سارة حسين
تتبنى أستراليا منذ عام 2013، سياسة هجرة مثيرة للجدل؛ فمن يأتي إليها عبر البحر دون مستندات ووثائق ملائمة، لا يمكنه الدخول ويتم إرساله إلى مؤسسات احتجاز قبالة الشواطئ.
هذا القانون تم تمريره عام 2013 في الوقت الذي كان يسعى فيه العديد من اللاجئين والمهاجرين إلى عبور المحيط من إندونيسيا وصولا إلى أستراليا، في رحلة شاقة يموت كثيرون منهم فيها أو يُفقدون، أما الناجون فتلقي السلطات الأسترالية القبض عليهم، وتنقلهم إلى مراكز في جزيرة كريسماس الأسترالية، أو جزيرة ناورو ومانوس النائية التي تعد جزءا من بابوا غينيا الجديدة.
ويعتقد أنصار هذا القانون أن المهربين يستفيدون والمهاجرين يغرقون وينبغي وقف ذلك. أما المعارضون فيقولون إن القانون وحشي؛ لأنه بمجرد وصول المراكب التي تقل المهاجرين واللاجئين إلى الشواطئ الأسترالية واعتقالهم من قبل القوات البحرية، يتم إيداعهم في مراكز اعتقال لفترات زمنية غير محددة، كما انتشرت تقارير عن انتهاكات هائلة تحدث داخل هذه المراكز.
جعلت هذه السياسة مئات الأشخاص يعيشون في جحيم قانوني، ومن هؤلاء الصحفي الإيراني الكردي، بهروز بوشاني، الذي فر من إيران مايو أيار 2013 خوفا على أمنه وسلامته بعد اقتحام مجلته المؤيدة للأكراد من قبل الجيش الإيراني.
وحسب تقرير نشرته الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية (إن بي آر)، حاول بوشاني الوصول إلى أستراليا عبر إندونيسيا، حيث كان يرغب في الحصول على اللجوء السياسي، لكن تم إيقاف مركبه من قبل البحرية الأسترالية، واحتجازه هو و75 طالب لجوء آخرين. وبعد احتجازه لفترة في جزيرة كريسماس تم نقل بوشاني إلى جزيرة مانوس.
وفي مقابلة عبر الهاتف مع الإذاعة الأميركية، قال بوشاني إن الحكومة الأسترالية كانت تصف هذا المكان بالمعسكر أو مركز تأهيل، لكنه كان بالنسبة إليه وللآخرين بمثابة «سجن».
انتظر بوشاني 5 سنوات في مركز اعتقال المهاجرين في مانوس، وكان يعيش في غرفة صغيرة يشاركه فيها 5 أشخاص آخرين، ولم يكن بوسعه العودة إلى وطنه أو المضي قدما إلى أستراليا. وعلى مدار هذه السنوات، وثق بوشاني وقته الذي قضاه في جزيرة مانوس من خلال العديد من المقالات، بالإضافة إلى فيلم تسجيلي بعنوان «رجاءً أخبرونا بالوقت»، الذي تم إطلاقه العام الماضي. وكتب بوشاني وصور كل هذه المشروعات باستخدام هاتف تم تهربيه إلى المركز.
والآن خرج كتاب بوشاني بعنوان «لا صديق سوى الجبال.. اكتبه من سجن مانوس» إلى النور، الذي ألّفه من داخل محبسه في الجزيرة على هيئة فقرات صغيرة عبر هاتفه باستخدام تطبيق الرسائل القصيرة واتساب، ثم إرسالها إلى مترجم أسترالي لترجمتها من الفارسية إلى الإنجليزية وتقسيمها إلى فصول.
ووصف بوشاني تجربته بأنها «كانت عملية طويلة جدا، وصعبة جدا»، لافتا إلى أن الكتاب يعد مزيجا بين الشعر والنثر كما يحتوي على تعليقات سياسية وتحليلات نفسية وأساطير وتراث شعبي. وطلب من الأشخاص الذين يرغبون في قراءته بأن يقرأوه كقطعة فنية دون تصنيف أدبي.
وعلى الرغم من أمر إغلاق معسكر الاحتجاز في جزيرة مانوس عام 2016 لأنه غير دستوري وغير قانوني وفقا لمحكمة بابوا غينيا الجديدة؛ فإنه لا يوجد جدول زمني لنقل المحتجزين من الجزيرة. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قبلت بعض اللاجئين المحتجزين هناك؛ فإن بوشاني لا يعرف على وجه الدقة متى سيتم إطلاق سراحه من الجزيرة.
وعن هذه التجربة، قال بوشاني: «كنت خائفا من السلطات التي من الممكن أن تأتي في أي وقت وتأخذ مني الأوراق، لذلك لم أكتب على الورق وألفت كتبي على الهاتف وأرسلته جزءا جزءا. كتبت الكتاب كاملا عبر واتساب، إذ كان بمثابة مفكرتي الخاصة. كلما انتهيت من جزء أرسلته إلى مترجمي، ثم نقسمه سويا إلى فصول. جمع المترجم الفصول جميعا في ملف PDF وأرسلها إلي لقراءتها، وأعجبني كثيرا وهذا ما أردته».
وأضاف أنه لا يريد تحقيق أرباح من مبيعات هذا الكتاب؛ فهدفه من تأليف الكتاب تحدي هذا النظام وإخبار الناس بالحقيقة والقيام بعمله وواجبه كروائي وصحفي، لافتا إلى أنه تمكن من البقاء حيا كل هذه الفترة بسبب الطبيعة فقط، وقال إن جزيرة مانوس جميلة جدا.
وأخيرا تحدث بوشاني عن مستقبله قائلا إنه لا يمكنه العودة إلى إيران، ويأمل في أن يحصل على الحرية وتستضيفه أي دول أخرى مثل ما قامت به الولايات المتحدة حيث استقبلت 100 لاجئ من مركز اعتقال مانوس.