بقلم بيار سمعان

مع الإطاحة برئيس الوزراء السابق يصبح سكوت موريسون رئيس الوزراء الثلاثين لاستراليا، وخامس رئيس وزراء خلال عشر سنوات. مما يجعل استراليا عاصمة الانقلابات السياسية في العالم الغربي، على حد تعبير بيل شورتن.

سكوت موريسون استبدل مالكولم تيرنبل في محاولة انقلابية مبررة قادها طوني آبوت وبيتر داتون، بعد ان انقلب تيرنبل على آبوت، واطاح آبوت بترنبل. وكان آبوت قد استبدل كيفن راد الذي انقلب على جوليا غيلارد.

ويأمل حزب العمال ان يحقق انتصاراً في انتخابات 2019 ويطيح بدوره بزعامة سكوت موريسون. هذه الحالة من عدم الاستقرار السياسي الناتج بالدرجة الاولى عن النزاعات السياسية داخل الاحزاب الكبرى هي مؤشر آخر ان استراليا تواجه بالاضافة الى الديون العامة والوضع الاقتصادي القلق، ازمة «هوية سياسية» واضحة ، وازمة الانقسام الداخلي في صفوف الاحزاب الكبرى. هاتين الازمتين تحددان مهمة رئيس الوزراء الجديد الذي سيسعى جاهداً للفوز في الانتخابات الفيدرالية وقطع الطريق على احتمال وصول بيل شورتن وحزب العمال الى السلطة. فشورتن، ورغم تقدمه على الإئتلاف في اول استطلاع للرأي بعد فوز سكوت موريسون، لم يتمكن خلال استطلاعات الرأي السابقة من كسب تأييد الناخبين له، كزعيم مفضل لقيادة البلاد.

لكن قبل الغوص في التفاصيل لنتعرف على هوية سكوت موريسون الذي فاجأ الجميع بوصوله الى رئاسة الوزراء، بعد ان رفض الانقلاب على زعيمه مالكولم تيرنبل، بعكس ما فعل مع طوني آبوت.

 من هو سكوت موريسون

شخصية سكوت موريسون هي مثيرة للاهتمام. فهو سياسي متدين وملتزم، يعتبر محافظاً بالمقارنة مع آخرين. رفض التصويت لصالح زواج المثليين، لا بل كان ناشطاً خلال الترويج لدعم حملة التصويت ب «لا» لمثل هذا الزواج.

ابدى موريسون منذ دخوله البرلمان عام 2007 انه يتميز بشخصية قوية ولا يماطل في الاعلان عن قناعاته السياسية، كما انه لا يخجل بالالتزاماته العقائدية والدينية.

وبينما يعبر البعض عن كراهيتهم لبيتر داتون بسبب مواقفه المتشددة حيال طالبي اللجوء المحتجزين في جزيرة ناورو وقبلها في مانوس، يتناسى هؤلاء ان وزير الهجرة في عهد طوني آبوت، اي سكوت موريسون، هو من اعتمد سياسة التشدد حيال لاجئي القوارب وقرر عدم السماح لهم بأن تطأ اقدامهم ارض استراليا مهما كان الثمن، واصر على اعادة القوارب من حيث اتت، وعمل مع حكومة آبوت على اقرار قوانين تدعم هذه الطروحات.

وتمسك موريسون بتفعيل هذه التدابير، رغم انتقادات المنظمات الانسانية والمعنية بشؤون   ودعم اللاجئين، ورغم توصيات الأمم المتحدة ومحاولة الاعلام استغلال المظاهرات ومحاولات الانتحار لدى البعض وتسليط الاضواء على التقصير احياناً التركيز على معاناة الاطفال والنساء داخل مراكز الاحتجاز.

مع تيرنبل اصبح موريسون وزيراً للخزانة، تمحورت اهتماماته بالدرجة الاولى حول معالجة الدين العام من جهة واكتساب تأييد الناخبين من ناحية اخرى. فسياسة شدّ الاحزمة رافقها ايضاً طرح تخفيضات ضريبية على ذوي الدخل المحدود والشركات الصغيرة.

موريسون والحريات الدينية

بعكس مالكولم تيرنبل الذي وصفت مواقفه بالغامضة حيال الحريات الدينية، والذي عمل جاهداً على تشريع زواج  المثليين، ولو بطرق ملتوية، دون ان يطرح بالمقابل مشروع قانون بديل لحماية الحريات الدينية في البلاد، فان سكوت موريسون ينتمي على العكس الى فريق  معارضي زواج المثليين، وطالما اصر على ضرورة حماية الحريات الدينية ابان تشريع زواج المثليين، الأمر الذي يعتبره انصار الحرية الجنسية انه يوفر غطاءً قانونياً لرجال الدين وللمؤسسات الدينية ان توجه الانتقادات له وان تتمسك بعقائدها وتوجيهاتها التي لا تنسجم مع «مفهوم المساواة» كما يحدّدونه،.

وبدت مواقف موريسون واضحة عندما دعم مواقف لاعب الراغبي اسرائيل فولو الذي جاهر بمناهضة زواج المثليين لدوافع ايمانية. وامتدح موريسون موقف فولو المنسجم مع ايمانه، وهذا دليل واضح على قناعاته والتزاماته بمعتقداته الدينية. وعرف موريسون بانتقاداته المتعددة لمجموعة  LGBTIQ التي «تسعى الى هدم اسس المجتمع ودمار العائلة.

سياسة موريسون؟

رغم اعلان سكوت موريسون ان «الكتاب المقدس» هو مدرسة ايمانية وليس دستوراً سياسياً، الا ان البعض يعتقد ان سياسة موريسون المحافظة مرتبطة الى حدّ بعيد بتعاليمه الايمانية. فهو عضو ناشط في الكنيسة الخمسينية Penteostal  وهو بشكل عام ليبرالي اقتصادياً ومحافظ اجتماعياً. ويعتقد آخرون انه لا فرق بينه وبين بيتر داتون او طوني آبوت. لكن موريسون المحافظ ليس زعيماً متشدداً بل يتميّز بالمرونة والحوار واعادة النظر اكثر من آبوت وداتون.

وكوزير للخدمات الاجتماعية، سعى جاهداً للعودة عن سياسة التشدّد التي اعتمدها جو هوكي وابدى استعداداً للتعاون مع جميع الخبراء في قطاع الخدمات الاجتماعية، واصلح قوانين تعويضات التقاعد.

وتظهر الميزانيتان اللتان اصدرهما كوزير للخزانة انه اقرب في طروحاته الاقتصادية الى الليبرالية الاقتصادية الجديدة، الامر الذي وجد صعوبة داخل الحزب بالترويج له.

ويدعو موريسون الى اعادة النظر في قوانين الضريبة في البلاد. وان سمحت له الظروف فقد تشهد استراليا بغضون 2024 اعتماد نظام ضريبي جديد اكثر تساهلاً مع ذوي الدخل المحدود والطبقة الوسطى في المجتمع. وقد تطبع سياسة موريسون واصلاحه الضريبي الاقتصاد الاسترالي والحالة السياسية في البلاد.

 جيف كينيت: استراليا تفتقر للرؤية السياسية

رئيس حكومة فيكتوريا السابق جيف كينيت علّق على الـ ABC على التطورات الاخيرة، مدافعاً عن طوني آبوت. وقال : علينا الا نلوم آبوت لما جرى مؤخراً . الواقع ان استراليا تفتقر  الآن الى رؤية سياسية واضحة، وهذا يشمل حزبي الاحرار والعمال. فهما المسؤولان عن تردي الاوضاع وفقدان الهوية والغموض في برنامج سياسي متكامل يحدد معالم ومستقبل استراليا. فنحن امة بدون رؤية. وما شهدنا،.منذ انقلاب راد على غيلارد وصولاً الى اليوم هو انعكاس لدولة لا توجهات واضحة لديها.

اذاً كيف وصلت استراليا، الدولة المزدهرة والمتطورة ذات الاقتصاد الجيد الى هذه الحالة اليائسة من الفوضى السياسية؟ وهل يعتبر موريسون قادراً على اعادة توحيد الحزب والإئتلاف ورسم هوية جديدة لاستراليا؟

نحو الجمهورية الاسترالية

يرى محللون ان الفوضى السياسية السائدة منذ عقد تقريباً لا تعكس فقط الحالة السياسية المضطربة في كانبيرا وفقدان التوجهات السياسية الصريحة، بل هي محاولة لنقل البلاد بأسرها الى اعتماد نظام جديد، بعد ان جرى تصوير النظام القائم وكأنه لا يلبي طموحات المواطنين. واصبح المواطنون اليوم يشتكون من تردي الاوضاع التي تلاقي استياءً من عامة الشعب ومن اصحاب الشركات وكبار المستثمرين.

وعلى هذه الخلفية تطرح اسئلة حول النظام السياسي المعتمد وحول الدستور نفسه.

ويبدو ان مالكولم تيرنبل الذي دعم الاستفتاء الاول حول «استراليا الجمهورية» عام 1999 كان يخطط لاجراء استفتاء عام جديد حول الصيغة الجديد لنظام البلاد. واعلن تيرنبل رداً على اتهامات بول كيتينغ له بالرياء حيال موضوع «استراليا جمهورية» انه مصمم على اجراء استفتاء عام بعد رحيل الملكة اليزابيت الثانية. وشجعه على ذلك نتائج الاستطلاع حول زواج المثليين، اذ اعتبر ان من يؤيدون  تعديل قانون الزواج سوف يدعمون تحويل استراليا الى جمهورية.

ويدخل تصوير الدستور الاسترالي في عقول الناس على انه فاشل في تلبية حاجات البلاد وانمائها في اطار البحث عن نظام آخر جديد هو النظام الجمهوري. لذا سعى تيرنبل خلال حكمه الى إلغاء الفروقات السياسية بين حزب الاحرار وحزب العمال وكادت طروحات الاول السياسية تصبح نسخة عن سياسة حزب العمال.

بالمقابل اعلن زعيم المعارضة بيل شورتن في اكثر من مناسبة انه في حال فاز حزب العمال بالحكم، فمن المرجح ان يطلق استفتاءً عاماً حول امكانية ان تتحول استراليا الى جمهورية. وستتضمن الأمة الجديدة او الجمهورية الاسترالية الجديدة ست ولايات وعدد من الاقاليم.

واذا ما وضعنا جانباً ارتباطات استراليا التاريخية بالمملكة المتحدة وبالعائلة المالكة التي لا تزال تحكم دستورياً البلاد، فان الازمة السياسية الحالية تتيح فرصة لاعادة النظر في نوع الحكم في استراليا.

ويدور نقاش في الكواليس حول صلاحيات رئيس الجمهورية وكيفية انتخابه. فهل ينتخب مباشرة من الشعب ام يقوم اعضاء البرلمان باختياره؟

ويبدو ان الدفة تميل نحو اعتماد نظام رئايسي مماثل للنظام الفرنسي، حيث يوجد ذراع تنفيذي قوي وبرلمان تشريعي يرأسهما رئيس الوزراء  ويمتدح الخبراء النظام الفرنسي انه قابل للتطور والتكيّف وسهولة التعديل. ففرنسا تعيش اليوم في مناخ «الجمهورية الخامسة» والثانية منذ الحرب العالمية الثانية.

ونظراً للفوضى التي اوجدها النظام البرلماني ووجود مرجعية خارجية تتدخل عند الضرورة، قد يكون الوقت قد حان لكي تعتمد الدولة «المأسورة» تغييرات سياسية شاملة.

ان الشعب الاسترالي، نظراً للاستقرار الاقتصادي وكون استراليا جزيرة شاسعة يقدم فيها النظام جميع الضمانات والخدمات الاجتماعية والصحية، فنادراً ما نشهد تحركات عمالية او مظاهرات مطلبية. لذا نادراًً ما يميل الشعب الاسترالي الى قبول تغييرات جوهرية في صميم النظام.

لكن حالة الاشمئزاز والغضب من سلوك السياسيين واتساع الهوة بينهم وبين الشعب الذي اوصلهم الى البرلمان يمكن ان تدفع الاستراليين الى قبول فكرة تعديل النظام بأسره ونقل استراليا الى جمهورية.

لكن من المفارقات المطروحة، انه اذا اصبح لاستراليا نظاماً رئاسياً، فإن المنتصر الأكثر احتمالاً للفوز في الانتخابات الرئاسية الاولى سيكون مالكولم تيرنبل الذي انقلب عليه اعضاء حزبه الاسبوع الماضي.

وبانتظار ان يتمكن سكوت موريسون من اعادة توحيد حزبه واقناع الشعب الاسترالي بقدرته على معالجة قضاياه الحيوية وكسب ثقة الناس مجدداً بامكانية الإئتلاف العمل كفريق موحد وذات رؤية واضحة، سوف يواجه موريسون سنة 2019 انتخابات عامة لا يعلم احد اليوم ان كان قادراً على الفوز بها.

الناخب الاسترالي هو مزاجي للغاية، وغالباً ما يلجأ الى تغيير الحزب الحاكم فقط حباً بالتغيير. فهل سيتمكن حزب العمال من الوصول الى الحكم وينهي ما بدأه مالكولم تيرنبل، واعني بذلك متابعة تدمير النظام القديم على امل استبداله بنظام جمهوري؟؟