شوقي مسلماني
هذا العالم الذي نعيش فيه كلّه متناقضات، يقول الكاتب كمال براكس في كتابه «عذاب البقاء وعقاب الفناء» الصادر أخيراً في سيدني ويقع في 128 صفحة من القطع الوسط، وهي متناقضات تشمل كلّ نواحي الحياة حين الله يصل ومعسكر الشيطان يفصل، وحين الأنفس منها العالية وأكثرها المتسفِّل، وخصوصاً في مراكز قرار ديني وزمني، وحين المديون عبد للدائن، والدائنون في العالم 5% والمديونون 95%، ويتفشّى الجهل والجوع والمرض في أكثر بلدان العالم في القرن الواحد والعشرين أيضاً.
إهداء الكتاب للأب والأم والأخ الأكبر الذي كان أستاذ الأدب وعلم النفس في الجامعة اللبنانيّة، والثلاثة في ذمّة الله، وكانوا في حياتهم على منهج يرفض التفرقة مهما كان شكلها، والكلّ في مدى النظر واحد، فالإنسان أخ للإنسان بغضّ النظر عن الدين أو المذهب أو الجنس أو اللون، في العالم ككلّ، وفي لبنان وطن الكاتب الأم.
وعلى رغم أنّ الإنسان يعيش اليوم عصر الفضاء بامتياز فهو لا يزال ينشد الإستغلال ومراكمة الثروة بجشع ويشرّع للباطل وبالأخصّ في الشرق حيث النصب والإحتيال، حيث التزوير، الرشوة، المحسوبيّة، وعند الكاتب ليس للمؤمن المرائي أيّة كرامة عند الله. المرائي هو من زمرة الذين يصنعون الخطأ مثل الذين يرتكبون الغش تجاراً كانوا أو سياسيين أو أطبّاء أو جامعيين وغيرهم من أعلى الهرم إلى القاعدة.
والكتاب عموماً فيه الكثير وعظاً وإرشاداً، وهو كذلك بانوراما في أمراض منها الساديّة والماذوخيّة والبارانويا التي تعظّم الذات وفي السيكوباتيّة حيث طلب اللذّة بأي ثمن والحياةُ هي اللحظة الراهنة، مثلما يسلّط أضواء على التدرّج في تعاطي المخدّرات ابتداءً بالماريوانا إلى الميتادون حتى أخيراً الهيرويين بسبب من ضغوط وأوهام تتكاثر في العالم القاسي الذي لا يقدّم حلولاً ولا يقول طوبى لأنقياء القلب ولا طوبى لصانعي السلام، ويبذر الشقاق بين الأديان والمذاهب المختلفة، فيما جوهر الدين هو الأخلاق والمحبّة المغايرة للحبّ الجنسي المسيّر بالإنفعالات البيولوجيّة وللحبّ الرومانسي الذي تطوّح به الأوهام والتخيّلات والعواطف المتقلّبة.
«عذاب البقاء وعقاب الفناء» تجسيد حرّ بالكلمة لعواطف ومشاعر وعقل الكاتب.. وإيمانه العميق بصلاح الأديان على هدي السيّد المسيح والرسول محمّد والمهاتما غاندي الذي سما بتسامحه ورقّته ومحبّته إلى مراتب عالية، ودخل قلب كلّ إنسان يكره الظلم.. من الجائر الأجنبي والمحلّي معاً.