عام 2015 نشرت مارين لوبان، زعيمة الحزب الفرنسي اليميني، صوراً على صفحة تويتر لعناصر من تنظيم دولة الاسلام (داعش) يقومون بقطع رؤوس اسرى لديهم.
وعلى الأثر قامت النيابة العامة بالتحقيق معها بتهمة «نشر صور عنيفة». وامرها القضاء بالخضوع لفحوصات لتقييم صحتها العقلية. وفي حال ادانتها قد ترغم على اعتزال السياسة ويحظر عليها الترشّح مجدداً بعد ان ترشحت لرئاسة الجمهورية في بلادها منذ عامين.
الاسبوع الماضي داهمت الشرط مقهىً في انكلترا يديره جون موراي، وهو مواطن ملتزم مسيحياً . طلبت اليه الشرطة عدم عرض آيات من الكتاب المقدس والانجيل على شاشة مثبتة داخل المفهى التابع لإحدى الكنائس المسيحية، لأن احدهم اعترض على ذلك مدعياً انه تضايق من مضمون الآيات التي وصفها المعترض «انها تسيء الى مشاعر الناس وتميز بينهم».
في المانيا ومعظم دول غرب اوروبا يجري ملاحقة من يعترضون على اعمال التخريب والاغتصاب التي يرتكبها بعض «الاجانب».
ويجرى ملاحقة من ينشرون صوراً وتعليقات «مسيئة» (؟) على وسائل التواصل الاجتماعي، كما طلبت الحكومات من وسائل الاعلام عدم نشر اخبار الاعتداءات والعنف التي يرتكبها اللاجئون.
في ملبورن تتفاقم موجة الاحتجاج الشعبي ضد اعمال الشغب التي يقوم بها «افارقة» ويعترض الناس على مواقف الحكومة والمؤسسات الامنية في فيكتوريا حيال هذا السلوك اللا اجتماعي الذي يرعب المواطنين ويعرضهم وممتلكاتهم لاعتداءات المتكررة يقوم بها مجموعة من الشباب الافارقة، كما نُشر في وسائل الاعلام، مما اثار انتقادات حتى من وزراء في الحكومة الفيدرالية.
بالمقابل اصدرت الحكومة في فيكتوريا قوانين تمنع المواطنين من التظاهر امام عيادات الاجهاض وتلزمهم الابتعاد مسافة 150 متراً عن هذه المراكز. وارتفعت اصوات تطالب بحظر التظاهر بالكامل امام هذه العيادات لأنها تتسبّب بالاحراج للنساء والاطباء، وتسبّب ازمات نفسية لهم. وجرى تغريم بعض المتظاهرين آلاف الدولارات.
وبعد فيكتوريا، شرعت حكومة كوينزلاند الاجهاض، رغم ان العديد من الاطباء اعربوا عن ندامتهم للقيام بمثل هذه العمليات واكدوا انها عمليات قتل متعمّد لأجنّة، هم كائنات انسانية بكل معنى الكلمة.
ماذا يحدث في العالم؟
لا يختلف اثنان ان العالم اليوم يعيش اوضاعاً مأساوية وخطرة، اذ يشهد تبدلات جذرية في الأولويات والمفاهيم والاعراف الاجتماعية. وكأن المجتمع الدولي يجري اعداده للدخول في نظام وتركيبة سياسية جديدة.
ومنذ سنة 1973 التي شهدت اجتياحاً تركيا لجزيرة قبرص، ادى الى تقسيمها الى قسمين، المنطقة الشمالية تركية مسلمة، والجنوبية يونانية مسيحية.
وباعتقادي ان تقسيم الجزيرة الصغيرة المسالمة كانت مؤشراً لبداية تقسيم العالم الى كتلتين متناحرتين على خلفية دينية بحتة.
وتلا ذلك اندلاع الحرب اللبنانية (1975) التي اتخذت طابعاً طائفياً في سنواتها الاولى. ثم كرّت المسبحة خاصة في الشرق الاوسط وشرق اوروبا.
فجرى تفتيش يوغسلافيا (1991) الى دول اثنية وطائفية بعد حرب طاحنة بين مكوناتها الاجتماعية، ونشأت، نتيجة لذلك 7 دول جديدة.
وفي اواخر 1991، انهار الاتحاد السوفياتي وانتهى حكم الشيوعية الماركسية، وعادت روسيا الى احضان الكنيسة والإيمان، وارتفع عدد الدول المشاركة في الاتحاد الاوروبي بعد انضمام دول شرق اوروبا اليه.
ثورات الربيع العربي
لا نحتاج الى بحث معمّق والكثير من التنقيب لاستخلاص نتائج الربيع العربي. فكل ما افرزته ثورات هذا الربيع هو الخراب والدمار الشامل، والقتل والذبح والتشريد والفوضى. دول كادت تزول من الوجود ، واخري نفذت انقلاباً ذاتياً على نظامها، حماية للارواح والممتلكات فبعد دمار العراق، خلال حربي الخليج تحوّل النزاع فيها الى حروب طائفية وعرقيه، ثم دمرت ليبيا واليمن وسوريا، وشارفت مصر على الانفجار داخلياً.
وارتفع في معظم دول الشرق الاوسط سقف المعاناة والألم، وضُرب الاقتصاد، وزرعت المنظمات الارهابية المتطرفة التي رسمت اهدافها البعيدة على خلفية اقامة «دولة الخلافة الاسلامية» وساهم مشايخ وأئمة بخلق ارضية دينية لهذه المنظمات، كما انفقت دول خليجية مليارات الدولارات تحت شعار مواجهة المد الشيعي، بينما جرى اقناع الشيعة، مع انشاء الجمهورية الاسلامية في ايران، انه حان الوقت لتصويب الامور الدينية الخلافية مع اهل السنة، خاصة بعد سقوط نظام صدام حسين وتمدّد الوجود الإيراني داخل سوريا ولبنان واليمن. ومنحت هذه الظاهرة بعداً إلهياً، بعد تعميم فكرة الاعداد لمجيء المهدي المنتظر…
موجة الثورات والحروب والاقتتال قضت بشكل شبه كامل على الاقليات في دول النزاع وتسببت بنزوح الملايين، وولدت ظاهرة النزوح الجماعي نحو دول اكثر أماناً واستقراراً. وبدأت موجات النزوح الجماعي نحو الغرب الاوروبي من الشرق الاوسط عبر تركيا، ومن شمال افريقيا باتجاه اوروبا.
ويستفيد أئمة ودعاة متطرفون من التحولات الديمغرافية داخل اوروبا ليدعوا الى تغيير الانظمة فيها، وفرض الشريعة الاسلامية كنظام بديل للأنظم السائدة في دول الغرب المسيحي(؟).
الاستفادة من الديمقراطية والفروقات الاجتماعية
بدأت ترتفع اصوات حول العالم، من قيادات اسلامية، تطالب بتطبيق الشريعة الاسلامية في الدول التي يتواجد فيها مسلمون. في بروكسيل ولندن ومرساي والمانيا والسويد واسبانيا وغيرها، يجري عملياً الالتزام بالشريعة الاسلامية والعمل بموجبها في العديد من المناطق التي تشهد كثافة سكانية مسلمة.
في استراليا، طالب المجلس الاسلامي الاعلى باعتماد الشريعة الاسلامية لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاخلاقية التي يواجهها المجتمع الاسترالي التعددي.
ويرى محللون اجتماعيون ان الغلبة ستكون في آخر المطاف لصالح المسلمين، ولاسباب عديدة، يمكن عرضها من خلال المقارنة التالية:
* بينما يجرى نشر وتعميم الفكر الالحادي في العالم الغربي المتطور، يحافظ المسلمون على ثوابتهم الإيمانية.
* الروح الفردية وفلسفة «الأنا» لدى الغربيين، يقابلها التماسك الاجتماعي وروح الجماعة.
* ابتعاد الغرب عن الثقافة المسيحية التي طبعت الحضارة الغربية لقرون طويلة وساهمت بازدهارها يقابلها التزام المسلمين بالثقافة الاسلامية المحافظة.
* تخلي المسيحيين عن ممارسة واجباتهم وشعائرهم المسيحية، يقابله التزام المسلمين حول العالم بالواجبات والركائز الاسلامية، من الصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها من المظاهر التي تحدّد هوية المسلم.
* الانفلات الخلقي وحركات التحرّر لدى المرأة في الغرب وتشريع زواج المثليين دفعت المسلم الى الانطواء اكثر داخل تجمعات مسلمة محافظة كوسيلة لحماية التقاليد، كما ساهمت في اقبال المرأة على الحجاب وارتداء الزي الاسلامي الذي تحوّل اليوم الى «موضة» سائدة حول العالم ، وشمل لباساً لكل المناسبات حتى للرياضة والسباحة.
* الحريات الجنسية لدى المرأة الغربية تسبّب بردود فعل عكسية لدى المسلمين. ففرضت معايير خاصة على سلوك المرأة ولباسها وكيفية اختلاطها مع الجنس الآخر.
* وفيما تشهد العائلة في المجتمعات الغربية حالة من التقلّص والاندثار، يتمسّك المسلمون على العكس بالعائلة، بمفهومها التقليدي السائد. وفي حين يبلغ النمو السكاني نسبة لا تزيد على 1،3 بالمئة، فان نسبة الولادات لدى العائلات المسلمة تقارب 6 بالمئة. اضف الى ذلك ارتفاع عدد الممهاجرين واللاجئين الى الغرب، مما دفع المحللين الاجتماعيين للتحذير من مخاطر النمو الديمغرافي اللافت لدى المجموعات التي ترفض التأقلم والاندماج داخل المجتمع الغربي بشكل عام.
وبينما نجح انصار الحكومة العالمية في نشر الفكر الالحادي في العالم الغربي، وجرى تعديل القوانين المدنية والاحكام العامة للحد من الحريات الدينية وملاحقة الكنائس بحجة عدم التمييز العنصر، يجري التساهل مع المسلمين بحجة التمييز العنصري ومكافحة مشاعر الخوف، ومنحهم فرصة اكبر للاندماج والتأقلم مع المجتمعات الغربية.
* مكامن الخطر؟؟
لم يعد خفياً ان التنظيمات الاسلامية الاصولية هي وليدة المخابرات الاميركية والاسرائيلية المتعاونةمع إيران و انظمة عربية جرى خلقها بحجة مواجهة التمدّد الشيعي في الدول العربية.
فالمخابرات وضعت الخطة واعدت العناصر، وقامت دول عربية خليجية بتمويلها.
ويبدو ان النجاح الذي حققته هذه التنظيمات الاصولية في الشرق الاوسط يجري استثماره في العالم الغربي على مستوى اوسع واخطر.
ويؤكد مسؤولون اسرائيليون في مواقع هامة انهم يستفيدون من «ابناء عمهم» احفاد اسماعيل لدمار العالم الغربي المسيحي.
وكان النورانيون قد خططوا منذ مطلع القرن الماضي ان تقع حرب عالمية ثالثة بين العالم الاسلامي والعالم الغربي المسيحي، بغية القضاء على الديانتين في آن واحد.
فاسرائيل التي تسعى الى اقامة «دولة اسرائيل الكبرى» او المملكة الداودية التي تمتد من الفرات الى النيل، تعمد منذ تقسيم جزيرة قبرص على تفتيت واضعاف العالم العربي، مستفيدة من جميع الخلافات والتناقضات التاريخية والدينية والعرقية والثقافية، وهي تعمل اليوم الى نقل النزاعات الدينية الى اوروبا، بالتعاون مع زعماء اوروبيين ينتمون الى مجموعة النورانيين.
كما ان اسرائيل التي ينتظر سكانها مجيء المسيح الذي سيحكم العالم، تعمل مع «الاجراء » لان تكون القدس عاصمة حكم العالم، وعاصمة دين العالم وعاصمة القرارات السياسية التي تتخذها لاحقاً الحكومة العالمية.
قد يفرح بعض المسلمين بالانجازت التي يحققونها على صعيد التوسع وامتداد نفوذهم في العالم. لكن كل الخوف ان يتحول المسلمون الى وسيلة وكبش محرقة ومجرّد قوة لنشر الارهاب. فكبت الحريات ونشر الالحاد، وتصوير المسلمين كخطر خارجي سيفجر الداخل الأوروبي هو مجرد وسيلة لخلق حالة من الاشمئزاز العام داخل المجتمعات الغربية ستدفع المكونات الاوروبية للجوء الى الحماية الذاتية في ظل التخاذل من قبل الحكومات في ضبط الفلتان الامني وحماية المواطنين بالعدل.
لذا بدأنا نسمع اصواتاً تدعو الى مواجهة المسلمين، فيما يطالب المسلمون بفرض الشريعة الاسلامية.
اننا على مشارف صدامات عنيفة ستقضي حتماً على القوتين المتعارضتين والمتناميتين لذا ادعو الجميع الى التخلي عن الاحلام الكبرى واتمنى على المسلمين ان يتأقلموا داخل المجتمعات التي يعيشون فيها، لأن العديد من قياداتهم الحالية، يعملون عن وعي او قلة وعي لمصلحة الكيان الصهيوني.
لنتذكّر المقولة الشهيرة: ان الطريق الى فلسطين تمر بجونيه وجبيل وعيون السيمان.
لقد سمح بتسليح المقاومة الفلسطينية للقضاء عليها في الاردن ولبنان. فهل سيجرى تسليح المسلمين في اوروبا للقضاء على الاسلام والمسيحية في حرب جديدة تتخذ طابع «النزاع الديني الحضاري»؟؟
ربما يتوجب علينا مراجعة كل الحسابات واعادة قراءة التاريخ؟!