جيش وشعب و … ؟؟
في عظة الأحد الماضي هنأ البطريرك مار بشارة بطرس الراعي النواب الجدد الستة والسبعين الذين ينضوون للمرة الأولى مع زملائهم الإثنين والخمسين في الندوة البرلمانية. ودعا البطريرك الراعي الجميع للعمل في خدمة لبنان وشعبه، لنهوض الوطن من أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى شد أواصر الوحدة الوطنية…..
ولا يشك أحد أن الأغلبية العظمى من الشعب اللبناني يشاركون البطريرك الراعي في دعوته هذه، بعد أن عانوا ما عانوه من انقسامات وإهمال وفساد وبطالة وفقر ومتاجرات زادتهم فقراً وغربة داخل الوطن، لدرجة أن ما يقارب 52 بالمئة منهم عبّروا عن يأسهم واشمئزازهم من الأوضاع الرديئة والطبقة الحاكمة وامتنعوا عن المشاركة في الانتخابات النيابية، وكأن ما يجري لا يعنيهم، أو أنهم اقتنعوا أن التغيير لن يأتي على يد هكذا مرشحين وتكتلات وأحزاب.
وفيما يتلهى البعض بإحصاء الأصوات وتقدير حجم التكتلات النيابية، لم يتوقف أحد منهم عند الواقع المرير أن أغلبية اللبنانيين رفضوا المشاركة في الانتخابات، رغم حملات الشحن الطائفي وشن حملات تحريضية، وإنفاق ملايين الدولارات للترويج للمرشحين وشراء الأصوات.
نعم.. لم يسأل أحد ماذا يعني عدم مشاركة الأغلبية العظمى من اللبنانيين في هذه الانتخابات التي أُجريت بعد 9 سنوات من التمديد والمماطلة في إقرار قانون انتخابي جديد وبعد الجولات الحكومية حول العالم لدفع لبناني الانتشار على المشاركة، ولو بشكل مبتور، في الانتخابات النيابية للمرة الأولى، خارج لبنان.!!
مرحلة ما بعد الانتخابات
ما أن أُعلنت نتائج الانتخابات حتى بدأت عملية تأليف الكتل النيابية التي على أساسها سيعمد كل فريق للمطالبة بحصته في الحكومة الجديدة.
وزير الخارجية جبران باسيل يعلن صراحةً ما ألمح إليه رئيس الجمهورية بطريقة رمزية عندما أعلن أن الكتل الصغيرة (4 نوّاب أو أقل) لا يحق لها المشاركة في الحكومة. ويقصد بذلك الكتائب والمردة والحزب القومي. فحصر بهذا المقولة تمثيل المسيحيين بالتيار الوطني وبالقوات اللبنانية. وهذا يفسّر الجدل القائم بين القوات والتيار حول عدد الأصوات التي حصل عليها كل منهما، بغضّ النظر عن عدد النواب. فالجدل حول هذه النقطة بالذات ليس صدفة، إذ يبدو أن الوزير جبران باسيل يسعى إلى الاستئثار بالتمثيل المسيحي وإقصاء سائر المكونات السياسية المسيحية. وهذا سيحدد دون أي شك الخطوط العريضة لتوجهات العهد السياسية، كما يؤسس لمعركة رئاسة الجمهورية بعد 4 سنوات من اليوم.
من جهة أخرى يسعى الرئيس سعد الحريري للتأكيد أنه الممثل الأوحد للسنة في لبنان، ويريد من ذلك ضمان موقعه كرئيس للوزراء في مرحلة يعاني منها السنة حالة من الضيعان والنزاعات الداخلية، بعد أن خسر تيار المستقبل عدداً من نوّابه، وظهرت زعامات جديدة، وتمكن حزب الله بمؤازرة سوريا من إنجاح نوّاب سنة يسيرون في فلكه ويؤيدون طروحاته. بالمقابل لا يزال الغموض يلفّ علاقة الحريري بالسعودية.
حزب الله وحليفه أمل أثبتا أنهما الكتلة الأكثر تماسكاً وتأثيراً على الساحة اللبنانية.
لكن الفرق بين حزب الله وسائر التكتلات هو في الرؤية البعيدة للأمور وفق ارتباطه بدول إقليمية، وفي طليعتها إيران، وهي الممول والمسلح والموجه الأوحد له.
لذا يعتبر حزب الله أن الفوز الذي حققه مع حلفائه هو انتصار سياسي كبير وأن النتائج التي حققها الحزب “أذهلت أميركا والسعودية وسائر المتآمرين على المقاومة ومحاولات محاصرتها”.
واعتبرت مراجع في حزب الله “أن نتائج الانتخابات هي بمثابة استفتاء على خيار المقاومة وللمعادلة الثلاثية الذهبية أي «الجيش والشعب والمقاومة» وأن هذه المعادلة أصبحت متجذرة في لبنان، تحمي أمنه واستقراره في مواجهة التحديات والمخاطر”.
– المعادلة الذهبية
معادلة الجيش والشعب والمقاومة التي يسعى حزب الله إلى تكريسها كواقع لا غنى عنه، يطرح بعكسها معادلة ثلاثية أخرى، تغيب عنها المقاومة، فالقوات اللبنانية ومَنْ يتحركون بروحية 14 آذار يطرحون بالمقابل مقولة «جيش وشعب ودولة»، لأن القوات ترفض بالكامل قيام دويلة داخل الدولة، تحتكر قرار الحرب والسلم وتُضعف فرص قيام الدولة القوية التي يفترض بها أن تحمي الوطن وتتخذ القرارات وتزيل عقد الخوف من نفوس المواطنين ولا تميز فيما بينهم بسبب عامل السلاح غير الشرعي. فحزب الله يسعى إلي تشريع سلاحه بينما يريد آخرون نزع الشرعية عنه.
من هنا تأخذ التكتلات التي تتكون اليوم بعداً آخر إلى جانب مساعي التسلط لدى البعض، وضمان حقوق لدى البعض الآخر، خاصة أن سلاح حزب الله، لم يعد موضوعاً داخلياً، بل اتخذ بعداً إقليمياً إثر مشاركة الحزب في النزاعات الدائرة في المنطقة، كما تحول إلى مسألة دولية اتخذت الدول مواقف متعارضة منها، لكن يتصف معظمها بالإدانة.
لذا يحذر حزب الله وأمل أن الحكومة الجديدة يجب أن تلتزم بفرضية «الجيش والشعب المقاومة» كشرط للمشاركة فيها. والسؤال المطروح الآن كيف ستقبل الفئات السياسية بهذا الشرط وهل سيخضع الوزير جبران باسيل لإملاءات أمل وحزب الله حفاظاً على العهد وعلى آمال الرئاسة لديه؟
– تبدلات ذات دلالات خطيرة
لا يمكننا تجاهل تبدلات هامة حدثت في المرحلة الأخيرة على المستويين الإقليمي والدولي، قد تنعكس ذيولها على الوضع في لبنان والشرق الأوسط.
1 – فالإدارة الأميركية دخلت في مشاورات مباشرة مع كوريا الشمالية، سبقتها حوارات بين الكوريين وشبه تطبيع للعلاقات بينهما. ثم تلا ذلك إطلاق سراح أميركيين محتجزين لدى كوريا الشمالية بعد اتهامهم بالتجسس لصالح الولايات المتحدة.
وينظر محللون إلى هذه التحولات على أنها تعطيل للدور السلبي الذي قد تلعبه كوريا الشمالية لتأزيم الأوضاع في منطقة المحيط الهادي، ومحاولة أميركا التركيز على الشرق الأوسط.
2 – انسحاب الولايات من الاتفاقية النووية مع إيران وممارسة إدارة ترامب الضغوطات على الدول الأوروبية لمقاطعة إيران وتشديد العقوبات الاقتصادية عليها.
ورافق هذا الانسحاب تهديدات بضرب الوجود العسكري الإيراني في سوريا، مما منح إسرائيل الضوء الأخضر لتنفيذ هجمات شبه يومية على قواعد وتجمعات عسكرية إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله، داخل سوريا.
فالإدارة الأميركية خاصة مع الرئيس الأميركي ترامب ودعم بعض الدول العربية، وفي طليعتها السعودية، ستعمل المستحيل على ضمان الكيان الصهيوني في إسرائيل، مدعومة من معظم الدول الأوروبية الكبرى، ولو بشكل غير مباشر.
3 – نقل السفارة الأميركية إلى القدس، بعد أن أعلنها الرئيس الأميركي ترامب عاصمة لدولة إسرائيل. وتستعد أميركا مؤخراً إلي تدشين سفارتها في العاصمة الجديدة، في مبادرة تؤشر لانطلاق مرحلة جديدة في تاريخ إسرائيل كما يحلم بها قادة الصهيونية، على أن تتخطى مستقبلاً حدودها الحالية…
4 – وجود رئيس أميركي ملتزم دينياً بالرؤية المستقبلية لإسرائيل على أنها أرض الميعاد، وأن تجمع يهود العالم فيما هو جزء من المعاهدة الإلهية وشرط لعودة المسيح!!
5 – سعي أصحاب نظرية «الحكومة العالمية» للقضاء على كل القوى المتنامية ابتداء بإيران، مروراً بالصين ووصولاً إلى روسيا بوتين، بالإضافة إلي تدمير الدول العربية فهي تغذي النزاعات لتقضي على قدراتها العسكرية والبُنى التحتية لديها، وتدمير ثرواتها الاقتصادية، على أمل فرض واقع جديد يقبل ليس فقط بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بل يدعوها للدخول إلى الشرق الأوسط كمنقذ له.
– الحرب على إيران تجلب المزيد من الدمار
يعتقد خبراء أن إيران تشكل قوة عسكرية متنامية في العالم و أن السلطة الحاكمة تستخدم الثروات الإيرانية ليس لصالح شعبها بل لتدعيم برنامجها العسكري وقدراتها القتالية ولدعم المنظمات التابعة لها في العالم العربي. ويبرر هؤلاء الموقف السعودي المتخوف من تنامي القدرات الإيرانية وتمددها في العالم العربي.
وأعلنت السعودية صراحةً أنها ستعمل ما في وسعها لوقف البرنامج النووي الإيراني والحؤول دون امتلاكها قنبلة نووية وأسلحة بالستية قادرة على تدمير خيراتها وآبار النفط لديها، وتهديد الاستقرار في المنطقة…
المطالب السعودية طالما كررتها الحكومة الإسرائيلية التي تتخوف بدورها من تنامي القدرات العسكرية الإيرانية وامتدادها حتى حدودها الشمالية، وأصبحت إيران تشكل خطراً على الكيان الصهيوني، لذا تسعى إسرائيل إلى تدمير القوة الإيرانية والقضاء على حزب الله المرابض على حدودها الشمالية، حسبما تروج له الإدارة الإسرائيلية.
وأصبح بديهياً أن إسرائيل غالباً ما تعمل على أن تتلاءم مصالحها الكبرى مع مصالح الدول العظمى، وتسعى إلى استخدام الآخرين للدخول في حروب بالوكالة عنها.
– أجواء الحرب تخيم على الشرق الأوسط
لا يختلف إثنان اليوم أن سوريا قد تكون نقطة انطلاق لحرب واسعة جديدة. فالعالم كله متواجد على الساحة السورية، والقوى المتنازعة عالمياً تتخذ سوريا مكاناً لتحسين مواقعها أو نقل نزاعاتها إلى الأرض السورية.
ويبدو من تطور الأحداث أن إيران هي المستهدف الأول من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج بقيادة السعودية. وأن إيران وسوريا وحزب الله يستعدون للحرب بكل طاقتهم العسكرية، وأن خطط المواجهة تضع لمساتها الأخيرة كل الأطراف المتنازعة.
– إيران تهدد
إيران التي تفتقر لسلاح جوي متطور تمتلك بالمقابل 1500 منظومة صواريخ صينية الصنع، وهي تنكب على تصنيع حوالي مئة صاروخ بالستي يومياً، وتعتبر نفسها قادرة على ضرب القواعد الأميركية في السعودية والخليج العربي والبحر المتوسط.
كما هي قادرة على توجيه ضربات مؤذية لخصومها بواسطة عشرات آلاف الصواريخ البالستية التي تحمل رؤوساً هيدروجينية.
وهي مصممة أيضاً على تدمير السعودية كأول هدف لها وتتوقع أن تطلق في الأسبوع الأول 15 ألف صاروخاً وأن توجه ما بين 1500 و 2000 صاورخ إلى البنى التحتية داخل إسرائيل.
حزب الله الذي أعلن مراراً سيده حسن نصر الله ولاءه لولاية الفقيه، قد يطلب إليه المشاركة في الحرب المقبلة، من هنا تبدو مقولة حزب الله الذهبية: الجيش والشعب والمقاومة، حاجة ملحّة في هذه المرحلة، إذ أن إقرارها في البيان الحكومي يوفر دعم الجيش والشعب والدولة له في معركة مصيرية تحدد مستقبله ووجوده.
ويعتقد البعض أن إدراج المادة 49 في الميزانية يهدف على المدى البعيد إلى نقل آلاف الشيعة والسماح لهم بالإقامة في لبنان لقاء شراء مساكن ليؤسسوا خلفية شعبية داعمة لحزب الله عند الضرورة.
– أيام مصيرية
الأشهر القليلة القادمة ستكون دون شك مصيرية بالنسبة لأكثر من طرف وبلد في منطقة الشرق الأوسط، ومن ضمنها لبنان العاجز عن النأي بالنفس خلال الأحداث الكبرى.
وفيما يتناحر الصغار على المواقع والحصص في لبنان يخطط آخرون لتبدلات قد تغير المعالم الأساسية لأكثر من بلد.
فهل يتمكن العهد من تحييد لبنان عن نزاعات الكبار، أم أن مصالح الصغار قد تؤدي إلى المغامرة بمصير الوطن!!.
من يعش يرى.!!