بقلم محرر الشؤون الاسترالية بيار سمعان
يؤخذ على رئيس الوزراء مالكولم تيرنبل انه اجرى مرغماً وبشكل مشبوه الاستفتاء البريدي حول رأي المواطنين بزواج المثليين، تحت شعار «المساواة للجميع»، لكنه وحكومته، لم يطرحان مشروع قانون لحماية الحريات الفردية او الدينية، وتجاهل تيرنبل، من خلال هذا الموقف، التبعات العديدة الناتجة عن اقرار زواج المثليين وانعكاساته على الحريات والتعليم والحياة العامة في البلاد.
وبعد الاعلان عن نتائج الاستطلاع، طرح اكثر من فريق ومؤسسة قضية الحريات العامة، خاصة الدينية منها، بعد ان صُدم المواطنون من ردود فعل متطرفة من قبل انصار المثليين والتهجم عبر رسوم الحائط على رموز دينية مسيحية. ولا بد هنا من امتداح ردة فعل بعض الشبان الموارنة الذين لم يكتفوا بتشويه هذه الرسوم فقط، معلنين رفضهم لمثل هذه التعديات ومؤكدين تصميمهم على مواجهة الفريق الآخر بشتى الوسائل، بل نزلوا الى المناطق التي تعتبر معقلاً لهم وتلوا صلوات المسبحة الوردية في الشوارع. وكانت ردة فعل لافتة ومعبرة ومؤثرة.
واجه مالكولم تيرنبلضغوطات كبيرة من فئات سياسية محافظة ومن مؤسسات دينية وخيرية لضرورة ترسيخ الحريات في الدستور، كما جرى اقرار مساواة المثليين واعتبار علاقتهم بمثابة عقد قران، رغم ان المحكمة الاوروبية اصدرت مؤخراً رأيها في هذه القضية، معتبرة ان زواج المثليين ليس تعبيراً عن المساواة بسبب الاختلافات الطبيعية والبيولوجية بين الاثنين . فالعلاقة الجنسية«الشاذة» لا تصلح ان تعتبر زواجاً.
• لجنة مراجعة قوانين الحرية الدينية
في 22 تشرين الثاني 2017 اعلن رئيس الوزراء عن تعيين لجنة خبراء يرأسها السياسي المخضرم والوزير السابق فيليب رادوك.
وتلقت اللجنة آلاف الرسائل من مواطنين ومؤسسات دينية ومدينة أبدوا آراءهم في موضوع الحريات الدينية.
كما قام اسقف الموارنة في استراليا، انطوان شربل طربيه ، بالنيابة عن تجمّع اساقفة كنائس الشرق الاوسط، بتوجيه رسالة مفصلة الى هذه اللجنة، يعبّر فيها عن رأي الاساقفة وعن وجهة نظرهم بموضوع الحرية الدينية وضرورة حمايتها، من اجل حماية المجتمع ككل والحفاظ على التعددية الثقافية، وحماية العائلة والتعليم وحرية المعتقد في استراليا، وهي في اساس حرية الانسان التي تضمنها الأمم المتحدة.
كما عقد المطران طربيه اجتماعات مع الأئمة والمشايخ المسلمين اللبنانيين، واستدعى العديد من السياسيين الاستراليين وفي طليعتهم زعيم المعارضة بيل شورتن الذي تعهد له ان الحرية الدينية هي «خط احمر» حسب ادعائه، ويجب الحفاظ عليها.
في 18 ايار 2018 قدمت اللجنة تقريرها النهائي حول موضوع الحرية الدينية. واعلن رئيسها رادوك ان نشر هذا التقرير يعود الآن الى قرار يصدره رئيس الوزراء تيرنبل، مشيراً الى ان اللجنة انهت المهمة الموكلة اليها واصبحت بالتالي ملغية بعد ان قامت بدورها المطلوب، وانه بمقدور المواطنين التواصل مع رئاسة الوزراء بخصوص هذه المسألة.
لكن لا بد من الاشارة ان اللجنة التي ضمت الى جانب فيليب رادوك كل من البروفسور روزاليند كروشيه والدكتورة انابيل بانيت والبروفسور نيكولاس اروني والراهب اليسوعي فرانك برينان، اجرت لقاءات مباشرة مع عينة من رجال الدين والخبراء القانونيين ومفكرين اجتماعيين ومسؤولين في كانبيرا وبيرث وسدني وهوبارت وملبورن وبرزبن وادلايد وداروين.
وتلقت اللجنة آلاف الرسائل والاقتراحات الخطية، تعهدت بنشرها على صفحتها اللاكترونية شرط موافقة الكاتب.
• مختصر اقتراحات المواطنين:
يمكن ايجاز اهم الملاحظات والاقتراحات التي تسلمتها اللجنة بالنقاط التالية:
– ان السماح بزواج المثليين يجب الا يأتي على حساب حرية الاستراليين الآخرين. وعلى البرلمان الاسترالي ان يضمن عدم حصول نتائج سلبية على احد. وينبغي ان يكون من الممكن للاستراليين ذوي المعتقدات والقيم المختلفة ان يعيشوا بوئام مع بعضهم البعض، وان يتمكن الاستراليون من عيش حياتهم وفقاً لمعقتداتهم الخاصة. كما يجب الا تفرض اي جماعة معتقداتها وقيمها على مجموعة اخرى.
– لدى استراليا التزامات بموجب الدستور والمعاهدات الدولية ان تعترف وتحمي «حرية الاهالي لضمان التعليم الديني والاخلاقي لاطفالهم وفقاً لقناعاتهم الخاصة».
فالآباء والامهات الذين لديهم قناعات راسخة ان الزواج هو بين رجل وامرأة، وان الحياة الجنسية هي بيولوجياً بين رجل وامرأة، يحق لهم ان يقولوا الكلمة الاخيرة بشأن تعلم المواد الجنسية في المدارس، خاصة المواضيع التي تتعلق بهوية الطفل الجنسية، وان يسمح لهم بسحب اطفالهم من هذه الحصص، ان رغبوا بذلك.
– لدى استراليا التزامات بموجب القانون الدولي الذي وقعت عليه في المؤتمر الدولي حول الحقوق المدنية والسياسية، ان تضمن حماية حق المواطنين وحريتهم الفكرية والوجدانية والدينية، وعليها ان تضمن حرية الناس باعتناق الدين والمعتقد الذين يختارونهما، وان يعبروا بشكل فردي او مع جماعة او امام الملأ عن ايمانهم ومعتقداتهم الدينية بشكل منفرد او في دور العبادة.
وطالب البعض بعدم اعادة تحديد الزواج على انه علاقة بين راشدين لأنها تسببت باشكاليات ورفض ومضايقات لمن يؤمنون ان الزواج هو بين رجل وامرأة. كما جرى مضايقة اساقفة ومفكرين وعلمانيين لأنهم عبروا صراحة عن رفضهم لاعادة توصيف الزواج.
لذا لا ينبغي تهديد الناس بفقدان وظائفهم او ارغامهم على الاستقالة من مؤسساتهم لأنهم عبروا عن آرائهم بشأن الزواج. ويجب بالتالي الا يكون هناك اي ضرر قانوني لمن يعرب عن قناعاته ان الزواج هو بين رجل وامرأة.
– وكما يُعفى المسلم من طباعة االتوراة، يجب ايضاً عدم ارغام مزودي خدمات الزواج او دفعهم على تقديم هذه الخدمات في حال لم تكن تتلاءم مع معتقداتهم وقناعاتهم الشخصية. ولا مانع ان نتعاون جميعاً ضمن تسهيلات معقولة تقوم على احترام وجهات نظر بعضنا البعض، وان نعيش وندع الآخرين يعيشون بحرية.
وبالتالي يجب ضمان الحرية للجمعيات والمؤسسات الدينية ان تعبر عن وجهة نظرها حول الزواج على انه رباط بين رجل وامرأة، دون الخوف من فقدان التمويل الحكومي لها. كما يجب السماح للواعظين ان يوضحوا في عظاتهم آرائهم حول الزواج او عبر وسائل التواصل الالكترونية دون الخوف من ملاحقتهم قانونياً واتهامهم بالتحريض على التمييز العنصري.
– يحق للمدارس الدينية والمؤسسات الخاصة ان تختار من تراهم ينسجمون مع ايمانها حول الزواج. لذا يجب تعديل قوانين التمييز العنصري على المستوى الفيدرالي والولايات، لكي تضمن عدم ملاحقة اي شخص يعبر عن وجهة نظره ان الزواج هو بين رجل وامرأة.
• معضلة جديدة يواجها تيرنبل
عندما تقرر الحكومة اطلاق تقرير فيليب رادوك، يخشى رئيس الوزراء مالكولم تيرنبل اطلاق جولة جديدة من النزاعات الثقافية داخل المجتمع. وهذا غير مستبعد حدوثه مع اصدار التقرير النهائي حول الحريات الدينية. للأسف، يمكن للمؤشرات السياسية القصيرة المدى ان تتحول الى معضلات سياسية في حال لم يجر معالجتها بالكامل.
فالضبابية الظاهرة في موقف تيرنبل حيال قضية زواج المثليين واعتماده معالجة مبتورة تتعارض مع الفئات المحافظة داخل الحزب والقاعدة الشعبية التي جرى تضليلها بشعارات «المساواة والحرية الفردية»، عادت اليوم لتلقي بثقلها على رئيس الوزراء الذي يواجه انتخابات عامة خلال العام القادم، وهو العاجز عن رفع شعبيته حسب استطلاعات الرأي الشهرية.
• الطلقة الاولى من داخل الحكومة
لا تزال توصيات اللجنة التي رئسها فيليب رادوك مجهولة حتى الآن. لكن وزير الخدمات الاجتماعية «دان تيهان» اطلق الرصاصة الاولى في هذه المعركة المحتملة عندما اعلن خلال محاضرة القاها في معهد «سانت توماس مور» الاسبوع الماضي، استهدف خلالها جبهتين: الاولى اطلق عليها تسمية «زحف الدولة في مواجهة العقيدة الدينية» والثانية تكمن في «استخدام «الصوابية السياسية» لتهميش واسكات المنظور الديني، «واعتبر ان هذا الواقع يشكل معضلة حديثة حيث «تتواجه الحرية الدينية مع القوانين المكتوبة من اجل حماية حقوق اخرى…».
ويرى تيهان اوجه قصور كثيرة في القانون الفيدرالي الحالي وقانون الولايات ويطالب بإقرار قوانين جديدة للتمييز العنصري من اجل حماية المواطنين من الاتهام بالتمييز العنصري على خلفية دينية على ان تكون هذه القوانين مماثلة لقوانين التمييز العنصري على اساس الجنس. فالمطلوب الآن، حسب اعتقاده هو عدم تقييد الحرية الدينية اكثر مما هو مطلوب… وذكر تيهان امثلة حسية وقعت على الساحة الاسترالية ومنها ملاحقة قياديين كاثوليك ناهضوا حملة زواج المثليين.
• الأقليات الاصولية
غير ان الحجة الثانية التي اوردها الوزير تيهان هي اكثر اثارة للقلق ، عندما قال: «الواقع اليوم، بالنسبة للاستراليين هو ان هناك تهديداً آخر للحرية الدينية. ولا يأتي من تطبيق القوانين المختلفة. بل بالاحرى من مواقف اصولية بعض الاقليات التي تفترض ان العادات والممارسات والمعتقدات التي طال امدها تنطوي على هجوم ضد اولئك الذين لا يدعمونها او يعملون بموجبها. والرسالة التي يبعثها هؤلاء هي انك «غير مرحب بك هنا ودينك غير مرحب به ايضاً».
ويذكر امثلة على ذلك، كمقاطعة مصنع البيرة في كوبر بعد تورطه في جمعية الكتاب المقدس في حوار حول زواج المثليين، وردة الفعل العنيفة ضد لاعب الراغبي Folan بعد ان ادان المثلية الجنسية لاسباب دينية.
فالحديث عن «الصواب السياسي» يستخدم من قبل اليمين واليسار على حد السواء، ورغم كونه موضوعياً احياناً، الا انه نظراً للطبيعة المتغيرة للقانون في استراليا وتوجه الناس نحو الفكر العلماني لكن لا يزال 52 بالمئة من المجتمع الاسترالي يعتبرون انفسهم مسيحيون. وحيال هذه التبدلات نحن بحاجة ماسة الى قانون يحمي الحرية الدينية بشكل صريح.
• مخاطر عواقب غير مقصودة
من وجهة نظر الحكومة، هناك القليل من الجوانب الايجابية لاطلاق نقاش حول الحرية الدينية . فالحديث عن قانون التمييز الديني من شأنه ان يفتح نقاشاً حول قانون الحقوق عامة.
وترى مصادر حكومية وجود خطر في مثل هذه التشريعات وان لم يكن مقصوداً قد يؤدي الى فتح نقاش حول المادة 18 من قانون التمييز العنصري.
ويرى البعض داخل الإئتلاف ان حماية الحرية الدينية من وجهة نظر مسيحية قد لا تتوافق مع نظرة غير المسيحيين بشكل جيد مع القيم الاسترالية. فهل نرغب فعلاً بالوصول الى حالة موحلة يصعب الخروج منها سالمين كمجتمع متعدد الثقافات والديانات.
فالخوض في مناقشة قانون الحرية الدينية قد يتحول الى موضوع انتخابي حساس. وربما يذهب في اتجاهات لا ترغب حكومة تيرنبل خوضها في هذه المرحلة.
لكن المسار الأكثر حساسية والضرر على الحكومة يكمن في رفض مناقشة هذا القانون. بعد ان اقرت قوانين غير مقنعة لإرضاء 2،5 بالمئة من سكان استراليا.
فهل نحن على منعطف خطير يحدد مستقبل استراليا والحرية الدينية والتعددية الثقافية وحرية التعبير، ام ان الحكومة ستعمد الى تدوير الزوايا والعبور بالبلاد الى شط الأمان؟