دينا سليم حنحن – أستراليا
مشاهد نادرة ورائعة، بعين الكاتب الذي يعشق التفاصيل المملة، هي تلك المشاهد التي حصلت أمامي دون استئذان!
لي جارة اسمها فيونا، زوجها السابق جيمي، حدث وطرق بابي وتوسلني التدخل لإصلاح الشأن فيما بينهما، لكني رفضت بإقحام نفسي بمشاكلهما التي لا تنتهي.
طُـرد الزوج من البيت وعلمت أن جارتي اختارت رجلا آخر بعد يومين، ولأسرد لكم المشاهد التي حصلت أمامي:
أسرعت إلى النافذة وتوجب علي توخي الحذر لكي لا تضيع مني المَشاهد، فإن حصل وفتحتُ الباب وخرجت، ستظهر نيتي بالتلصص علانية ولن أرى (أبو برنيطة) وهو يلتقط عدة صور سيلفي وأخرى كثيرة لحديقة البيت، ظهر سعيدا بحاله جدا مغتبطا لا تسعه الدنيا، هو يتحرك وأنا أبحث عنه من مكاني ولا أدعه يغيب عن ناظريّ، (يا عيني عليه، ريتها ما تبلى هالضحكة، سأنتظر لأسمعه كيف سيتحول صوته بعد يومين) قلت في عقلي.
عندما رآها آتية وضع الموبايل في جيبه وركض نحوها مثل الحصان، قبّلها من ثغرها قبلة طويلة ونادها باسمها، أمسكَ بخصلة من خصال شعرها المنثور وقبّله ثم نطق باسمها مجددا، أمعقول أنه يحبها أو تكون لعبة بيديه؟ تساءلت.
زوجها السابق، ذاك الغبيّ الذي لم يقبّلها من فمها أبدا ونطق باسمها عندما مرّ بكفه مداعبا مؤخرتها الجميلة، سحب سيجارتين معا، واحدة لم تفارق فمه أبدا والأخرى مكثت داخل جيبه دائما، ترك شفتاه المحموتان على ظهر كفّيها لاسترضائها حتى تبقيه في البيت، ورفضت، مشهد لا ينسى!
طردته من البيت عندما ضبطته يمارس الجنس مع امرأة أخرى لا تساويها جمالا، أخرجتهما بمشاجرة تاريخية لا تنسى، ذهب بعدها ليبكي عند ضريح والدته ضاربا رأسه بالشاهدة نادما. أما العشيقة العارية فأخذت تبكي وتولول خائفة، حتى أشفقت عليها جارة أخرى والتي أنزلت على جسدها غطاء الطاولة الرّطب المعلق على حبل الغسيل لتسترها، خلصتها من يدي فيونا الثائرة وأخفتها في بيتها وسط همسات الجيران وثرثرتهم، حينها توعدت النسوة أزواجها بتعليقهن من رقابهم على أشجار المانغا المحيطة، إن فكروا أو عزموا على تكرار حادثة جيمي الخائن!
بكى الرجال أمام زوجاتهن وهم يطقطقون بقبلاتهم الزائفة على خدودهن شاتمين جيمي الخائن ويتقولون عليه ويلقبونه بالوعل فاقد الإحساس والكرامة.
وقع جيمي ضحية لُسُن أهل الحيّ حتى أصبح قدوة يحتذى بها، التصق كل زوج بزوجته، حتى لو كانت قبيحة أو بشعة الأخلاق، لقد خشي جميع الذكور من اقتراف ذنب ما، أو التعبير عن غضبهم بما أنهم سيواجهون بالطرد من سكن الزوجية!
لم يعلم (أبو برنيطة) أن مكوثة في بيت فيونا سيكون لمدة قصيرة جدا، أنزل حقيبته من السيارة وتفحص المكان جيدا، قالت له فيونا:
– هذا المكان والسّحر توأمان، لكن بعد أن تجزّ المعشب وتنزع الأعشاب الضارة من الأحواض، ثم لا تنسى ري أشجار الحمضيات بعد رشها بالمبيد الحشري، سوف تجده في المخزن.
سهل جدا البحث عن ذكر، فمواقع التواصل الاجتماعي مغمورة بمدمني الحب، هذه المرة اختارت فيونا (أبو برنيطة) ليكون عشيقها، وسابقا وقع اختيارها على مدير حسابات، فقام الأخير بإدارة حساباتها وتسجيل وثائقها في مصلحة الضرائب بالمجّان، إلى جانب جزّ المعشب، واختارت فيما سبق نجارا فأقام لها عريشة لشجرة العنب، وركب لسيارتها إطارات جديدة وبدّل لها الستائر ورتّب لها الرفوف داخل المخزن، وطبعا قام بجزّ المعشب أيضا.
ها أنا أسمع وشوشات وهمسات متلاحقة صعب فهمها، قلبي مشدود حتى يكتمل المشهد، أوصيه، لقلبي ألا يرتع وأن يبقى في مكانه، انتظرت الليلة بطولها وفيونا لم تفعل فعلتها بعد، اللهم بعض الصيحات الخفيفة التي بدأت تتعالى بين الحين والآخر، الحمد لله مرت الليلة الثانية بسلام، بقي ليلة أخرى أخيرة، هل ستكتمل دون حدوث أضرار يا ترى؟ سألت نفسي بفضول الكاتب الذي يبحث عن التفاصيل الدقيقة.
استيقظت صباحا على صوت (أبو برنيطة) وهو يتوسلها، يبكي ويولول بين ذراعيها ويعدها بأن يكون مثال الحبيب العاشق الوفيّ معترفا لها بحبه، لكن وفجأة بدأت أرى الأشياء تـُقذف من فتحة دارها إلى الشارع، أولها القبعة التي دخلت التاريخ من أضيق أبوابه، هكذا طوت صفحته وتخلصت منه ومن أشيائه سريعا كما فعلت بكل من صادقها قبله قائلة وبأعلى صوتها:
– عن أي حبّ تتحدثون أيها الخونة، جميعكم خائنون، لا تريني وجهك بعد اليوم!
أذكر، أجمل من اختارته، أحد رعاة الأبقار (الكاوبوي) وتلك السّهرة الرائعة التي أقامتها على شرفه.
بعد أن جزّ المعشب وهو يتصبب عرقا، طلبت منه أن يعزف معزوفات موسيقى الرّيف، وسهرت الحارة على معزوفات (ويلي نيلسون) لكن كل في مخدعه وحتى الصباح الباكر دون تذمر أو شكوى، لم يحتج أي أحد على الصخب الذي خلفته تلك السهرة.
لكن عندما حضر البستاني ليجزّ معشب حديقتي، جميعهم احتجوا على الصخب، فاستعجل في العمل بعد أن تقاضى مني مئة دولارا دون أن يقلّم شجرة العنب، بما أنني استدعيته في الإجازة الأسبوعية.
وظلت الحسرة تنخر عقلي وهي أن حديقة جارتي أجمل من حديقتي، ونحن الإثنتان نملك ذات التربة وذات النّوع من أشجار العريش ونعيش في ذات الحي، لكن فاتني أن الجميع يحاول التعاطي معها بلطف بما أنها تعاني من مشكلة نفسية عقيمة، حالة انفصام الشخصية.