوار مع غير المسلمين من قادة ومسؤولين.

ليس المطلوب تبرئة المسلمين او الدفاع عن الاسلام، بل المطلوب التوصل الى قناعة ثابتة وخطة عمل تضمن عيش المسلمين وغير المسلمين معاً بأمان وسلام ووئام وقبول للآخر.

فلا احد يرغب ان تتكرّر احداث شارع بورك، ولا يرغب المسلمون ان يتحولوا الى ورقة متاجرة سياسية او هدفاً لاتهامات لا يستحقونها.

pierre@eltelegraph.com