من يستشير أحد وكلاء بيع العقارات يدرك أنه يوجد سيناريوهين فقط عندما يتعلق الأمر بالممتلكات العقارية في استراليا:
1- عندما تكون سوق العقارات جيدة، على المشتري أن يسارع بالدخول إليها
2- وعندما تبرد السوق يصبح بمقدوره التفاوض على ثمن العقار الذي يرغب بشرائه. وفي كلا الحالتين لا يوجد وقت آخر أفضل للشراء.
– هبة سخنة وهبة باردة
يمكن توصيف سوق العقارات اليوم انها تتبدل من السخونة إلي البرودة.
بعد ما يقرب من ست سنوات في المكاسب المذهلة بالنسبة للبعض والمخيفة للبعض الآخر.
وهذا يتوقف على تملك عقارات ومساكن في إحدى العواصم الاسترالية، فإن سوق العقارات اليوم تسير بالاتجاه المعاكس، خاصة في مالبورن وسيدني.
لكن بالواقع يمكن توصيف السوق اليوم انها في حالة محيرة.
فالممتلكات الراقية الثمينة تضررت بشدة إثر انخفاض أسعارها، بينما تستمر العقارات الأقل كلفة في الارتفاع. وفيما تنخفض أسعار المنازل في سيدني ومالبورن، لا تزال العقارات والمنازل في المناطق الداخلية والريفية تحافظ على قيمتها لا بل تزداد ارتفاعاً وتنتج أرباحاً غير محسوبة.
وحدها هوبارت، من مجموعة المدن الكبرى لا تزال تشهد ارتفاعا في أسعار المنازل فيها، هذا إلي جانب أن المنازل المنخفضة القيمة تشهد إقبالا كبيراً عليها في جميع العواصم الاسترالية، إلى جانب الشقق السكنية. ويعود السبب في ذلك كما يراه بعض المحللين الاقتصاديين إلى الضغوطات التي تعرضت لها البنوك في العام الماضي بشأن قروض المستثمرين الذين يستخدمون بشكل أساسي التمويل الذي يقتصر على دفع الفوائد فقط بغية رفع نسبة الأرباح لديهم من الفوائد السلبية، هذه الضغوطات بدأ سوق العقارات يشعر بانعكاستها السلبية عليه.
غير ان هذه الضغوطات لا تفسر بالكامل التبدلات في سوق العقارات والإسكان إذ كان من المفترض أن يؤدي التشديد على المستثمرين أن يؤثر بشدة على السوق وتخفيف الحرارة القسوى فيه، لكن بالواقع هذا لم يحدث حتى الآن.
– كابوس الممتلكات
هناك أمران يدفعان المسؤولين في بنك الاحتياط للبقاء متيقظين ليلا نهارا وهما: الصين وسوق العقارات في استراليا. وقد بدأ المدير العام لبنك الاحتياط فيليب لوي كثير التعليق ويجاهر بالكلام عن ديون الصين الباهظة والمخاطر التي قد تسببها لاستراليا، في حال انفجرت الأوضاع المالية في البلد العملاق المجاور.
من جهة أخرى يعترف منظمو الاسعار ان استراليا لا تزال تشهد فورة في سوق العقارات، وانه يصعب وضع حد لها. لكن هذه السوق هي أيضاً مصدر قلق لمدير بنك الاحتياط. والسبب يعود إلى الانكشاف غير الصحي للبنوك الكبرى على سوق الاسكان، بعد ان تبين ان 60 بالمئة من القروض التي تمنحها البنوك انفقت على شراء المنازل وتحولت إلى قروض منزلية.
وبعد الأزمة المالية العالمية التي ضربت البورصة في سنة 1987 والتي لها انعكاسات سلبية خطيرة على الاقتصاد العالمي، اعتبرت البنوك الكبرى ان الاستثمار في العقارات هو أقل مخاطر من الاستثمار مع الشركات الكبرى لذا انفقت البنوك بضعة تريليون من الدولارات استفاد منها المستهلكون لتملك أكثر من عقار أو منزل.
لكن بالمقابل أصبح على العديد من الأسر ديوناً تزيد قيمتها أكثر من 200٪ من الدخل المشترك للعائلة هذه الديون الباهظة انعكست ذيولها على نمط الحياة لدى الاسر ومعدلات الانفاق لديها. لذا بدأت المحلات التجارية تشعر بمحدودية الانفاق لدى العائلات، وبحالة التقنين التي يعتمدونها في حياتهم اليومية.
لذا يعتبر الخبراء ان خفض سوق العقارات بشكل دراماتيكي سوف يضرب لا محال الوضع الاقتصادي في استراليا.
وعندما تنخفض قيمة المنازل يميل الناس إلى انفاق القليل دون ان يحسِّن ذلك من مستوى الادخار العائلي وهذا بدوره يضعف الاقتصاد المحلي ويتسبب بأزمة بطالة والتخلف عن تسديد الديون والقروض العقارية، وربما احداث ازمة مصرفية بعد ان دفعت البنوك المليارات العديدة في سوق العقارات يصعب استردادها على المدى المنظور، نظراً للعقود الطويلة.
– الحكومات تفضل الازدهار العقاري
ليست البنوك وحدها لديها مصلحة في ارتفاع أسعار العقارات، بل كل الحكومات لديها أيضاً نهم ورغبة شديدة في إبقاء «الحلم الاسترالي» منتعشاً.
فالحكرمة الفيدرالية تحتاج إلى أسعار العقارات للحفاظ على استقرار الاقتصاد مزدهراً في البلاد، بينما تتغذى حكومات الولايات والاقاليم والبلديات من الرسوم التي تجنيها من حركة البيع والشراء في هذا القطاع.
فمنذ بدأت حركة الازدهار الأخيرة في أواخر 2012 وهي فورة ساهم بنك الاحتياط في إدارتها عن طريق خفض الفوائد على القروض من أجل استيعاب الانعكاسات من جراء تراجع قطاع التعدين والاستثمارات في الموارد الأولوية، شهدت حكومات الولاية والحكومات المحلية (البلديات) زيادة في عائداتها بنسبة 65 في المئة.
لذا من المستحسن عدم الاصغاء إلى رجال السياسة الذين يطالبون بجعل شراء المنازل مقبولة وفي متناول الجميع، لأن أحداً منهم لم يقدم حتى الآن طرقاً جديةً لمعالجة أزمة ارتفاع أسعار المنازل، ولأنهم يدركون انه يوجد فقط احتمالين لا ثالث لهما، وان كل منهما ليس محبباً.
وفيما يتوقع البعض ومنذ عشرات السنين حدوث انهيار في قطاع الإسكان في استراليا، وهذه لن تحدث إلا نتيجة لأزمة اقتصادية كارثية وعالمية، أو نتيجة لارتفاع ضخم وغير مسبوق في الأجور، وهذا ما لن يوافق على حدوثه أي حزب سياسي.
لذا يعتبر كل توصيف أو كلام آخر هو للاستهلاك الشعبي ولتزيين الخطاب السياسي أو ممارسة ضغوطات لا أساس لها من المصداقية.
فأسعار العقارات لا يزال لديها فرصاً عديدة لترفع قيمتها الشرائية، كما حدث خلال السنوات الماضية.
-ارتفاع الفوائد
وتشير الدلائل ان نسبة الفوائد على القروض قد تشهد ارتفاعاً على الصعيد العالمي ككل. وهذا في حال عملت البنوك الكبرى بموجبه، قد يسبب ضغوطاً إضافية على المقترضين عامة وعلى سوق الإسكان بنوع خاص.
غير أن القلق الآخر كان مصدره وفرة العرض بعد ان عمت العواصم الاسترالية فورة ضخمة في قطاع البناء خاصة وبناء البنايات الشاهقة في سيدني ومالبورن وبرزبين.
ويكفي النظر إلى مدن كبرى مثل سيدني لمشاهدة البنايات تناطح الغيوم ورؤية المزيد منها قيد البناء، وهذا ليس في وسط مدينة سيدني وحدها، بل ينطبق ولو بمستويات أدنى على مناطق أخرى من ضواحي سيدني مثل باراماتا وليفربول وبيرث وغيرها. وأصبحت الأبنية التجارية الضخمة أمراً مألوفاً في هذه الأماكن.
هذه الفورة في قطاع الإسكان القت ضغوطات على الحكومات إذ يجب مرافقة الفورة في قطاع الإسكان امتداد للقطاع التجاري وتطوير للبنى التحتية، يتلاءمان مع النمو السكاني الناتج عن الانجاب وبرامج الهجرة على انواعها.
ولا يختلف اثنان ان استراليا تدير بهدوء واحداً من أكبر برامج الهجرة هو الاضخم ضمن الدول النامية، وبلغ النمو السكاني نتيجة هذه العوامل 1٫6 بالمئة سنويا وهو الأعلى عالمياً بعد نيوزيلاندا.
كل هذه العوامل تحمل ضمنا دفعا للحفاظ على أسعار العقارات المرتفعة. ولا يزال الاستثمار في العقارات هو الاضمن من اي استثمار آخر على المدى الطويل.